صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

السعودية خارج مجلس الأمن

يثير تخلي السعودية عن عضويتها المؤقتة في مجلس الأمن الدولي بعد انتخابها من جهة الهيئة العامة للأمم المتحدة، وتصدر الموضوع الخبر الإقليمي والدولي، يثير رغبة السعودية في إبراز إستراتيجيتها لحل الأزمة السورية المعتمدة أولا وأخيرا على دعم المعارضة المسلحة واستدعاء التدخل الخارجي لإسقاط النظام ودعم الأطراف الأكثر تشددا في الساحة السورية، وإن كانت وزارة خارجية المملكة نمقت بيان الرفض بتحشية سببين آخرين لا يعلم للسعودية دور بهما منذ تأسيسها, الأول هو القضية الفلسطينية وعجز مجلس الأمن عن حلها منذ 60 عاما – والثاني سيرد ذكره والتعليق عليه.

إلا أن المراقب يدرك بانه كان في وسع السعودية بدل بذل العطاءات الخيالية لتمويل حركة \”الجهاد\” العالمي مساعدة حركات التحرر الفلسطينية التي كانت في أوج نشاطها آنذاك وعدم الوقوف سياسيا ضد حركات المقاومة لسبب أيديولوجي أو مذهبي، وهنا لا يمكن فصل الدولة عن المال / النفط كبقية دول الفورة النفطية في العالم واندماج الدولة بالقبيلة أو العائلة وما يفرضه ضيق أفق التشكيلات البدائية من خلل في إستراتيجية الأولى التي لا تفصل السياسة الخارجية عن منطلقات الانفعال الشخصي بدون وجود أدنى تطابق بين المكون الحضري والأخلاقي للبيئة مع الفعل الدولي.

السبب الثاني للبيان هو فشل جهود نزع أسلحة التدمير الشامل في المنطقة، وهنا اللفظ جاء عاما مطلقا والمقصود به البرنامج النووي الإيراني وأسلحة التدمير الشامل الإسرائيلية، إلا أن البرنامج الإيراني هو أكثر ما يغيض لرؤية سعودية تعتقد تقزيم دورها في المنطقة، وحتى في الداخل السعودي، بجوار قوة نووية كونه يفتح ملفات سكان المنطقة الشرقية للملكة التي تعاني التمايز المذهبي توازيا مع صلاحيات واسعة للمؤسسات الدينية السعودية التي تأخذ منحى متطرفا ضد ساكني هذه المناطق. أما السلاح الإسرائيلي؛ فتنفيذ سياسات السعودية تجاه الولايات المتحدة في المنطقة كفيل بعدم تذمرها منه في قضية لم تشارك فيها السعودية، وليس هذا غريبا مع التسريبات الصحفية مؤخرا عن تقارب سعودي إسرائيلي في المنطقة لتشكيل نوع من الحلف الهلامي يتخذ شكل التنسيق المبطن مع السياسة الخارجية الإسرائيلية في المنطقة وبالأخص في كل من لبنان وسوريا. ويلاحظ هذا من بيان الانسحاب الذي جاء خاليا من أي إدانة واضحة لإسرائيل في الممارسة والسلاح (وهي تمتلك أسلحة الدمار الشامل فعلا) رغم أن إسرائيل معنية بسببين من أسباب الانسحاب الثلاثة.

مجلس الأمن من أجهزة الأمم المتحدة له وظيفة مهمة دوليا تفوق بقية أجهزتها الدولية، وهي المبنية على مجموعة أجهزة رئيسة (الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس الوصاية والأمانة العامة ومحكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة) ويعتبر مجلس الأمن المسؤول عن حفظ الأمن والسلام الدوليين طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وقراراته تعتبر ملزمة لجميع الدول الأعضاء لما لموضوع حفظ الأمن والسلم الدوليين من أهمية كبيرة تتصل بحياة سكان الأرض جميعا، ويتألف من 15 دولة 5 منها دائميات تمتلك حق الفيتو وهي روسيا \”وريثة مقعد اتحاد الجمهوريات السوفيتية\” والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والصين وفرنسا، و10 دول تنتخب بشكل مؤقت كل عامين وتجدد عضوية 5 منها كل سنة على أن يراعى تمثيل الدول كالآتي: 5 مقاعد للدول الإفريقية والآسيوية ومقعدان لدول أمريكا اللاتينية ومقعدان لدول غرب أوربا والدول الأخرى ومقعد لدول أوربا الشرقية، وتكون رئاسة المجلس دورية بواقع ذشهر لكل دولة حسب الترتيب الأبجدي لأسماء الدول، ويتخذ قراراته بالأغلبية وعدم موافقة احد الأعضاء الدائمين للمجلس يؤدي إلى تعطيل القرار، بينما امتناعه عن التصويت لا يعطل القرار ويصار حينئذ إلى حساب الأصوات. ولغرض تحقيق الفاعلية في مجلس الأمن واستمراره في أداء أعماله ألزمت المادة 28/1 من ميثاق الأمم المتحدة الدول الأعضاء في المجلس بضرورة تواجد ممثل دائم في مقر المنظمة في نيويورك. ومن اللجان الفرعية في المجلس هي كل من  لجنة الإجراءات ولجنة أركان الحرب ولجان يشكلها المجلس من الدول الأعضاء كلما استدعت الحاجة.

ومن ملاحظة تشكيلة مجلس الأمن نرى أنه شكل من أشكال الصراع الدولي بين القطب الأمريكي والقطبية الروسية المتجددة إضافة للصين، ففي القضية الروسية استخدمت موسكو حق النقض ضد أي قرار أمريكي/فرنسي/بريطاني حيال عمل عسكري محتمل ضد سوريا يلحق إدراجها ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، واتبعتها في واقعة تاريخية نادرة بكين في استعمال هذا الحق والتي عرف عنها النأي بنفسها عن أي عمل مباشر يتدخل بالسياسة الداخلية للدول واعتمادها سياسة تصفير المشاكل، رغم أن الميدان الاقتصادي يبقى الحلبة الأساس في صراع الستراتيجيات بينها وبين الولايات المتحدة. ويعود ذلك إلى إدراكها طموح الولايات المتحدة الاقتصادي في سوريا والمنطقة.

ورغم معرفة السعودية بكونها رقما غير مؤثر في أي قرار دولي تجاه سوريا وان معظم البلدان ذات العضوية المؤقتة في المجلس ستلتزم احد الجانبين في مجلس الأمن الروسي او الأمريكي دون القدرة على اتخاذ موقف متفرد ومتمايز داخل أروقة مجلس الأمن؛ فانتخاب السعودية ما هو إلا شكل آخر للصراع بين القوى العظمى لاستكمال القوة التصويتية المطلوبة في أي صراع ثانوي على الساحة الدولية لا يرتقي لمستوى استخدام الفيتو. ولكن لماذا قدمت السعودية أوراق ترشيحها وانسحبت بعد ذلك؟ الحدث ليس ببعيد عن سوريا.. الحدث مرتبط باحتجاج موجه ضد الولايات المتحدة من المتغيرات الدولية الأخيرة التي دفعتها إلى آخر صف الدول المؤثرة في القضية السورية وارتقت بغريمتها إيران إلى المقدمة وفرض الحلول على المستوى الدولي بمشاركة روسيا. وعلينا أن نذكّر بفعل احتجاجي آخر هو امتناع السعودية لأول مرة عن إلقاء كلمتها في الأمم المتحدة وحتى عدم توزيع خطابها على الدول الأعضاء، كما درجت العادة الدولية على ذلك، في مقتبل شهر تشرين الأول امتعاضا من سياسات الأمم المتحدة والخطوات الأخيرة للمجتمع الدولي تجاه سوريا وتجنيب الدولة السورية ضربة عسكرية أمريكية محتملة. إلا انه جاء متوافقا زمنيا مع ثلاثة أحداث أسقطت ما بيد السعودية من فرص تضعها في خانة اللاعبين الدوليين الكبار وهي الطامحة للعب هذا الدور بالمال لا بذكاء السياسة والتوازن بين الصراعات الدولية وقراءة المتغيرات والظروف جيدا:

1-الحل الأخير في مبادرة موسكو حول الأزمة السورية الذي تقدمت به روسيا لغرض إتلاف الأسلحة الكيماوية لتجنيب سوريا تبعات أي عمل عسكري. هذا الحل غير بعيد عن ايران والذي أطلق عليه المراقبون المنقذ لماء وجه أوباما بعد خسارات داخلية سياسية قاسية كادت أن تعصف بهيبة \”الحائز على جائزة نوبل للسلام\” أمام المجتمع الدولي والإجراء العسكري المزمع القيام به والذي رمت السعودية وقعا على آماله كل بيضها بالسلة الأمريكية عقب تنحية قطر عن الملف السوري ودعم الأطراف المسلحة وتسلم الأمير بندر بن سلطان هذا الملف وزيارته روسيا ولقاء بوتين وخروجه خالي الوفاض. لم تشف السعودية بعد من \”الطعنة الأمريكية\” كما تسميها صحف النظام والأمر على السعودية أن يكون هذا الإجراء على حسابها في المنطقة وبعلم غريمتها ايران التي كان لها دور مهم بالتشارك مع موسكو في هذا الحل لتقوض الجهد المالي المبذول من السعودية التي عانت من عزلة شبه مؤقتة لدورها المتعاظم في المنطقة من طعنة امريكية واتفاقات لا علم لها بها ومشاغبة قطرية معها بدعم فصائل جهادية مناوئة للائتلاف الذي يقوده رجل الرياض احمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري والجيش الحر انعكس أخيرا في الاقتتال العنيف بين داعش \”الدولة الاسلامية في العراق والشام\” والجيش الحر الذي تتهاوى مواقعه في شمال سوريا ليكون مصير أفراد هذا التنظيم الكارتوني إما القتل او التوبة والانضمام لداعش او اللجوء لتركيا.

2-التقارب الامريكي الايراني الأخير عقب انتخاب روحاني والمكالمة الهاتفية التاريخية بين اوباما وروحاني عقب زيارته لحضور اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة كأول اتصال بهذا الشكل بين رئيس ايراني وامريكي منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 ولقاء وزيري خارجية البلدين وما اعقبه من تصريحات متفائلة من الطرفين للتعاون حول الملف النووي بشكل حاسم من الجانب الايراني وحول العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران من الجانب الامريكي وما ساد هذه الجو من خطاب امريكي مس جوهر الخلاف بين طرفي القضية السورية وغياب المطالبة بتنحي الأسد من الرئاسة ولو مؤقتا في الخطاب الامريكي الى الاشادة بتعاونه مع منظمة حظر الاسلحة الكيميائية لتصفية الاسلحة السورية وتوفير كافة الامكانيات للمفتشين الدوليين وخبراء المنظمة.. لم يفارق المملكة أن هذا التقارب جاء على حسابها وهي التي بنت مواقع نفوذها في المنطقة في مساحات اللاتوافق وبؤر التوتر والاصطدام غير المباشر بين الطرفين.

3-الأمر الثالث متعلق بالميدان وبالتحديد ما يجري في سوريا، فالجيش السوري كثف من انتصاراته والقيادة السورية تنظر لمسألة حسم المواقع الإستراتيجية خصوصا اتجاهها نحو \”أسورة دمشق\” وتطهير ريفها من المقاتلين بجدية اضافة الى انتصارات عسكرية صغيرة متفرقة في محافظات حلب وحمص وحماه وسيطرة الجيش على مراكز مهمة هناك لمواجهة استحقاق مؤتمر جنيف 2، فيما يعلم طرفا النزاع بان المنتصر ميدانيا هو من يقرر شكل ومضمون الحل في سوريا مستعينا بالظهير الدولي.

تراجع الدور السعودي وتعاظم نفوذ ايران شكل للسعودية أزمة باتت تنعكس تجلياتها في مواقف دولية غير مؤثرة وفي اساسها رسالة الى الولايات المتحدة الامريكية والتذكير بالعلاقات بينهما التي استعانت بها امريكا مرات عديدة لتنفيذ سياساتها في المنطقة ودفعت اثمانها السعودية مرغمة وتبقى تعبيرا عن مواقف بسيطة تجاه امريكا لمعرفتها بعدم قدرتها على تجاوز ما هو مؤثر على مصالح ونفوذ امريكا التي تبني مصالحها بعيدا عن ادواتها الدولية، وهو موقف يبقى عند حده الأدنى ينطوي على رجاء وتذكير بالعلاقة التي استفادت منها امريكا كثيرا، لكن امريكا اليوم المنكفئة لما هو داخلي لا تنساق لتمنيات المملكة، وليس في نية المملكة في المدى القريب والمتوسط والبعيد قطع علاقاتها مع الولايات المتحدة التي اتخذت شكل الدولة الضامنة لها ولدول الخليج عموما مع حرصها على ابقاء السعودية في موقعها الحالي كدولة مصدرة لفائض التشدد لتبقى مستغلة لفائض الغباء في التنظيمات الارهابية، فالسعودية دولة الحسبة وهيئة الأمر بالمعروف تعرف جيدا بأن (الطلاق لمن اخذ بالساق).

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا