لا يقل أهمية عن النفط، يعود ملف “السكراب” إلى الواجهة، بعد إيقاف خط تهريبه لإقليم كردستان من قبل رئيس الحكومة، ما أدى لدخوله بخلافات مع الجهة “المتنفذة” المسيطرة على هذا الخط، وفيما أرجع متخصصون بالسياسة والاقتصاد هذا الإجراء إلى محاولة الحد من كافة عمليات التهريب حتى وإن كانت مدعومة من جهات متنفذة ومسلحة، فأنهم كشفوا أن طن “السكراب” المهرب يتم شراؤه بـ25 دولارا ويعاد تصنيعه ويباع بـ800 دولار بمعامل الإقليم فضلا عمن يهرب لخارج البلد، وهذا يجري بمقابل تعطيل معامل الحديد والصلب الرسمية، ما سبب خسائر كبيرة للبلد.
ويكشف مصدر مطلع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عمليات تهريب الحديد السكراب إلى إقليم كردستان والتي تسيطر عليها جهة سياسية متنفذة جرى إيقافها من قبل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ما أثار خلافات بينه وبين هذه الجهة وبعض الاطراف السياسية الأخرى”.
ويذكر المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن “سعر تمرير الشاحنة الواحدة من قبل هذه الجهة للإقليم كان ألف دولار، إلا أن هذه العمليات توقفت مؤخرا”.
ويعد السكراب (الخردة) في العراق، ملكا للشركة العامة للحديد والصلب، وهو مال عام، وقد كشفت “العالم الجديد”، سابقا عبر سلسلة تقارير مدعومة بالوثائق، عن محاولات تاجر للسيطرة على شركة الحديد والصلب، عبر تغيير مدراء ودفع رشى في وزارة الصناعة والمعادن، بهدف الاستحواذ على “السكراب” وتهريبه.
كما كشفت “العالم الجديد” التفاصيل الكاملة لمحاولة سحب ملكية “السكراب” الخردة من شركة الحديد والصلب وتحويلها الى شركة الصناعات الفولاذية، الأمر الذي دفع شركة الحديد الى ارسال كتاب رسمي لوزارة الصناعة تبين فيه ان سحب “السكراب” منها يؤدي الى إيقاف عملية تأهيل الشركة ويوقف كافة مصانعها.
من جانبه، يشير المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “هذا الأمر يأتي في إطار المنهاج الوزاري لدعم موارد الدولة وتعظيم موازناتها من خلال استثمار الإمكانيات المتاحة بشكل مطلق لتعزيز بعض القضايا المتعلقة بتطوير الصناعات العسكرية والحربية وحتى الصناعات التقليدية التي تعتمد على المواد الأولية كالحديد وغيرها من المعادن“.
ويضيف أن “حكومة السوداني تعمل على توسيع دائرة الإصلاح وإيقاف كافة عمليات التهريب أو الفساد الممنهجة في رسالة واضحة منها بان الحكومة مطلعة على كل شيء وان بعض الجماعات المسلحة مهما كان لها دور في المشهد السياسي فان هذا لن يجعلها بعيداً عن أعين السلطة أو دوائرها الرقابية أو أنها ستكون فوق القانون بحسب ما يبدو من خلال تطبيق المنهاج الحكومي بشكل مطلق دون النظر لأي اعتبارات“.
اقتصاديا
إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “موضوع تهريب السكراب أصبح ينفذ بشكل علني حيث نشهد الشاحنات محملة تذهب عبر كركوك نحو الإقليم“.
ويضيف المشهداني أن “عمليات تهريب النفط اكتشفت، فاكتشفت معها جميع عمليات التهريب، لاسيما أن المهربين يمتلكون تصاريح مزورة، ونقل الحديد السكراب أصبح واضحا لمن يذهب إلى ديالى أو كركوك فأنه سيصادف ما لا يقل عن 100 شاحنة تأتي من محافظات مختلفة وتتجه نحو الإقليم“.
ويتهم الخبير الاقتصادي “جهات سياسية وأمنية متنفذة بتوفير الحماية لهذه العمليات، وإلا فكيف يتم عبور هذه الشاحنات إذا لم تتم هذه عبر نداءات وتغطية من مافيات”، مؤكدا أن “السكراب المهرب يذهب إلى الإقليم لأنه يمتلك معملين لحديد التسليح، فالحديد الخام ينصهر كله وتتم إعادة صبه هو والرصاص والألمنيوم وهو من المعادن النافذة مثل النفط التي تنعدم مواده الاًولية في كل مكان وعليه تتم إعادة تصنيعها مرة أخرى“.
ويلفت المشهداني إلى أن “إقامة المعمل في الإقليم، ليس صحيحا ولا منطقيا من الناحية الاقتصادية لأن معامل الحديد يجب أن تكون قريبة من البحر لغرض تصديرها، إلا أنهم أغلقوا معمل الصلب في البصرة وافتتحوا معملا في الإقليم كما أن السكراب كان يستخرج من منشآت حكومية“.
ويوضح المشهداني أن “مردود الحديد السكراب كبير جدا، إذ يصل طن الحديد السكراب من 25 دولارا إلى 100 دولار وبعد تصنيعه يباع تقريبا بسعر 800 دولار“.
وكانت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية السابقة، أكدت في العام 2021، عزمها رفع تقرير إلى هيئة النزاهة يتضمن حجم تهريب “السكراب” والجهات المشخصة والمقصرة في ذلك وكيفية وصول الشاحنات المحملة بالحديد من البصرة ومحافظات أخرى إلى معمل الحديد والصلب في أربيل والسليمانية.
في عام 2013، وافق مجلس الوزراء على بيع الحديد الخردة المتواجد في دوائر الدولة ومخلفات الحرب وآليات الجيش والشرطة الخارجة عن الخدمة، إلى القطاع الخاص.
وشكلت وزارة الصناعة والمعادن “لجنة سكراب الحديد” لبيع الحديد وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 32 لعام 1986 أو تحويلها إلى مصانع الحديد والصلب في البصرة أو شركة “نصر” العامة للصناعات أو مصانع القطاع الخاص الفولاذية.
بدوره، يذكر الخبير في الشأن الاقتصادي جليل اللامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “ملف تهريب السكراب من الملفات الشائكة التي لم تفرض الحكومات العراقية المتعاقبة السيطرة عليه منذ عام 2003 حتى الآن رغم الرقابة المستمرة للمنافذ الحدودية وحتى تلك التي بين المحافظات“.
ويضيف اللامي أن “بعض الجهات التي تسيطر على التهريب لديها طرقها الخاصة التي تتبعها في سبيل إيصال سكراب الحديد وغيره من بغداد والمحافظات إلى الإقليم، ومنذ عام 2013 عندما وافق مجلس الوزراء على بيع الحديد السكراب أو الخردة المتواجدة في دوائر الدولة ومخلفات الحرب وآليات الجيش والشرطة الخارجة عن الخدمة إلى القطاع الخاص”، مؤكدا أن “وزارة الصناعة والمعادن شكلت لجنة سميت لجنة سكراب الحديد من أجل بيع الحديد وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 32 لعام 1986 أو تحويلها إلى مصانع الحديد والصلب في البصرة أو شركة نصر العامة للصناعات او مصانع القطاع الخاص الفولاذية ولكن الكميات كانت كبيرة والشركتان متوقفتان عن العمل“.
وأفاد بأن “القطاع الخاص اشترى كميات كبيرة من السكراب وهربها بطريقة غير قانونية خارج العراق، مستغلا فساد مؤسسات الدولة العراقية بل وصل الحال بيع مكائن مازالت صالحة للعمل على أنها سكراب وهربت إلى الخارج، لذا نجد أن اغلب السماسرة وتجار الخردة يحرصون على تهريب السكراب الى خارج العراق. من أجل تدويره وتصنيعه من جديد وإعادة استيراده، ولكن هذه المرة على شكل حديد لمواد بناء وسيارات وأجهزة وغير ذلك بدلا من استثمارها داخل البلاد ودعم السوق وتشغيل المئات من الشباب العاطلين“.
وكانت القوات الأمنية ضبطت 12 شاحنة محملة بالسكراب من موقع وزارة الصناعة والمعادن- شركة ديالى العامة للصناعات الكهربائية- معدة للتهريب إلى أربيل، وذلك في العام 2021.