السلفيون هم البطاقة الرابحة في استفتاء مصر

م الترويج للاستفتاء على مسودة الدستور في مصر الذي جرى في 14 و15 كانون الثاني/يناير على أنه تصويت على إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي الذي ينتمي إلى جماعة «الإخوان المسلمين» في 3 تموز/يوليو. بيد أنه من غير المرجح أن يغير التصويت من المسار السياسي قصير الأجل للبلاد: فبغض النظر عن النتائج، فإن الحكومة المدعومة من الجيش ستواصل قمع أنصار مرسي، الذين سيواصلون بدورهم مقاومة عملية يرونها غير شرعية. بيد أنه قد يكون لنطاق مشاركة السلفيين في الاستفتاء تداعيات أطول أجلاً. فارتفاع معدلات إقبال السلفيين على التصويت قد يشير إلى تبني قرار \”حزب النور\” المشاركة في العملية السياسية عقب مرسي، بينما قد تشير معدلات الإقبال المنخفضة إلى شعور قوي بالحرمان من الحقوق مما قد يدفع السلفيين إلى اعتناق النهج الجهادي.

الخلفية

إن المسودة الأخيرة للدستور والتي تم تقديمها إلى الرئيس المؤقت عدلي منصور في مطلع كانون الأول/ديسمبر، تعكس تحالف الأحزاب اليسارية ومؤسسات الدولة المتحصنة التي شاركت في الإطاحة بمرسي. وهي توسع بشكل هائل من دور الحكومة في تقديم الخدمات الاجتماعية؛ وتمنح صلاحيات غير مسبوقة للجيش والقضاء ووزارة الداخلية؛ وتحد من دور الإسلام في الحياة العامة، وهذا على الأقل مقارنة بالدستور الذي صاغته لجنة هيمنت عليها جماعة «الإخوان» (انظر نشرة المرصد السياسي رقم 2183، \”دستور مصر الجديد: توقعات قاتمة\”) ورغم أن هذا الدستور يحمي من الناحية الفنية مجموعة واسعة من الحريات المدنية، إلا أنه يقوضها في الغالب من خلال النص على أنها سوف \”تخضع لتنظيم القانون\”.

بيد أن محتوى الدستور غير جوهري إلى حد ما: فالحكومات المصرية نادراً ما احترمت المواد الليبرالية نسبياً في المواثيق السابقة، كما يرجح عدم تطبيق بنود عديدة في المسودة الجديدة (مثل حظر الأحزاب الدينية؛ والنصوص التي تفرض زيادات هائلة في إنفاق الدولة). ونتيجة لذلك، فإن المناقشات العامة حول الاستفتاء تجاهلت إلى حد بعيد نص الدستور، وركزت بدلاً من ذلك على تصوير الاستفتاء على أنه اختبار للشرعية الشعبية في الفترة الانتقالية عقب مرسي.

معدلات الإقبال سوف تصوغ الوضعية وليس النتائج

لم تأت نتيجة التصويت على أي استفتاء في تاريخ مصر بـ \”لا\”، ومن المتوقع أن تأتي نتيجة هذا الأسبوع على نفس المنوال. ومن ثم فإن أنصار ومعارضي الإطاحة بمرسي يركزون على معدلات الإقبال – وهذا يعني تحديداً معرفة ما إذا كان استفتاء هذا الأسبوع سوف يشهد معدل إقبال يتجاوز نسبة الـ 32.8 بالمائة التي شهدها استفتاء دستور 2012 في ظل حكم مرسي.

وأولئك الذين أيدوا الإطاحة بمرسي ضغطوا من أجل معدلات إقبال عالية، وهو الأمر الذي سيعزز زعمهم بأن الفترة الانتقالية عقب مرسي تحظى بشرعية شعبية قوية. وأثناء خطاب له يوم الأحد، قارن منصور بين التصويت في الاستفتاء والمشاركة في الاحتجاجات الجماهيرية ضد حسني مبارك في عام 2011 ومرسي في 2013، حيث قال إن تمرير الدستور حيوي \”حتى يمكننا إتمام ثورتنا بالطريقة التي نريدها\”. وعلى نحو مماثل، فإن وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، إلى جانب العديد من المحطات التلفزيونية المملوكة للقطاع الخاص والبابا القبطي، حثوا جميعاً المصريين على التصويت بـ \”نعم\”، كما أن الأحزاب والحركات غير الإسلامية التي أيدت الإطاحة بمرسي تحشد أنصارها للتصويت بنعم. كما أن الجيش بعث برسائل حول مصلحته في وجود معدلات إقبال قوية. وفي 10 كانون الثاني/يناير، أصدر وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي خطة مفصلة لكي يقوم 160,000 ضابط ومجند بحراسة 30,317 مركز اقتراع؛ وبعدها بيوم ألمح إلى أن قراره الترشح لمنصب الرئاسة مرتبط بنتائج الاستفتاء على الدستور. كما أن الحكومة كانت قلقة جداً بشأن معدلات الإقبال، حيث ألمح المستشار الرئاسي علي عوض مساء يوم الأحد إلى أنه قد يتم تمديد التصويت ليوم ثالث.

وفي غضون ذلك، دعت جماعة «الإخوان» وفصائل أخرى إلى المقاطعة، حيث تؤمن بأن انخفاض معدلات الإقبال سوف تعزز من حجتهم بأن المصريين يرفضون على نطاق واسع المرحلة الانتقالية عقب الإطاحة بمرسي. وفي هذا الصدد، قارن قادة «الجماعة» بين التصويت على الاستفتاء \”والمشاركة في إراقة الدماء\”، بينما أصدر الشيخ المصري يوسف القرضاوي المقيم في الدوحة – والمقرب أيديولوجياً من جماعة «الإخوان» ولديه أتباع كُثُر في بلده الأم – فتوى الأسبوع الماضي تأييداً للمقاطعة. وأفادت التقارير بأن الموالين لمرسي خططوا شن احتجاجات هائلة هذا الأسبوع، كانت قد تشعل مصادمات عنيفة مع قوات الأمن.

بيد أنه رغم هذا التركيز على معدلات الإقبال، يرجح ألا تغير النتيجة من المسار السياسي قصير الأجل لمصر. فإذا فاقت معدلات الإقبال نظيراتها في استفتاء عام 2012 بشكل هائل، فسوف تعلن الحكومة أنها حصلت على تفويض وسوف تواصل قمعها لـ «الجماعة» – التي تراها خطراً وجودياً – مع مضيها قدماً في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ورغم أن معدلات الإقبال القريبة من تلك التي كانت في استفتاء عام 2012 أو الأقل منها سوف تزعج الحكومة، إلا أن ردها لن يتغير: فهي سوف تواصل قمعها من أجل مقاومة عودة «الإخوان» للحياة السياسية، ومن ثم تمضي قدماً في إجراء الانتخابات من أجل تعزيز مطالبها السياسية. ومن غير المرجح أن تغير نتائج الاستفتاء استراتيجية «الجماعة»، وهي رفض أي عملية سياسية ما بعد مرسي باعتبار أنها نتاج لانقلاب غير شرعي.

بطاقة السلفيين الرابحة

وعلى النقيض من ذلك، قد يكون للسؤال الأضيق حول معدلات إقبال السلفيين تداعيات كبيرة جداً على الأمن والاستقرار في مصر على المدى الطويل. وفي حين يخشى العديد من المحللين من أن العزلة السياسية لـ «الإخوان» قد تدفع كوادرها إلى اعتناق الإرهاب المنظم، فإن التفسير الحرفي للقانون الإسلامي الذي اعتنقه السلفيون يجعلهم أكثر قرباً بكثير من الجهاديين الذين يستخدمون العنف. ولهذا يُرجح أن تكون أعداد السلفيين التقديرية التي تتراوح بين 3 و6 ملايين سلفي مصدراً لتجنيد الجهاديين بينما يواصلون حملتهم الإرهابية ضد الحكومة. بل إن معدلات إقبال الناخبين العالية بين السلفيين لن تمنع بعضهم من الانضمام إلى الجهاد، لكن معدلات الإقبال المنخفضة سوف تشير إلى مشاعر قوية بالحرمان من الحقوق ومن ثم وجود قاعدة عريضة من الدعم للعنف المناهض للحكومة.

وفي عشية الاستفتاء، كان يبدو أن كلا النتيجتين أمر ممكن. فمن ناحية، دعّم \”حزب النور\” السلفي – الجناح السياسي لجماعة \”الدعوة السلفية\” الكائنة في الإسكندرية – وبقوة التصويت بـ \”نعم\” على الدستور: فقد أدار حملة طموحة لتأييد الدستور، شملت عقد مؤتمرات جماهيرية حضرها معظم شيوخه البارزين. وفي ضوء قدرات الحشد الكبيرة للحزب على مستوى البلاد وشبكاته الواسعة للخدمات الاجتماعية، إلى جانب حريته النسبية في ظل الحكومة الحالية، فإن تأييد \”حزب النور\” ربما كان له تأثير قوي على معدلات إقبال السلفيين. وفي المقابل، فإن الأحزاب السلفية الكبرى الداعمة للمقاطعة تفتقر إلى هذه المميزات: ومن بينها \”حزب الوطن\”، الذي كان رئيسه مستشاراً لمرسي، والذي تأسس قبل عام واحد فقط ولا يحظى بتواجد قوي على مستوى البلاد، في حين قامت الحكومة بتقييد الأنشطة السياسية لـ \”الجماعة الإسلامية\” – المنظمة التي صنفتها الولايات المتحدة على قائمة الجماعات الإرهابية.

ومن الناحية الأخرى، فإن دعم \”حزب النور\” للاستفتاء يجعله على تناقض مع العديد من الشيوخ السلفيين المؤثرين، أبرزهم أبو إسحاق الحويني، الذي أصدر فتوى يدعو فيها إلى المقاطعة. إن دعم \”النور\” للحكومة التي تقمع الإسلاميين الآخرين تسبب في تراجع حاد للدعم الذي يحظى به الحزب، كما عكسته استطلاعات الرأي الأخيرة. وفي تناقض واضح مع جماعة «الإخوان» التي تحظى بهيكل هرمي صارم، لا تمارس الأحزاب السلفية أي سيطرة على صفوفها؛ وبناءً على ذلك، أشار بعض قادة \”النور\” في المستويات الوسطى إلى أنهم قد لا يتبعون قرار الحزب بدعم التصويت بـ \”نعم\” على الدستور.

ويقيناً، أن قياس معدلات الإقبال الدقيقة للسلفيين سيكون صعباً. فلم يكن هناك أي إحصاء للناخبين عقب خروجهم من مراكز الاقتراع، وحقيقة أن الحكومة المصرية قد سمحت بحضور نحو 6000 مراقب فقط لمراقبة 30,000 مركز اقتراع قد تقوض من مصداقية النتائج. لكن التقارير الإعلامية والمقارنات لبيانات الإقبال على مستوى المحافظات بين استفتاء هذا الأسبوع والانتخابات البرلمانية التي أجريت في 2011-2012 قد توفر بعض التبصر حول قبول السلفيين للعملية السياسية الحالية أو عدم قبولها لها.

التداعيات للسياسة الأمريكية

منذ الإطاحة بمرسي، تبنت إدارة أوباما سياسة متناقضة تجاه مصر. ورغم الإقرار المتكرر بعجزها عن تشكيل السياسات الداخلية المضطربة في مصر، إلا أنها حاولت على ما يبدو القيام بذلك في تشرين الأول/أكتوبر، عندما علّقت جزئياً معوناتها العسكرية إلى مصر \”إلى حين إحراز تقدم ملحوظ تجاه قيام حكومة مدنية شاملة منتخبة ديمقراطياً من خلال انتخابات حرة ونزيهة\”.

إن استفتاء هذا الأسبوع يعطي واشنطن فرصة لإعادة ضبط سياستها تجاه مصر، بما يؤكد المصالح الاستراتيجية التي تستطيع تعزيزها بدلاً من النتائج السياسية الداخلية التي لا تستطيع تحقيقها. واستفاضة في هذه النقطة، فبغض النظر عن براعة أو سوء تدخل الجيش في الحياة السياسية في مصر، فإن مصالح كلا الدولتين لا يخدمها السماح بنمو التطرف العنيف على نحو أكثر قوة. لذا ينبغي على واشنطن استئناف علاقتها الطبيعية مع الجيش المصري من أجل مواجهة التهديد الجهادي الناشئ، الذي يضرب بشكل متزايد غرب قناة السويس. وفي هذا السياق، يجب على واشنطن أن تعيد فتح المناقشات مع القاهرة بشأن طبيعة المعونة العسكرية الأمريكية، وإعادة هيكلة تلك المساعدات من أجل مساعدة مصر على تعزيز قدراتها بصورة أفضل في مجال مكافحة التمرد.

وفي الوقت ذاته، ينبغي على واشنطن أن تواصل البعث برسائل حول استيائها من السلوك غير الديمقراطي للحكومة المدعومة من الجيش. إن الهجوم الواسع للقاهرة على خصومها ومنتقديها والذي استهدف فاعلين سياسيين خارج نطاق «الإخوان» يُحد من فرص تحقيق الإجماع السياسي ويزيد من احتمالية وقوع المزيد من الاضطرابات. ولذا يجب على واشنطن أن تتبنى نهجاً متوازناً – يركز على المصالح الاستراتيجية الأمريكية من خلال استئناف المساعدات العسكرية، لكن دون تجاهل المسار السياسي الاستبدادي الذي تسير فيه مصر.

* إريك تراجر هو زميل واغنر في معهد واشنطن.
** المصدر: The Washington Institute for Near East Policy

إقرأ أيضا