مع اقتراب العام الحالي من نهايته، كشف مسؤول في مجلس الوزراء أن حكومة محمد شياع السوداني تعتزم إجراء تعديلات على مسودة موازنة 2023 التي أعدتها الحكومة السابقة، لغرض إرسالها سريعا لمجلس النواب وإقرارها قبل نهاية هذا العام، وسط توقعات من اللجنة المالية النيابية بأن هذه الموازنة ستكون معبرة عن البرنامج الحكومي للسوداني، لكنها لن تكون مختلفة كثيرا عن أية موازنة أخرى أقرت سابقا، في ظل دعوات إلى إيلاء التنمية أولوية قصوى في هذه الموازنة.
ويقول مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني يعتزم إجراء تعديلات على مسودة قانون الموازنة لسنة 2023 المعدة من قبل حكومة الكاظمي”.
ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “الأيام المقبلة سوف تشهد اجتماعات بهذا الصدد مع اللجنة المتخصصة بهذا الأمر”، مبينا أن “السوداني سيعمل على تقديم الموازنة قبل نهاية العام الحالي، حتى يشرعها البرلمان أيضا قبل نهاية العام الحالي، ليتم العمل بها بشكل فوري مع بداية السنة الجديدة”.
يشار إلى أن العام الحالي مضى من دون إقرار الموازنة، بسبب تحول الحكومة السابقة إلى تصريف أعمال منذ تشرين الأول أكتوبر 2021، بالتزامن مع إجراء الانتخابات النيابية آنذاك.
وكان مجلس النواب منح في 27 من الشهر الحالي، الثقة لحكومة السوداني بواقع 21 وزارة من أصل 23 وزارة، وذلك بعد أن انتخب سابقا رئيس الجمهورية والذي كلف بدوره السوداني بتشكيل الحكومة.
وأثيرت خلال الأشهر الماضية مسألة توقف صرف الرواتب ومفردات البطاقة التموينية في حال استمرار حكومة تصريف الأعمال من دون انتخاب حكومة تامة الصلاحية يحق لها أن تقدم موازنة أو تقترض وتتحكم بالأموال.
من جهته، يوضح عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “على الحكومة الجديدة برئاسة السوداني إجراء تعديلات على مسودة قانون الموازنة، فهذه الموازنة ستكون معبرة عن برنامج الحكومة الجديدة ومنهاجها الوزاري”.
ويشدد كوجر على ضرورة “إرسال حكومة السوداني مسودة قانون الموازنة في النصف الثاني من شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل لكي نتمكن من تشريعها قبل بداية العام الجديد”.
ويرجح أن “يكون سعر برميل النفط في الموازنة بين 70 و75 دولارا، بعد الارتفاع في أسعار النفط عالميا”، لافتا إلى أنه “من حيث الشكل لن تكون الموازنة المقبلة مختلفة بشكل كبير عن الموارنة السابقة، والفرق الوحيد سيكون في حجمها، وخاصة المبالغ التي ستخصص للموازنة الاستثمارية”.
وسار البلد خلال هذا العام وفق المادة 13 أولا من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 التي تنص على أنه “في حالة تأخر إقرار الموازنة العامة الاتحادية حتى 31 كانون الأول ديسمبر من السنة السابقة لسنة إعداد الموازنة يصدر وزير المالية إعماما بالصرف بنسبة 1 على 12 فما دون من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة بعد استبعاد المصروفات غير المتكررة على أساس شهري ولحين المصادقة على الموازنة العامة الاتحادية”.
ومنذ مطلع العام الحالي، شهدت أسعار النفط ارتفاعا قياسيا وكبيرا، لم يحدث منذ نحو 7 سنوات، بفعل الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما عاد بالفائدة على العراق، لكن بقيت هذه الأموال مجمدة ولا تستطيع الحكومة التصرف بها، نظرا لعدم وجود قانون موازنة، وأكد مستشار رئيس الحكومة المالي مظهر محمد صالح، سابقا لـ”العالم الجديد”، أن هذه الأموال ستستخدم لاحقا في موازنات الأعوام المقبلة.
إلى ذلك، تبين الخبيرة في الشأن الاقتصادي والمالي سلام سميسم خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البرنامج الحكومي يحتاج إلى موازنة تختلف عن المسودة التي أعدتها الحكومة السابقة، فلدى السوداني أهداف سوف يعمل على تنفيذها من خلال بعض بوابات الصرف في الموازنة، خصوصا المتعلقة بالأموال الاستثمارية والنفقات الاجتماعية المتعلقة بالفقر والبطالة”.
وتتابع سميسم أن “مواعيد إرسال مسودة قانون الموازنة من قبل الحكومة إلى البرلمان ترتبط بقضايا دستورية، ويفترض أن تكون موازنة 2023 جاهزة قبل البدء بعام 2023، ونعتقد أن سعر النفط في الموازنة سيكون مرتبطا بعوامل كثيرة أهمها الظروف الحرب الروسية-الأوكرانية، خصوصا أننا مقبلون على فصل الشتاء، كما أن العراق اعتاد أن يحدد سعر برميل النفط بشكل منخفض بدرجة كبيرة عن سعره الأصلي، ويكون الفائض المالي مدورا للسنة التالية، لكننا دائما لا نعرف أين تذهب هذه الأموال الفائضة لعدم وجود حسابات ختامية تكشف مصيرها”.
وتشير إلى أن “موازنة 2023 يفترض أن تكون مختلفة، خصوصا في الجانب التنموي، ولا تكون مختلفة في جوانب الإنفاق الجاري المتعلق بالصرفيات والرواتب، فالوفرة المالية يجب أن تعزز تخصيصات التنمية، لكي نلاحظ وجود تحسن في ملف الأمن الغذائي والصحي والاجتماعي وتقليل نسبة الفقر والبطالة”.
يذكر أن وزير المالية في الحكومة السابقة علي علاوي، أعلن في أيار مايو الماضي، أن خفض قيمة الدينار العراقي أدى إلى الحفاظ على احتياطيات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي بعد المستويات المنخفضة والحرجة التي وصلت إليها في أواخر عام 2020، كما أن التعافي في أسعار النفط والإدارة المالية “الحكيمة”، ساعد على بلوغ الاحتياطي المالي 70 مليار دولار بحلول نيسان أبريل الماضي، ومن المتوقع أن يؤدي التعافي المستمر لأسعار النفط إلى زيادة هذه الاحتياطيات لأكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية العام الحالي.
وأعلنت الحكومة السابقة، مرارا انتهاءها من إعداد مسودة الموازنة، وحاولت تقديمها للبرلمان على الرغم من أنها حكومة تصريف أعمال، لكن المحكمة الاتحادية العليا حالت دون ذلك، كما رفضت المحكمة تقديم الحكومة مشروع قانون الأمن الغذائي من قبل الحكومة، قبل أن تتجه اللجنة المالية النيابية لإعداده وتقديمه والتصويت عليه، وبقيمة 25 ترليون دينار، لغرض تمشية أمور الدولة في ظل غياب الموازنة.