منذ عقود ومحافظة ديالى تعاني من وطأة الإهمال وغياب الدعم، وسط تراكم مشكلات الزراعة دون حلول جذرية، فيما انخفضت مناسيب المياه في العراق إلى مستويات قياسية لم تعهدها البلاد منذ أكثر من 80 عاما، والغاء الحكومة الخطة الزراعية الصيفية بالكامل.
وفي خطوة قد تعيد الأمل للمحافظة التي يستند نصف اقتصادها على الزراعة، أعطى رئيس الوزراء، محمد السوداني، اليوم السبت، الضوء الأخضر لحل 6 ملفات تتعلق بالقطاع الزراعي في محافظة ديالى، أبرزها تسويق محصول الحنطة، وإرسال لجنة مركزية لحسم الملف.
وتُعد محافظة ديالى من أبرز المحافظات العراقية ذات الطابع الزراعي، حيث تعتمد نسبة كبيرة من سكانها على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، وتشكل الزراعة فيها أكثر من 50% من سوق العمل المحلي. وعلى الرغم من مقوماتها الطبيعية من أراضٍ خصبة ومصادر مائية، إلا أن القطاع الزراعي في ديالى عانى طويلا من الإهمال الحكومي، وواجه تحديات متراكمة أبرزها شح الدعم، وغياب التخطيط الزراعي الفعال، وتقييد تسويق المحاصيل، خاصة في مناطق المادة 140 والمناطق المزروعة خارج الخطة الزراعية.
وقال رئيس مجلس محافظة ديالى، عمر الكروي، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “رئيس مجلس الوزراء تفاعل مع طلب قُدم قبل نحو أسبوع، يتضمن 6 ملفات تخص القطاع الزراعي في ديالى، وتمثل حقوق آلاف المزارعين، من بينها تسويق محصول الحنطة في المناطق غير المشمولة بالخطة الزراعية”.
وأضاف، أن “السوداني وافق على حسم تلك الملفات وفق السياقات القانونية، ووجّه بإرسال لجنة مركزية تتولى معالجة ملف تسويق الحنطة عبر مراكز وزارة التجارة”، مشيرا إلى أن “رئيس الوزراء أكد دعمه الكامل للقطاع الزراعي في ديالى وبقية المحافظات، لما له من أهمية في تعزيز الأمن الغذائي”.
وبيّن الكروي، أن “القطاع الزراعي يستقطب أكثر من 50% من الأيدي العاملة في المحافظة، ويعد مصدر رزق رئيسي لمناطق واسعة ومترامية”، مؤكدا أن “تفاعل السوداني مع الملف منح رسائل طمأنة مباشرة لمزارعي ديالى”.
وأشار، إلى أن “ملف تسويق محصول الحنطة بات في مراحله النهائية، فيما ستبحث اللجنة المركزية بقية الملفات الأخرى، والتي يمكن أن تُسفر عن حلول منصفة وعادلة تُسهم في معالجة إشكاليات متراكمة منذ سنوات طويلة”.
وأطلقت الحكومة والبرلمان وخبراء المياه توصيفات مخيفة على الصيف الحالي، مبينين أن قلة الأمطار والاحتباس الحراري، فضلا عن قلة إيرادات دول المنبع، سوف تهدد بنضوب المياه الجوفية في البلاد على المستقبل القريب، فيما أشار معاون مدير عام الهيئة العامة لتشغيل مشاريع الري، غزوان السهلاني إلى أن مياه الأنهر، سوف تقتصر على مياه الشرب فقط.
وبات مخزون المياه في العراق في أدنى مستوياته منذ 80 عاما، بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات، وفق ما أفاد متحدث وزارة الموارد المائية، خالد شمال، أن النقص في المياه أسوأ من العام 2024، وسيجبر العراق على تقليص مساحة الأراضي الزراعية المزروعة هذا الصيف.
ومنذ شتاء 2022، حذر تقرير صادر عن البنك الدولي، من أن العراق سيواجه فجوة مائية متسارعة قد تصل إلى 11 مليار متر مكعب بحلول عام 2035، مشيرا إلى أن تغير المناخ لا يهدد الموارد فقط، بل يُعرض العقد الاجتماعي في البلاد للخطر.
وعد التقرير أن العراق من أكثر الدول هشاشة في مواجهة التغيرات المناخية، سواء من حيث شُحّ المياه وارتفاع درجات الحرارة، أو من حيث ضعف البنية الاقتصادية التي تعتمد على النفط كمصدر دخل رئيسي.
وأصبح العراق خلال السنوات القليلة الماضية، من أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم، ما أدى إلى جفاف 70 بالمائة من الأراضي الزراعية، ونزوح سكانها إلى مناطق حضرية للعيش، كما جفت الأهوار وتراجعت مناسيب الأمطار.
وأكد رئيس الوزراء ، محمد شياع السوداني، في آذار مارس 2024، أن سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع (تركيا وإيران) المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان نحو 70 بالمائة من حصة العراق المائية.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي، بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويبدو أن الحكومات العراقية، على مدى قرن مضى، فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين، يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
وكشف مؤشر جفاف التربة SPI لمنطقة الشرق الأوسط لشهر كانون الأول ديسمبر 2024، وجود جفاف حاد ومتطرف لعموم مناطق العراق (ما بين 1.6-1.8) عن الحد الطبيعي، حسبما أفادت به هيئة الأنواء الجوية العراقية.
ولوح العراق، في 24 ديسمبر كانون الأول 2024، بتدويل قضية أزمة المياه مع تركيا عبر المحاكم الدولية، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء بهذا الشأن حتى الآن.
وكان السياسي البارز والناشط الحقوقي، بختيار أمين، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، إن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة”، مبينا أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه”.
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
ويرى مختصون، أن العراق مقبل على كارثة بيئية اذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى إستراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.