الشرق والغرب.. و أنا بينهما

إنها العلاقة الأكثر تعقيداً في زمننا وعالمنا المعاصر. علاقة تأسست ضمن معطيات تاريخية أحاط بها العنف اولاً، وسوء الفهم اخيراً! وما بينهما رحلة لا تبدو منتهية من تبادل المصالح والمساس بها. لطالما أثارني هذا التقسيم المتفق عليه دون مدونات رسمية. أين يكمن الفرق بين عالم قد تأسس ليؤنسن الحياة قبل قرون مضت وعالم قد استجمع التحصيل الحضاري ليؤسس رخاء لم تشهده البشرية من قبل؟.

لماذا بدت نظرة الاستشراق هي المنظور الوحيد الذي يتوفر لدى اغلب متفحصي الشرق من الغربيين؟ ما هو دور الشرق في تكريس هذا المنظور؟ بكلمات اخرى ما هو الدور الذي لعبه الشرق لمساعدة المتفحص في النظر عبر منظار آخر؟ وهل هذا من واجبه؟ ما هو الجهد المبذول من المتفحص الغربي في الرؤيا الى الشرق كعالم موجود بذاته لا صناعة غربية بامتياز؟ هي أسئلة تشغلني كإنسان وكصانع أفلام، تحديداً. 

بعد أن عشت أغلب سنوات حياتي في منظومة الشرق السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن ثم حزمت حقائبي لأسكن الغرب واعتاش من يومي بتفاصيل الفعل السياسي والاجتماعي والثقافي الغربي، شعرت بأني أسير على خط يفصل هذين العالمين، ولحسن الحظ لم اكن لوحدي، بل وجدت شركاء (من الغرب) يشغلهم ما يشغلني، وهكذا كان العمل مع الكاتب افرام لودفيغ.

في هذا السيناريو المكتوب بعناية، فانني قد وجدت الصوت الذي ابحث عنه! صوتاً مخلصاً للانسان وخياراته اولاً، بغض النظر عن ماهية انتمائه لأي من العالمين. وما أثارني اكثر كون هذا الصوت قد كتب عن حوادث حقيقية عاشها الكاتب في مراحل مساهمته في تصوير افلام لهوليود في الشرق/ القاهرة تحديداً. 

قرأت الكثير من المعالجات التي تخص هكذا صراع، لكن سيناريو \”أبو الهول\” هو اكثر المعالجات التي دخلت في اروقة هذا الصراع، دون ان تسقط في فخ \”الكليشيه\”، ودون ان تخسر من متعة واثارة الدراما الجيدة. بل ان السيناريو (و من ثم ما ارجو صناعته فيلمياً) قد مضى بعيداً في بيان نمو و تطور الخيارات الشخصية للشخصيات (الغربية والشرقية) داخل الحكاية، لتكون هذه الخيارت هي الطريق المرسوم بعناية للتعبير عن متغيرات عامة، تصنعها حركة الشعوب، وسياسات قد قمعت شعوبها لعقود، غير مدركة بان الحرية والبحث عنها سمات وجود أولى لأي أمة. 

كذلك فان هذه الحكاية، تعيد الاعتبار للمرأة في مجتمع قد اصّر على تقزيم دورها وحركتها. عبر الحكاية فان الكاتب، ومن ثم انا قد وصلنا الى كون نساء الشرق اكبر من برقع يغطي وجودها.

و كمخرج يبحث عن غنى اصيل للصورة في اي حكاية يعمل عليها، فاني قد وجدت، عبر السيناريو هذا، مجموعة من العناصر التي من الممكن ان تترجم الى صورة غنية ومعبرة بدقة عن نسيج الحكاية ونوعها الدرامي. انها صورة ليل القاهرة وحركة الناس فيها، الفعل، ورد الفعل في شوارع تنام قليلاً.

أخيراً فان هذا السيناريو يثير السؤال الأهم للغرب عبر بطله الغربي: ايهما هو ابو الهول؟ الأثر الصخري أم حركة جموع التفت حول فكرة الحرية؟

إقرأ أيضا