صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الشيخ مسعود.. مرقد أنباري يتنازع عليه الوقفان

بقبته الخضراء الشاخصة في منطقة حصيبة الشرقية بمحافظة الأنبار، يُثير مرقد الشيخ مسعود حفيد الإمام الكاظم، ملفات عديدة في المحافظة، بدايتها من اتهامات للوقف الشيعي بإجراء تغيير ديموغرافي عبر مطالبته بالسيطرة على المرقد العائد للوقف السني، وصولا إلى اختلاس الأموال.

بقبته الخضراء الشاخصة في منطقة حصيبة الشرقية بمحافظة الأنبار، يُثير مرقد الشيخ مسعود حفيد الإمام الكاظم، ملفات سياسية وإدارية عدة، بينها اتهام الوقف الشيعي بالسعي لإجراء تغيير ديموغرافي عبر مطالبته بضم المرقد العائد للوقف السني، بالإضافة إلى شبهات فساد كبيرة تتعلق بأموال عملية إعماره.

ورغم المشاكل التي تدور حول المرقد، إلا أنه ما زال مهملا ولم يعد تأهيله بشكل تامّ، خاصة وأنه تعرّض لتفجيرات عديدة على يد مختلف التنظيمات المتشددة التي مرّت على المحافظة بعد 2003.

المرقد الذي تحيطه الأشجار ويقع على تلة مرتفعة في حصيبة الشرقية التابعة لقضاء الحبانية، تبلغ مساحته الكلية 200 متر مربع، ويقصده الزوار من داخل وخارج المدينة لتأدية طقوسهم الدينية، والتبرك والصلاة فيه، كما يقصده الناس بغية قضاء حوائجهم، نظراً للكرامات التي ورثها عن جده الأمام موسى الكاظم الذي يُعرف بقاضي الحوائج، وليس هذا فقط، بل تقام فيه الأذكار الصوفية للطريقة القادرية. 

الشيخ جلال الكبيسي، إمام وخطيب مسجد تابع للوقف السني في الأنبار، يقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مرقد الشيخ مسعود يمثل ظاهرة تعايش سلمي لأهل الأنبار وهوية دينية أيضاً، وأن الهجمات الإرهابية التي تعرض لها لا تمت للمدينة أو أهلها بصلة، فالجماعات الإرهابية ترى بأن الأضرحة وزيارات القبور تدخل مدخل الشرك، ما يدعوهم إلى شن هجمات على مثل هذه الأماكن وتفجيرها”.

ويوضح الكبيسي، أن “المرقد يعود إلى دائرة الأضرحة التابعة للوقف السني، وهناك محاولات كثيرة جرت لإعادة بنائه لكنها فشلت بسبب الفساد الإداري، بالإضافة إلى سبب رئيس آخر لعدم الاهتمام بمرقد الشيخ مسعود، وهو أنه لا يدُر أموالاً طائلة بما يكفي كي يتم إعطاؤه كل ذلك الجهد والاهتمام وإعادة إعماره”. 

صراع الوقفين

الناشط علي الفهد، من محافظة الأنبار، يوضح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الوقف الشيعي سبق وأن أعلن في عام 2012 عن نيته تحويل مرقد الشيخ مسعود إلى حسينية تابعة له، لأن نسب الشيخ يعود إلى الأمام موسى الكاظم، وقد خصص الوقف في حينها مبالغ مالية كبيرة من أجل ذلك، والمشروع تمت إحالته من قبل الأمانة العامة للمزارات الشيعية إلى شركة الضياغم للمقاولات العامة، لكن بالنتيجة لم يكتمل المشروع”.

ويضيف الفهد، أن “أسباب توقف المشروع كثيرة، منها عائدية المرقد للوقف السني، بالتالي لا يحق للوقف الشيعي التصرف به بأي شكل من الأشكال، كما أن هناك جهات حكومية ومحلية بالمحافظة، رفضت واستنكرت تحويل المرقد إلى حسينية في الأنبار ذات الأغلبية السنية، بسبب تخوفها مما ستترتب عليه من نتائج في المستقبل من تغيير ديموغرافي ومذهبي أيضاً”. 

ويعود نسب الشيخ مسعود، وفقا ليافطة كبيرة وضعت قرب مدخله إلى أنه: مسعود بن جمال الدين بن سليمان بن صلاح الدين بن موسى بن علي بن أبي الفضل يحيى بن حسن بن حسين بن زيد الناري بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي ابن أبي طالب.

وتعرّض المرقد لخمس هجمات إرهابية، الأولى في عام 2003 وتسببت بأضرار بالغة، وبعدها بأشهر تم تفجير المرقد، مرة أخرى ما أدى إلى انهيار قبته الخضراء، ثم لحقها تفخيخ بالكامل للمرقد ثم تفجيره عام 2008، وفي العام ذاته تعرض للقصف بقذيفة من قبل القوات الأمريكية، وكانت آخر هجمة طالته خلال سيطرة داعش على المحافظة عام 2014، لكن رغم كل هذه الهجمات ما زال قبر الشيخ مسعود سليما.

وأدناه تنشر “العالم الجديد”، وثيقة سابقة تعود للعام 2012، صادرة عن الوقف الشيعي، تفيد بتخصيصه مليارا و800 مليون دينار لتأهيل مرقد الشيخ مسعود في الأنبار. 

وبالتوجه إلى الوقف الشيعي، فأن الأمين العام للمزارات الشيعية فيه هاشم العوادي، يؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عملية ضم المرقد تتوقف على مقوم أساسي، وهو توفر التخصيصات المالية لضمه والتي تتضمن تعيين موظفين وتجهيزه بما يحتاج إليه من الأثاث والمعدات، فضلا عن تأهيله لاستقبال الزائرين، فهناك العديد من المزارات التي يجب أن تضم للوقف في بعض المحافظات لكنها تنتظر توفير التخصيصات المالية”.

وفيما يخص التخوف في الأنبار من تحويل عائدية المرقد للوقف الشيعي، يبين العوادي أن “الموضوع لا توجد فيه مخاوف، وهناك تفاهم كبير بين الوقفين، لكن عموما فأن جميع عمليات الضم متوقفة حاليا”، مضيفا “لدينا مزارات في عموم محافظات العراق ومنها الموصل وديالى وصلاح الدين، ومع هذا لم تُثر مسألة المخاوف أو حدوث تغيير ديموغرافي، فالأمر لا علاقة له بهذه المسألة”.

وبشأن التخصيص السابق الذي صدر عن الوقف لمرقد الشيخ مسعود، أشار أمين عام المزارات، إلى أن الكتاب المتداول صدر قبل أن يكون في المنصب ولا علم له بتفاصيله.

ويتابع أن “مزار الشيخ مسعود هو من ضمن المزارات التي يقصدها العديد من الزائرين من عموم المحافظات، والمجتمع المحيط بالمزار حريص على رعاية هذه المزارات وإعادة تأهيله بما يتيسر لهم، وقد تلقينا العديد من طلبات ضمه للوقف الشيعي”.

ويعود مرقد الشيخ مسعود، لأواخر العصر العباسي، كما يؤكد بعض المؤرخين، الذين سردوا حكاية المرقد، بأن العلوية سعدة (لقب يطلق على النساء اللواتي ينحدر نسبهن إلى الرسول)، وهي شقيقة الشيخ مسعود، قتلت مع شقيقها في إحدى معارك ذلك الوقت في هذا المكان، وجرى دفنهما فيه، ومع مرور الوقت، صار مدفنهما ضريحاً تزوره الناس.

فساد وتبرعات

وشهدت محافظة الأنبار، في أواخر نيسان أبريل الماضي، إعفاء مدير عام مديرية الوقف السني فيها حامد صبار سعيد من مهام عمله على إثر المخالفات المالية والإدارية في مشروع تأهيل مرقد الشيخ مسعود، وذلك بحسب وثيقة صادرة من ديوان الوقف السني.

يذكر أن هيئة النزاهة وفي العام 2021، أًصدرت أمر استقدام بحق حامد صبار سعيد وعدد آخر من الموظفين لغرض تدوين أقوالهم بشأن موضوع المخالفات المالية والإدارية في مشروع المرقد.

مصادر إعلامية، كشفت في وقت سابق، وجرى تداولها، تفيد بأن تكلفة تأهيل المرقد بلغت مليارا و200 مليون دينار، في حين جرى صرف 10 ملايين دينار فقط لتأهيله.

بالمقابل، يؤكد علي الآلوسي، وهو أحد أهالي الأنبار ومن العائلة المسؤولة عن المرقد، والتي تمتلك مفاتيحه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أبناء منطقة حصيبة الشرقية فاتحوا ديوان الوقف السني لإعادة بناء المرقد، إلا أن الوقف رفض ذلك بحجة أن الأموال مخصصة لبناء المساجد فقط، ولم يقدم أي نوع من أنواع المساعدة”.

ويلفت إلى أنه “طرقنا مرة أخرى أبواب الوقف الشيعي لإعادة بناء المرقد، وقد وعدنا خيراً، إلا أن أياً من تلك الوعود لم تتحقق باستثناء محافظ الأنبار السابق قاسم محمد الذي تبرع بمبلغ 5 ملايين دينار، من أجلِ وضع وبناء الكتل الكونكريتية للضريح، إضافة إلى وضع دورية للشرطة بالقرب منه لحمايته من أي تعرض إرهابي، وهذا بالإضافة إلى تبرع بعض أهالي المنطقة بمبالغ مادية بسيطة وهم في أمسِ الحاجة لها من أجل بناء المرقد”. 

إقرأ أيضا