صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الصدر وتوفر الضمانات السياسية.. فهل سينهي مقاطعته للإنتخابات؟

تشهد الساحة السياسية العراقية حالة من الترقب بشأن إجراء الانتخابات التشريعية في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، في ظل إصرار التيار الوطني الشيعي بزعامة مقتدى الصدر على مقاطعة الانتخابات، رغم دعوات السياسيين للعدول عن قراره.

وفي هذا الإطار، رهن السياسي السابق فوزي ترزي، اليوم السبت، إمكانية عودة زعيم التيار الوطني مقتدى الصدر للساحة السياسية من جديد، بتوفر الضمانات السياسية.

وكان زعيم التيار الوطني مقتدى الصدر، قد أعلن انسحابه من العملية الانتخابية في انتخابات 2021، ثم شارك وفاز بالمرتبة الأولى وقرر الصدر لاحقا الانسحاب من تشكيل الحكومة.

في أواسط حزيران يونيو 2022، وافق رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، على استقالة 73 نائباً يمثّلون الكتلة الصدرية في البرلمان، بناءً على توجيه الصدر لأعضاء كتلته بتقديم الاستقالات إلى رئاسة البرلمان، على خلفية الانسداد السياسي بتشكيل الحكومة حينها، قبل أن يقرر اعتزال العمل السياسي في 29 آب أغسطس 2022.

وقال ترزي في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “زعيم التيار الوطني الصدر ينطلق من رؤية وطنية تهدف إلى تحقيق المصلحة العليا للعراق، ويؤمن بضرورة بناء دولة قوية على أسس صحيحة بعيدا عن الفوضى والمحاصصة السياسية”.

وشدد على أن “الصدر يرى أن لا جدوى من أي عملية انتخابية ما لم تكن نزيهة وشفافة وقادرة على محاربة الفساد وترسيخ أسس الدولة العادلة”.

وأضاف، أن “زعيم التيار الصدري قد يعيد النظر في قرار مقاطعة الانتخابات، في حال توفرت ضمانات حقيقية تتعلق بإنهاء الفوضى داخل مؤسسات الدولة، واجتثاث المحاصصة، واعتماد مبدأ المهنية في إدارة الأزمات والملفات الكبرى”.

واختتم ترزي حديثه بالتأكيد على أن “رؤية الصدر تتسم بعمق وطني يسعى إلى ضمان العدالة بين جميع مكونات الشعب، وتحقيق استقرار داخلي يعيد الثقة بالعملية السياسية، وهو ما قد يكون كفيلا بعودته إلى ساحة التنافس الانتخابي”.

ويأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه الساحة السياسية العراقية حالة من الترقب بشأن مشاركة التيار الصدري في الانتخابات المبكرة المقررة في 11 تشرين الثاني 2025، لا سيما بعد انسحاب التيار من العملية السياسية.

وتبادل رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد وزعيم التيار الوطني ، مقتدى الصدر، رسائل بشأن مشاركة الأخير في الانتخابات التشريعية المقبلة، حيث وجه رشيد، بشكل مفاجئ، رسالة خطية تضمنت دعوة الصدر إلى العدول عن قراره مقاطعة الانتخابات، وشغل الفراغ الذي خلفه نواب التيار الصدري بعد انسحابهم من البرلمان.

وقال رشيد إن “عملية سياسية لا يشارك فيها التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري) تبقى منقوصة”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن “التلكؤ الذي أصاب مسيرة البناء والنهضة لأسباب عدة لا تخفى، أمر يصعب إنكاره”.

وأقر رئيس الجمهورية بأن الأزمة السياسية تعود إلى “نقص الخبرة، وتفشي الفساد، وتَصَدّي غير المؤهّلين لبعض المناصب القيادية”، على حد تعبيره.

 وأشار رشيد إلى أن البلاد بحاجة إلى استكمال مشروع بناء الدولة، وخاطب الصدر بالقول: “لا بديل عن استكمال المشروع الذي بدأتموه بكل إيمان وحركة سياسية بعد عام 2003”.

ورأى رئيس الجمهورية أن “عودة التيار لممارسة دوره السياسي باتت ضرورة لضمان التصحيح وتصويب مسار التشريعات والخدمات”.

ورداً على دعوة الرئيس، جدّد الصدر رفضه المشاركة في الانتخابات، وقال إن موقفه “لا يعني المطالبة بتأجيلها أو إلغاء موعدها”.

وقال الصدر، في جواب مكتوب: “إنني حزين أن يشارك الشعب في انتخاب الفاسدين وسراق المال الذين لم يسترجعوا إلى يومنا هذا بما فيها (صفقة القرن) التي وزعت على محبي الصفقات”.

مع ذلك، تعهد الصدر بأنه سيبقى “جندياً أمام كل ما يعصف من تحديات ومصائب، وسيدافع عن العراق أمام أي تحديات مستقبلية كي تعيش البلاد بلا فساد ولا تبعية ولا طائفية مقيتة”، على حد تعبيره.

ورغم انسحابه ، يظل التيار الوطني لاعبا مؤثرا في الشارع العراقي، سواء من خلال جمهوره الكبير أو عبر تحركاته الشعبية التي كان لها دور حاسم في أكثر من محطة مفصلية، ما يجعل إمكانية عودته إلى العملية الانتخابية محط أنظار القوى السياسية والمراقبين سواء بسواء.

ويرى مراقبون أن إعلان الصدر عدم خوض الانتخابات المقبلة من شأنه أن يُحدث فراغًا سياسيًا داخل البيت الشيعي، ويفتح الباب أمام قوى أخرى لإعادة رسم خارطة التوازنات، في وقت يمر فيه العراق بتحديات داخلية معقدة تتطلب حضورًا سياسيًا قويًا ومؤثرًا.

ويعتقد متابعون أن غياب التيار الصدري عن المنافسة الانتخابية القادمة، سيعيد تشكيل الخريطة السياسية في العراق على نحو غير مسبوق، لا سيما أن التيار كان يشكل ثقلاً نوعيًا داخل البرلمان، فضلاً عن تأثيره الشعبي والاجتماعي الواسع، ما سيمنح أطرافًا أخرى الفرصة لملء هذا الفراغ، خصوصًا تلك المتحالفة ضمن الإطار التنسيقي الذي يتطلع لتعزيز نفوذه.

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، مؤخرا ، أن أكثر من 29 مليون عراقي يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، المتوقع إجراؤها في نهاية العام الحالي.

 وبحسب قانون الانتخابات، يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل 45 يوماً من انتهاء الدورة البرلمانية، ولهذا من المتوقع أن تجري انتخابات مجلس النواب المقبلة في أواخر تشرين الثاني نوفمبر المقبل، لكن لغاية الساعة لم يُحدَّد لها أي موعد من الحكومة العراقية ولا مفوضية الانتخابات المستقلة.

يأتي هذا في ظل الحديث المتزايد عن إمكانية تأثر العراق بتحولات المنطقة، خصوصاً مع استمرار الضغوط الأمريكية على طهران، ويميل الكثير من المراقبين المحليين إلى الاعتقاد أن أي “هزة” أو تصدع قد يصيب المؤسسة الحاكمة في إيران خلال الأشهر القليلة المقبلة سيكون له تأثير واضح على طبيعة التحالفات السياسية العراقية، وربما على شكل النظام السياسي نفسه.

وكان الأمين العام لحزب وطن يزن مشعان الجبوري، قد كشف في 19 آذار مارس الماضي، عن التحالفات الانتخابية المقبلة، مبينا أن رئيس التيار الوطني مقتدى الصدر لن يشارك في الانتخابات، فيما أكد أن الصدر هو الوحيد القادر على إسقاط النظام السياسي الحالي.

وتثير إمكانية عودة زعيم التيار الوطني الشيعي عن قراراته السابقة هواجس حقيقية لدى أغلب القوى الشيعية الممسكة بزمام السلطة، نظرا إلى ما للرجل من شعبية وقدرة على تجييش الشارع واستمالة الناخبين وهو ما تأكّد عمليا خلال الانتخابات الماضية التي حصل فيها على عدد كبير من مقاعد البرلمان، وما منعه آنذاك من تشكيل الحكومة هو تحالف أبناء عائلته السياسية ضدّه وائتلافهم في تكتل مضيّق هو الإطار التنسيقي وآخر موسّع هو تحالف إدارة الدولة الذي ضمّ إلى جانب الأحزاب والفصائل الشيعية أحزابا سنية وكردية.

يشار إلى أن العملية الانتخابية في العراق تجري وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون (انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل)، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي، بحسب مختصين.

إقرأ أيضا