وجه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ضربة قاضية للاقتصاد العراقي، عبر وضع حجر الأساس للربط السككي مع إيران، فبحسب وزير سابق ومتخصصين، سيكون هذا الربط تجاريا وليس لنقل المسافرين كما أعلنت الحكومة العراقية، وفيما أشاروا إلى أن فائدته الأولى ستكون للجارة الشرقية، أبدوا استغرابهم من التناقض الذي وقع به السوداني، حيث كان رافضا له قبل توليه المنصب والآن قرر المباشرة بإنشائه.
ويقول وزير النقل الأسبق، والنائب الحالي في البرلمان عامر عبدالجبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التناقض في تصريحات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قبل وبعد تسنمه منصب رئيس الحكومة، بشأن الربط السككي مع إيران، تكشف حجم الخطورة الاقتصادية لهذا الربط على العراق والعراقيين”.
ويضيف عبدالجبار، أن “هذا المشروع هدفه تجاري، وليس لنقل الزائرين كما تروج حكومة السوداني، فهو سيصب بصالح إيران على حساب العراق، وهذا الأمر يتطلب وقفة جادة لمنعه بكل الطرق القانونية الممكنة من قبل مجلس النواب أو من خلال المحكمة الاتحادية العليا وغيرها من الطرق”.
ويحذر من أن “الربط السككي مع إيران سوف يقتل بشكل حقيقي ميناء الفاو الكبير، وستضرر كافة القطارات العراقية بسببه، فإيران ستستخدم هذا الربط من أجل نقل بضائعها للعراق وعبره إلى دول المنطقة”.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وضع أمس الأول السبت، حجر الأساس لمشروع الربط السككي في منفذ الشلامجة الحدودي بمحافظة البصرة، وأكد أهمية المشروع في نقل المسافرين وزائري العتبات الدينية من إيران وبلدان وسط آسيا، فيما بين أن المشروع خضع لسنوات من النقاش وتم الاتفاق على إكماله بين العراق وإيران عام 2021.
وكشفت “العالم الجديد”، في تقرير سابق، أن الاتفاقية التي وقعها العراق عان 2021 مع إيران، بشأن الربط السككي، نصت على أن الـAxel Load وهي الحمولة المحورية للسكك، تكون بقيمة 25 طنا، وتستخدم لغرض نقل البضائع، في حين تبلغ قيمة مثيلتها المستخدمة لنقل المسافرين 14 طنا.
وكان وزير النقل رزاق محيبس، أعلن مطلع نيسان أبريل الماضي، عن عقد اتفاق مع الجانب الإيراني على تنفيذ سكة حديد لنقل المسافرين بين مدينتي الشلامجة والبصرة، خلال وجوده في إيران بزيارة رسمية، كما تضمن العقد البدء بعمليات إزالة الألغام المزروعة منذ حرب الثماني سنوات بين البلدين، في المناطق الحدودية، إلى جانب إنشاء جسر متحرك على شط العرب، على أن يجري إنجازه خلال عام ونصف.
يذكر أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، أعلن في أيار مايو 2021، عن وصول المفاوضات مع إيران لبناء خط سكة حديد بين البصرة والشلامجة لمراحلها النهائية.
من جهته، يؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل المرسومي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك صعوبات حقيقة تواجه مشروع الربط السككي مع إيران، ومنها أن بعض المناطق التي يمر بها هذا الخط هي رخوية وبعضها يحتوي على ألغام، وهو ما يزيد من صعوبة تنفيذ المشروع”.
ويلفت المرسومي، إلى أن “المشروع سيعمل في حال تنفيذه على تعظيم المكاسب الاقتصادية لإيران على مستوى تحسين التجارة والعلاقات مع دول المنطقة، ما سيسمح لإيران بأن تكون في مركز تدفقات البضائع في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وللعراق أهمية بهذا المشروع تكون من خلال تيسير نقل المسافرين العراقيين إلى إيران وكذلك تيسير استيرادات العراق السلعية من إيران والحصول على رسوم ترانزيت عن عبور البضائع الإيرانية عبر العراق”.
ويستدرك بالقول “هناك مخاوف اقتصادية كثيرة وكبيرة من هذا المشروع، لذا ينبغي أن تكون هناك دراسة تفصيلية ودراسات للجدوى الاقتصادية للتأكد من أن المشروع لا يؤثر سلبيا على ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة أو طريق التنمية، فهذه المشاريع أهم بكثير للعراق والعراقيين من الناحية الاقتصادية من مشروع الربط السككي مع إيران”.
يشار إلى أن السوداني، سبق وأن أبدى رفضه للربط السككي مع إيران، وأكد قبل توليه منصبه: “لا أجد حاليا أي مصلحة للعراق في أي ربط سككي مع دول الجوار قبل أن ننشئ ميناء الفاو الكبير”.
وفي تموز يوليو 2019، طلبت طهران من بغداد الإسراع في تخصيص قطع الأراضي اللازمة لإقامة المشروع، وتفريغها من أية عوائق قبل البدء به، وحددت في وقتها مدة 90 يوما لإنجاز المشروع.
وبدأ مشروع الربط السككي بين البصرة وإيران، يأخذ صداه في العام 2014، خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية، حيث طرحت طهران مشروع ربط سككي بين البصرة وميناء الإمام الخميني جنوبي إيران على الخليج العربي، وتضمن المشروع في وقته ربط ميناء الإمام الخميني بمنفذ الشلامجة والبصرة، وصولا الى ميناء اللاذقية في سوريا، ويبلغ طول الربط السككي من البصرة الى منفذ الشلامجة الحدودي مع إيران 32.5 كليومتر فقط، ومن المفترض أن تستخدم هذه السكة لنقل المسافرين والبضائع.
وليس بعيدا عن ما طرح، فإن الباحث في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، يرى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشروع الربط السككي مع إيران، يجب أن يكون مبني على الجدوى الاقتصادية والمصالح الاقتصادية المشتركة ما بين البلدين، وليس على تمشية البضائع الإيرانية فقط، خصوصاً وأن العراق ليس لديه أي منتج وطني، يؤهله أن يكون فعلا هناك تبادل تجاري حقيقي بين البلدين”.
ويتابع أنه “بحسب كل الدراسات وأصحاب الاختصاص ومن شخصيات ومراكز بحثية، فأن هذا المشروع سوف يصب في صالح إيران بالدرجة الأساس، بل يمكن أن تكون له اضرار على العراق، فالمشروع سيكون له تأثير مباشر وبشكل كبير على عمل ميناء الفاو الكبير والقناة الجافة وحتى طريق التنمية، الذي تريد حكومة السوداني تنفيذه وأكدت على أهميته في اكثر من مناسبة”.
يذكر أن مساعي الربط السككي لم تقتصر على إيران فقط، بل طرحت الكويت مرارا مشروعا مشابها لربط البصرة بميناء مبارك الكويتي عبر خط سكك حديد، تستخدم لنقل البضائع، مستخدمة كل السبل لتنفيذه، ما أثار ردود أفعال شعبية ورسمية رافضة.
وبحسب تقرير مفصل نشرته “العالم الجديد” في 25 تموز يوليو 2020، فان ميناء الفاو سيكون نقطة الربط بين شرق آسيا وبين أوروبا، وسيحول العراق إلى ممر للبضائع، تبدأ من ميناء الفاو وتمر بريا عبر خطوط حديثة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ما يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع إلى ساعات، بدلا من 20 يوما تقريبا عبر قناة السويس، وهي الممر الحالي الرابط بين شرق آسيا وأوروبا.