بلغني أيها الملك السعيد أنّ أحد النواب قال (إن الدعوة الى تشريع قانون يمنع الطائفية لا يشمل الاحزاب التي تتكون من طائفة معينة وإنما يشمل التطهير الطائفي الموجود داخل الاحزاب).
هذا الكلام محضُ خلطٍ لا حظ له من العلمية و يشبه القول (إن هذا المريض غير مصاب بالسرطان ولكن خلايا جسمه متسرطنة) فالحزب الطائفي من الناحية التكوينية هو الحزب الذي تتشكل غالبيته الساحقة، وبما يقترب أو يفوق نسبة التسعين بالمائة، من طائفة دينية واحدة في مجتمع متعدد الطوائف، وهذه الطائفية يمكن تسميتها الطائفية التكوينية أو الانتمائية. أما الحزب الطائفي سياسيا فهو الحزب الذي يرفع برنامجاً سياسياً واقتصاديا واجتماعياً وثقافيا الهدف منه تحقيق أهداف لمصلحة طائفة محددة ويتبنى شعارات وثقافة تنتسب وتنحاز لتلك الطائفة. الفرق بين الحزبين، الطائفي تكوينياً والطائفي سياسياً و ولائياً، منعدم بالضرورة، بل هما حزب واحد مُنطلَقا و مآلاً، ذلك لأن أي حزب إنما يحمل ثقافة وأهداف طائفة أعضائه. ولكن الحزب الطائفي يختلف عن الطائفة بحد ذاتها، لأنها كيان أو ظاهرة اجتماعية محايدة ويمكن لأي فرد من أفرادها أن يكون عضوا في حزب يساري أو يميني، مدني أو ديني…الخ، ويمكن أن نطلق عليها \”الطائفة ذاتها\”، أما حزبها السياسي فيمكن أن نطلق عليه جزءا من \”الطائفة لذاتها\”.
لقد أكدت التجارب التاريخية في العالم أجمع أن هذا النوع من الأحزاب الطائفية التكوينية وبالضرورة الطائفية السياسية والولائية يمثل، في المجتمعات المتعددة والمنقسمة طائفيا خصوصا، خطرا ماحقا وبذرة حرب أهلية مفتوحة تعيد إنتاج نفسها باستمرار. وعلى هذا فوجود الأحزاب الطائفية وبغض النظر عن الطائفة التي تنتمي وتنحاز إليها ينبغي أن يكون محظورا تماماً وبشكل صريح.
في العراق خصوصا، سيكون مطلب حظر الأحزاب الطائفية والتي تحكم البلد الآن بموجب مبادئ المحاصصة الطائفية شبه مستحيل إذْ لا يوجد حزب سياسي ينتحر من تلقاء نفسه من أجل مصلحة الشعب ككل، إنما يمكن أن نأمل – على صعوبة ذلك وقلة مردوديته – أن يضغط الواقع الفعلي على الأرض وازدياد كره الشعب للطائفية والطائفيين على الأحزاب الطائفية نفسها ويدفعها إلى تطهير نفسها من هذا الداء تدريجيا و تتبنى مشاريع سياسية مدنية متسامحة تعترف بعلمانية وحياد الدولة ومؤسساتها وتغير أسماءها وأنظمتها الداخلية. إن هذا الاحتمال ليس مستحيل التحقق كما أثبت الواقع فحزب \”المجلس الأعلى للثورة الإسلامية\” غير اسمه إلى اسم أكثر اعتدالا وهو \” المجلس الأعلى الإسلامي\” مع أن هذا الاسم لا يزال ملتبسا جدا والنائب إبراهيم الجعفري أسس بعد انشقاقه على حزب الدعوة حزبا أطلق عليه \” تيار الإصلاح\”.
يبقى الطموح لحظر الاحزاب الطائفية مشروعا وملحا وضروريا وينبغي للقوى المدنية والتقدمية أن تتبناه شعاراً رئيسيا لدرء الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي ويمكن لنا التأسي بالدستور الجزائري الذي يضع جملة من الشروط على الأحزاب السياسية، ومنها أن لا تجعل من أحد أو بعض ثوابت الأمة كالدين أو اللغة أو الأصل العنصري شعارا وبرنامجا لها لأنها مشاع لكل الناس لا يمكن لطرف واحد أن يحتكرها سياسيا.
زبدة الكلام: لكي يكون قانون حظر الطائفية ناجعاً ومانعاً للحرب الأهلية والاضطرابات الطائفية ينبغي أن يحظر الأحزاب الطائفية نفسها لا الممارسات الطائفية داخلها فأعضاء الحزب الطائفي لا يقتتلون فيما بينهم وداخل حزبهم، بل يتقاتلون مع أعضاء حزب أو أحزاب الطائفة الأخرى. و هنا، أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
* كاتب عراقي