تواجه بساتين النخيل في العراق أزمة حادة نتيجة الإهمال والتجريف، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد المحلي، إذ تُعتبر هذه البساتين، التي تمتد لعقود، جزءًا أساسيًا من التراث الزراعي والثقافي، حيث تلعب دورًا محوريًا في توفير المواد الغذائية والمنتجات الزراعية.
ومع تراجع الاهتمام بها، تنخفض مستويات الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة الأسعار ونقص المواد الأساسية في الأسواق.، لوح مجلس ديالى، اليوم السبت، بإعلان حالة الطوارئ في المحافظة جراء تفشي سوسة النخيل الحمراء أو ما تسمى بـ”الطاعون الأحمر” في 14 مقاطعة نخيل في المحافظة.
والسوسة الحمراء هي نوع من أنواع الخنافس ذات الخطم، وتعتبر من أخطر الآفات الزراعية التي تهاجم وتنتشر في العديد من دول العالم كالعراق والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان ومصر وليبيا والأردن والهند وباكستان وإندونيسيا والفليبين وبورما وسيريلانكا وتايلند.
وقال رئيس مجلس محافظة ديالى عمر الكروي في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “سوسة النخيل الحمراء تُعتبر من الآفات الخطيرة التي تؤدي إلى هلاك أعداد كبيرة من البساتين وتؤثر على اقتصاد الكثير من المناطق”، مبينا أن “من 12 إلى 14 منطقة سجلت بها هذه الآفة الخطيرة، مع انتشار لافت خاصة في الأشهر الأخيرة”.
وأكد أن “إعلان حالة الطوارئ في هذه المناطق وارد بسبب حجم الإصابات”، مشيرا إلى أن “ديالى فتحت خطًا ساخنًا مع وزارة الزراعة من أجل بلورة حلول عاجلة لاحتواء هذه الآفة التي تزداد وتشكل حقيقة مصدر تهديد لبساتين النخيل، التي تُعد مصدر الرزق لآلاف الأسر”.
ويتطلب القضاء على السوسة الحمراء، إزالة النخيل المصاب وفرمه بآلات، أو تقطيعه إلى قطع صغيرة وتحرق وتدفن، بالإضافة إلى رش وتعفير موقع النخيل المزال بالمبيدات اللازمة، وكل النخيل الموجودة في دائرة الإصابة، إلى جانب نشر المصائد الفيرمونية الجاذبة لحشرة سوسة النخيل الحمراء.
وأكد رئيس لجنة الزراعة النيابية السابق فرات التميمي، في 21 أيلول سبتمبر الماضي، أن 22 منطقة في العراق أصيبت بشكل مباشر بالسوسة الحمراء أو ما يعرف بـ”الطاعون الأحمر”.
وكان العراق يفتخر بكونه “بلد النخيل”، ويملك أجود أنواع التمور، لكنه يعاني اليوم من تشتت في المؤسسات المعنية، والأهم هو إهمال الشركة الوحيدة في العراق المعنية بالأمر، وهي “الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور” التي انهارت تماما بعد العام 2003، بحسب اعتراف وزارة الزراعة.
وعزا مدير إعلام زراعة ديالى محمد المندلاوي، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “العامل الأبرز في دخول السوسة الحمراء للبلاد، إلى استيراد فسائل مصابة تحمل يرقات تلك الحشرة التي سرعان ما تكبر وتتكاثر في ظل أجواء مناسبة، وتقوم بإصابة النخيل بشكل مباشر”، مبينا أن “أول إصابة سجلت بهذه الحشرة كانت في العام 2016 في البصرة ثم انتقلت قبل أشهر إلى ديالى”.
وتعد محافظة البصرة الأولى على مستوى العراق في إنتاج التمور بمختلف أصنافها، كما أنها تضم أكبر عدد من النخيل، إلا أنها تراجعت تدريجيا في معدلات الإنتاج منذ ثمانينيات القرن الماضي جراء الحرب العراقية الإيرانية التي تسببت بإزالة مئات الآلاف من النخيل جراء القصف المتبادل وعمليات التجريف في المناطق الحدودية، كما أن الاستيراد وأزمة الجفاف التي تفاقمت في العراق بعد العام 2003 شكلت سببا رئيسيا في إنتاج التمور.
وكشفت وزارة الزراعة لـ”العالم الجديد”، في تقرير سابق خلال العام 2020، أن الشركة العراقية للتمور تدهور وضعها ولم تتم إعادة تأهيلها، حيث كانت قبل 2003، تحظى ببرادات ومخازن تتسع لها، لكنها انهارت جميعها بسبب ظروف الحرب، لذا عندما حاولنا تسليمها كميات كبيرة من التمور، لم تتمكن من تسلمها لعدم امتلاكها مواقع للخزن، لذلك فتحنا التصدير المباشر للقطاع الخاص، بغرض إدخال الدولار للبلد.
وفي 24 آب أغسطس 2021، أعلنت الشركة العامة لتصنيع وتسويق التمور العراقية، أن ترتيب العراق هبط إلى المرتبة السادسة عالميا في إنتاج التمور، بعد أن كان يحتل المرتبة الأولى في العقود الماضية.
يذكر أن العراق في العام 1952، اتجه إلى تنظيم تجارة التمور، وأسس في ذلك العام شركة تجارة التمور العراقية المحدودة في البصرة، ثم أسس الجمعية التعاونية لمنتجي تمور المنطقة الوسطى عام 1960، ومصلحة التمور العراقية 1961، ثم ظهرت محاولات بعد العام 1968 لإنشاء مؤسسة مركزية واحدة لجمع متطلبات خدمة ورعاية النخيل والتمور، فتم تأسيس “المؤسسة العامة للنخيل والتمور العراقية” عام 1970، التي ألغيت بعد تأسيس مصلحة التمور العراقية.
وفي العام 1980 تم تأسيس هيئة التمور العراقية، التي حلت محل مصلحة التمور العراقية الملغاة، وفي العام 1988 شكلت لجنة لمناقشة موضوع إيجاد بديل لهيئة التمور العراقية تنظم عمليات تسويق التمور بشكل أفضل حيث تم تأسيس الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور، وهي شركة مساهمة مختلطة باشرت أعمالها عام 1989 وما زالت قائمة.