صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الطاقة المتجددة.. أمل العراق للخلاص من الكهرباء (الأحفورية)

في العاشر من شهر تموز يوليو الماضي، عمّت احتجاجات عارمة في الكثير من المحافظات الجنوبية الغنية بموارد الطاقة والمعادن، لاسيما محافظة البصرة التي  تمتلك أكثر من 59 بالمئة من إجمالي احتياطات العراق النفطية، وذلك بسبب غياب الكهرباء في ظل ارتفاع جنوني بدرجات الحرارة التي بلغت في الأيام والأسابيع الماضية الأعلى

في العاشر من شهر تموز يوليو الماضي، عمّت احتجاجات عارمة في الكثير من المحافظات الجنوبية الغنية بموارد الطاقة والمعادن، لاسيما محافظة البصرة التي  تمتلك أكثر من 59 بالمئة من إجمالي احتياطات العراق النفطية، وذلك بسبب غياب الكهرباء في ظل ارتفاع جنوني بدرجات الحرارة التي بلغت في الأيام والأسابيع الماضية الأعلى عالميا.

أزمة الكهرباء التي خصصت لها الحكومة العراقية على مدى السنوات السابقة مليارات الدولارات من الميزانيات الاتحادية، لم تتمكن من حلها بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري (وهو المستخرج من باطن الأرض، كالبترول والفحم والغاز)، دون التفكير في البحث واستغلال طرق جديدة بالاعتماد على الموارد الطبيعية لإنتاج الطاقة المتجددة التي يمتلك العراق كل مقوماتها.

ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة في العام 2014 الى أن 35 بالمئة من العراقيين، يرون في الكهرباء أولوية قصوى, ولكن رغم كل وعود الحكومة منتهية الصلاحية، التي تم انتخابها في العام 2014 بتحسين الطاقة الكهربائية، إلا أنها كانت ورقا في مهب الريح.

يقول الصحفي الاقتصادي حسين أحمد، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “اتجاه الحكومة لاستثمار الكهرباء وإضافة عبء جديد على المواطن كان تخبطا وابتعادا عن الحقيقة المطلوبة بالذهاب نحو الطاقة المتجددة التي نمتلك المال والمقومات للنهوض بها وتطويرها”. ويبين أن “أزمة العراق تستمر باستمرار العقول الأحفورية التي تعتمد على النفط في كل شيء ولا تسعى لتتعب فكرها”.

وهذا لا يبتعد كثيرا عن حقيقة الواقع الذي يعيشه الاقتصاد العراقي الريعي الذي يعتمد في موازنته على 85 بالمئة من بيع النفط وإيراداته، وهذا ما ظهر واضحا في موازنة العام الحالي 2018, فبالرغم من كل الضرائب والكمارك التي فرضتها الحكومة لتعظيم إيرادات الموازنة، إلا أن الإيرادات غير النفطية لم تتجاوز الـ15 بالمئة، وهذا ما يظهر عجز الحكومة عن التفكير بالبدائل والبحث عن أفق الطاقة المتجددة للتخلص من  شيخوخة الوقود الأحفوري, فالعراق ورغم امتلاكه المصادر الطبيعية الوفيرة مثل ضوء الشمس اللاهبة، والرياح التي تتميز بنوعين في الصيف، هما الشرقي الجنوبي، والجنوبي الشرقي، وتصل سرعتهما الى 80 كلم (50 ميلا) في الساعة، إضافة الى الأمطار وحرارة جوف الأرض، إلا أن العراق يعد من البلدان غير الرائدة في مجال الطاقة المتجددة على الرغم من كل المحاولات الخجولة التي بدأت في العام 2010  لإنتاج ما مقداره 10 بالمئة من الطاقة بالاعتماد على الطاقة الشمسية، وهو ما تراجع وتوقف مع إلغاء وزارة العلوم والتكنولوجيا في العراق العام 2014 ودمجها بوزارة التعليم العالي.

وبسبب تفاقم أزمة الكهرباء خلال العام الحالي، أدركت الوزارة ضرورة إيجاد بدائل، فخرجت منها محاولات وبرامج لإنتاج الطاقة المتجددة، وهو ما أكده وزير الكهرباء السابق، في تصريح قبل إقالته الشهر الماضي: (نحن نفكر جديا باستثمار الطاقة المتجددة، فحل مشكلة الطاقة الحالية صعب بسبب عدم وجود شبكات كافية، واعتمادنا على النفط، لذا توجهنا للطاقة الشمسية وإن كانت غير خزنية، ونعتمد فيها على إنتاج الطاقة الشمسية خلال النهار فقط، وحصلنا على أسعار تنافسية بهذا الشأن).

وبحسب وزارة الكهرباء فان العراق لا ينتج أية طاقة متجددة حاليا وهو مادفع بها الى توقيع عقد لإنتاج 1000 ميغاوات من الطاقة الشمسية خلال العام الحالي 2018 ليصل الى 2000 ميغاوات بحلول العام 2025.

وتأتي هذه العقود لتكمل سلسلة العقود التي أطلقت في نهاية العام الماضي 2017، لنصب وتشغيل محطات للطاقة المتجددة في محافظة النجف ومحافظة المثنى، حيث ترتفع درجات الحرارة في الأخيرة، ولا تستطيع الحكومة مدّها بالكهرباء المعتمدة على الوقود الأحفوري، وبالتالي اعتماد المحافظة على ما تنتجه من الكهرباء، ولكن واجهت تلك المحطات الكثير من المعوقات كاليد العاملة والارتفاع المفرط في درجات الحرارة والغبار، والتي يمكن حلها بجلب أجهزة متطورة، بحسب المهندسين العاملين.

ويملك العراق إرثا عظيما من بحوث ومقومات الطاقة المتجددة لم يتم استغلالها وتطويرها بسبب الانشغال بالأزمات والحروب المختلفة, فالعراق بنى أول مركز لأبحاث الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط عام 1981 لكن وبحسب العاملين في المركز التابع لوزارة العلوم والتكنلوجيا سابقا، فأنه أهمل وتم العمل به ببطء، ولو استمر وقدم له المستلزمات المطلوبة لكان العراق يشهد ثورة اليوم في مجال الطاقة المتجددة.

ليست الحكومة وحدها من التفتت مؤخرا الى الحاجة للطاقة المتجددة، فحتى المنظمات الأممية أحست به وسعت الى تطبيقه, إذ أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق قام بالتشجيع على استغلال الطاقة المتجددة، وأطلق ورشا في العام 2017 بمشاركة ممثلين من وزارات الكهرباء والصحة والبيئة والصناعة والعلوم الى جانب القطاع الخاص بهذف التوعية تجاه السعي صوب امتلاك الطاقة المتجددة.

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، منير تابت “تعمل الطاقة المتجدّدة كمحفز قوي ومضاعف لأهداف التنمية المستدامة”.

ويضيف في حدي لـ”العالم الجديد”، إنّ “مفتاح التقدّم في توليد الطاقة المتجدّدة وتدابير تحقيق كفاءة استخدام الطاقة في العراق هو تشجيع استثمار القطاع الخاص في السياسات والخطط العامة الوطنية، فهذا يهيئ الظروف لمساهمة الطاقة المتجددة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة“.

وإلى جانب الورش، مولت الأمم المتحدة مشاريع أخرى تعتمد على الطاقة المتجددة، فعلى بعد 20 كيلومتراً من أربيل، وفي مخيم كوركوسك، مولت الأمم المتحدة نظاماً للمياه يعمل بالطاقة المتجددة ويوفر الماء لـ500 أسرة في هذا المخيم.

يذكر أن وزارة التجارة، أطلقت في 4 نيسان ابريل الماضي، مشروع مركز بغداد للطاقة المتجددة والمستدامة، الذي يعد النواة الأولى لتقديم خدمات التدريب في مجال الطاقة المتجددة، وتجهيز المنظومات الكهرباء والمكيفات العاملة بالطاقة الشمسية، وفقاً لمعايير عالمية.

يشار الى أن هناك شركات متخصصة وإن كانت قليلة، تعمل على بيع وتنصيب النظام الشمسي المنزلي لإنتاج الطاقة, لكن ارتفاع التكلفة يعد عائقا أمام القدرة الاستهلاكية للمواطن، فتكلفة نصب النظام الشمسي في بغداد مثلا، تتراوح بين 4 الاف الى 5 الاف دولار للمنزل الواحد، وهذا يعد عبئا على كاهل الأسرة العراقية التي يتراوح معدل دخل الفرد فيها بين 200 الى 300 دولار شهريا، وبهذا فان الأسرة تحتاج الى إنفاق راتب عامين لنصب منظومة واحدة.

ويظل المواطن العراقي بين مطرقة درجات الحرارة اللاهبة، وسندان جشع أصحاب المولدات الخاصة التي ظهرت بعد عجز الحكومات عن توفير الكهرباء, ويدفع للحصول على ما تقدمه من كهرباء بين 50 الى 300 دولار شهريا، ناهيك عن ما تسببه  المولدات من ضرر بيئي، وتلوث صوتي وصوري، وسط أمل بمحاولات الحكومة الأخيرة توقيع العقود لإنتاج الطاقة المتجددة، والتي ستحل الكثير من المشاكل على رأسها البيئة والصحة, لاسيما بعد النظر للتجارب الناجحة في المنطقة بهذا المجال، كالتجارب الاستثمارية الناجحة في بناء مشاريع للطاقة المتجددة بدول عربية مختلفة كالمغرب والإمارات، والأردن ومصر.

إقرأ أيضا