لم تكن نور (39 عاما)، تدرك بأن حياتها الزوجية التي أثمرت عن ولد وبنت، وبدأت قبل 20 عاما، ستنتهي بمفردة “طالق”، لتكون آخر ما سمعته من زوجها السابق، الذي قرر فجأة هجر عائلته للأبد.
لمست “نور” ابتعاد زوجها عنها تدريجيا وهجرها شيئا فشيئا، حتى طلقها لفظيا دون قرار قانوني، وتزوج امرأة اخرى، وبقي الحال هكذا لنحو 14 عاما.
لم تستطع نور الحصول على الطلاق الرسمي، نظرا لاستحواذ زوجها على هوية الاحوال المدنية الخاصة بها، ورغم انها توجهت الى المحاكم ورفعت دعاوى لكن دون أمل، فقد رفض الزوج الطلاق بشكل رسمي او منحها “جنسيتها”، كما تبين في حديثها لـ”العالم الجديد”.
وتضيف نور “رسميا بقيت طيلة هذه السنوات متزوجة، وقد عشت في منزل والدتي، وواجهت العديد من المشاكل والمصاعب لإعالة اطفالي، حتى أصبح عمر ابني 18 عاما وأخذ على عاتقه إعالتنا انا واخته”.
وتبين “مؤخرا رفعت دعوى عبر توكيل محامية، وتمكنت من الحصول على الطلاق، رغم أنه متأخر لكنه أشعرني بالحرية وقطع كل ارتباط رسمي بزوجي السابق”.
حالة وغيرها المئات تشهدها يوميا المحاكم العراقية، التي باتت تعج بمعاملات الطلاق لمختلف الأسباب، ووفقا للباحثة الاجتماعية زينب ناجي، فإنها تبين خلال حديثها لـ”العالم الجديد” أن “عمل الباحثين الاجتماعيين في المحاكم المدنية ليس له أي دور يذكر، فهو روتيني، وهذا ما لمسناه خلال زياراتنا للمحاكم، حتى رأينا أن الباحث غير مؤهل نفسيا او اجتماعيا لإعادة الزوجين لبعض وليس له خبرة”.
وتؤكد أن “من أبرز أسباب الطلاق هو الزواج المبكر، حيث تلجأ العائلات الفقيرة الذين لديهم اكثر من بنت لتزويجهن في اعمار صغيرة، بالإضافة الى عدم الاختيار الصحيح من جميع النواحي، سواء الاجتماعية أو الثقافية، فكل هذه الفروق بين الزوجين تؤدي إلى حدوث مشاكل”.
وتضيف أن “أسباب الطلاق عموما تعود إلى فترة ما قبل الزواج، فهي الأساس سواء من الاختيار او فترة الخطوبة، فهذه الفترة يظهر فيها الطرفين ايجابياتهما فقط، وتكون ملونة بألوان غير حقيقية أو مصطنعة، لذا يجب أن تكون فترة الخطوبة طويلة حتى يدرس كل من الطرفين أحدهما الآخر بشكل معمق”.
وتكمل حديثها “الزواج ليس بين شريكين، وإنما هو بين عائلتين، وعندما يدرس بشكل صحيح، فأن العديد من الأمور تحسم وسيتم تقليص الفجوات”، موضحة أن “الكثير من المشاكل تحدث بين الزوجين عندما يتدخل طرف ثالث، خاصة إذا كان الزوج يسكن في منزل أهله”.
جدير بالذكر، أن حالات الطلاق بتزايد مرتفع، وكانت آخر إحصائية نشرها مجلس القضاء الأعلى بعدد حالات الطلاق خلال شهر كانون الثاني يناير الماضي، حيث بلغت 6486 حالة في جميع المحافظات عدا إقليم كردستان، وقد تصدرت بغداد حالات الطلاق بـ2390 حالة، فيما بلغت حالات الزواج 26000 حالة زواج.
وتؤكد إحصائيات مجلس القضاء الأعلى، أن عدد النساء المطلقات بلغ نحو 65 ألفا، أي حوالي 26 بالمائة من الزيجات المسجلة في عام 2019، الذي شهد تسجيل نحو 250 ألف عقد زواج.
أم علي، لها قصة لا تختلف كثيرا عن نور، فهي الأخرى تزوجت زواجا تقليديا، وبحسب قولها فإنها بدأت تحب زوجها بعد الزواج، لكنهما لم ينجبا أطفالا خلال العام الأول.
وتروي ام علي لـ”العالم الجديد” حكايتها قائلا “كثر الحديث عن عدم إنجاب الأطفال، وأصبح هناك إلحاح من الأهل بهذا الأمر، حتى كانت النتيجة أن أرزق بـ6 اطفال”.
بعد الاطفال الـ6، بدأ زوجها يتغير، وبدأت مرحلة الهجر، كما تقول ام علي، وتضيف “ترك الأطفال بمسؤوليتي وتزوج امرأة أخرى، وابتعد عن أهله أيضا وسافر مع زوجته الجديدة”.
وتتابع “حياتي كانت صعبة، عملت أعمالا حرة وبسيطة لأعيل اطفالي، وأصبت بالعديد من الأمراض، حتى فقدت القدرة على الجلوس، ومضت سنين طويلة، حتى ظهر زوجي، وعندما سألته عن سبب ما فعله وعدم سؤاله عن أطفاله طيلة هذه السنين الطويلة، قال لو لا نفقة الأطفال لطلقتك منذ ذلك الوقت، لكن لم أرد أن يقطع راتبي”.
الى ذلك، تروي المحامية نور الهدى سعد خلال حديث لـ”العالم الجديد” بعض أسباب وأمثلة غريبة لحالات الطلاق قائلة إن “الانفتاح المفاجئ والحرية المطلقة ساهمت كثيرا بالطلاق، لأنها مورست بدون وعي، حيث البعض يتفهم أن الحرية والانفتاح هو أن يقوم بما يحلو له”.
وتبين من “من أغرب حالات الطلاق التي صادفتني، هو فهم التحرر الخاطئ حيث ان الزوج طلب من زوجته الجمع بين زوجتين بفراش واحد بحجة التحرر والإشباع الجنسي، واعتبره نوع من الانفتاح، فيما صادفتني حالة أخرى وهي أن الزوج طلق زوجته بمجرد انها تعمل بمكان مختلط”.
شريعا، يبين الشيخ حيدر الخطيب خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “المرأة يحق لها المطالبة بالطلاق من الحاكم الشرعي، فيما إذا امتنع زوجها من أداء حقوقها الزوجية وامتنع من طلاقها أيضاً، بعد إلزام الحاكم الشرعي إيّاه بأحد الأمرين، وهنا يطلّقها الحاكم”.
ويوضح أن “الحالات التي يشملها الحكم المذكور هي: إذا امتنع الزوج من الإنفاق على زوجته ومن طلاقها، أو إذا كان يؤذيها ويظلمها، ولا يعاشرها بالمعروف، وإذا هجرها تماماً فصارت كالمعلّقة لا هي ذات زوج ولا هي خليّة، وإذا كان لا يلبّي حاجتها الجنسية بصورة كاملة، وهنا يخشى معه من وقوعها في الحرام، فإنّه وإن كان الاحوط لزوماً للزوج تلبية حاجتها المذكورة أو استجابة طلبها بالطلاق، إلاّ أنّه لو لم يفعل ذلك فعليها الصبر والانتظار، إضافة الى ذلك، إذا غاب زوجها ولم تعلم بمصيره هل هو حي او ميت، فترفع في ذلك الوقت أمرها الى الحاكم الشرعي”.
يذكر أن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب بيان له في شباط فبراير الماضي، أكد على أن الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولاسيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة، لكن تجريمه خارج المحكمة هو أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته.
نفسيا، يبين الباحث النفسي احمد كمال خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “المرأة تواجه وضعا نفسيا متغيرا منذ بداية مرحلة الطلاق، وهذا يعتمد على كل امرأة وقوتها في مواجهة هذا الوضع، فهناك من تتكيف وتنجح في اكتشاف آفاق جديدة للحياة”.
ويستطرد أن “هناك نوع آخر، وهو أن تنطوي المرأة على نفسها بعد الطلاق وتبدأ بالتأثر بما يقوله المجتمع، وبالتالي تخضع لواقع نفسي مرير مدمر لها والأفراد العائلة، فيصبح المنزل جحيما لا يطاق وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار إذا كانت المرأة ضعيفة البناء الشخصي والنفسي”.
يشار إلى أن نسب زواج الفتيات قبل سن البلوغ في العراق، تشهد تصاعدا مستمرا، ففي الإحصائيات بين العامين 1997 و2004 كانت نسبة زواج الأطفال تقدر بنحو 15 بالمائة، إلا أنها ارتفعت إلى 23 بالمائة عام 2007، بحسب المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة العراقیة الذي أجرته وزارة التخطيط.