صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الظواهري يغازل (البغدادي) ويتراجع عن نكران (داعش) ويعترف بها (دولة).. وزعيمها يطرح مبادرة (صلح) مع (النصرة)

كانت المرة الاولى الذي ظهر بها \”ابراهيم عواد البدري\” (ابو بكر البغدادي) صوتاً في التاسع من نسيان الماضي، حين اعلن \”دولته\” في \”العراق والشام\” من \”طرف واحد\” دون رضا زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري، التي الغاها ايضا من \”طرف واحد\” في 11 أب الماضي، فالبغدادي والظواهري ندان في تنظيم متشعب، وكل طرف منهما لا يقع على سياسة الاخر.

امس الاحد، بثت مواقع جهادية رسالة جديدة لـ\”البغدادي\” عقب ساعات قلائل فصلت عن رسالة اخرى للظواهري، ولم يسبق لـ\”القاعدة\” ان بثت رسالتين صوتيتين لقائدين نافذين في التنظيم من قبل، وكان المعتاد ان تمضي شهور وحتى سنوات ما بين \”رسالة\” واخرى، قلما تتحدث في التفاصيل، لكنها تجدد \”التهديدات\” للدول العظمى بالاستهداف، ومنذ مقتل بن لادن، باتت خلافات التنظيم تظهر للعلن بعد بروز قيادات ميدانية قبلت على مضض بـ\”ولاية الجهاد\” للظواهري، لكنها احتفظت بسيطرة قوية على الارض.

رسالتا زعيم \”ولاية الجهاد\” (الظواهري)، وزعيم \”ولاية الحكم\” (البغدادي)، ظهرتا وكأنهما \”غزل متأخر\” او \”اعلان تحالف\” بعد قطيعة، فالظواهري بدا داعماً لتنظيم \”الدولة الاسلامية في العراق والشام\”، والبغدادي ابرز نفسه كـ\”رجل يقفز فوق الخلافات\”.

التبدل الغريب في المواقف يجيء بعد هجمة شرسة على محاور وجبهات عدة على \”داعش\” سورياً وعراقياً، وفي لحظة ما بدا تنظيم البغدادي مفتتاً ودون داعم، وتوأمه \”جبهة النصرة\” اصطف مع من تسميهم \”داعش\” بـ\”الصحوات\” في سورية، لكنها عادت لتفرض سطوتها على دير الزور والرقة.

الظواهري، بعد اشهر من عدم الرضا على \”ولاية الحكم\” التي نادى بها البغدادي لنفسه، بدا امس متوافقاً بحذر و\”تحفظ\” على مشروع (داعش)، واقرّ \”الدولة الخلافة\” في العراق، ولم يقرّ بها للبغدادي في \”الشام\”، وهو عود على بدء لما طرحه في 11 أب الماضي، حين طلب من البغدادي العودة الى العراق، وترك \”ساحة الشام للنصرة\”.

وقال الظواهري في رسالته الصوتية التي حصلت عليها \”العالم الجديد\”، ان \”راية الدولة الإسلامية في العراق والشام هي من أنقى وأصفى الرايات في العراق، فهي أقامت دولة إسلامية لا تتحاكم إلا للشريعة، وتعلن الانتماء الإسلامي فوق كل الولاءات والانتماءات، وهي تسعى لإعادة دولة الخلافة المنتظرة، وتحرض المسلمين على ذلك\”.

وشبّه الظواهري، \”دولة البغدادي\” بـ\”دولة الرسول\”! متسائلاً \”كم كانت مساحة دولة المدينة المنورة قبل غزوة الاحزاب، وكيف كان حالها في غزوة الاحزاب؟\”، مجيباً ان \”تشككون بسيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام، فهل تشككون بأن مقاتلي الدولة يسيطرون على كيلومتر واحد على الأقل في العراق، فإذا كان الجواب نعم، وهو كذلك بحمد الله، فلماذا تنكرون عليها إقامة دولة إسلامية على الأرض التي تسيطر عليها\”.

وللمرة اولى، يتلفظ الظواهري بمصطلح يعاند البغدادي على اقراره \”الدولة الاسلامية في العراق والشام\”، في تقارب مثير للتساؤل، بين الرجلين الذين خاضا حرب اثبات وجود طيلة الاشهر السابقة.

وللمرة الاولى ايضا لم يشر الظواهري الى الفصيل القاعدي الاكثر قرباً منه \”جبهة النصرة\”.

رسالة الظواهري، جاءت وكأنها محاولة استرضاء للبغدادي وتنظيمه المخنوق في الارض السورية، والمتقهقر في المنطقة الغربية العراقية، بوصفها امتداداً للارض التي يمسك بها التنظيم في \”الشام\”، لكنها ايضا تضمنت تلميحاً ضمنياً بنسيان مشروع دمج التنظيمين في \”تنظيم\”.

ولعله (الظواهري) يحاول من رسالته ان يظهر نوعاً من الاحتواء لـ\”داعش\” وضمان عدم اعلان انشقاقها عن \”القاعدة\” اذا ما استمر الضغط الداخلي عليها، وبالتالي خلق تنظيم مواز اكثر قوة وصرامة، ويمسك بارض، ويحتفظ لنفسه بولايتي \”الجهاد والحكم\” معا، وهو ما المح اليه الظواهري بقوله \”هل تنكرون أن الدولة الإسلامية في العراق والشام هي أكبر قوة من حيث عدد انصارها؟ فإم كان الجواب نعم، وهو كذلك بفضل الله، فما السبب في ذلك إلا التأييد الشعبي الكبير لها\”.

اعترف الظواهري بهيمنة البغدادي على القسم الاكبر من قيادة التنظيم. فيما اهمل التوأم \”النصرة\”، وبدا وكأنه يستنكر بخفية عداء الجولاني لـ\”داعش\”، وبيّن ان \”الدولة الإسلامية في العراق والشام تصدت، بفضل الله لكل الحملات الموجهة ضدها ولا تزال توجه الضربات القاصمة للأهداف الأمريكية والإيرانية في العراق\”.

لكن من المستغرب، ان تنظيم البغدادي لم يحفل كثيراً برسالة الظواهري. ولم يشر في نشاطه الفعّال على موقع التواصل الاجتماعي \”تويتر\” لها، في حين ان (داعش) حرصت على نقل اي ردة فعل مؤيدة تصدر حتى من مشايخ مجهولين او غير مؤثرين، ما يمكن ان يُفسر على انه \”زعل ثقيل\” وعدم \”طمأنينة\”، او \”اعتراف متأخر\” بـ\”الدولة\”.

ففي الايام الاخيرة الماضية شنت داعش في ريف حلب وحمص وبعض اجزاء من الرقة اكثر من 30 هجمة انتحارية انتقامية ضد خصومها في \”الجبهة الاسلامية\” وجبهة النصرة. ما قلب المعادلة، ورفعت تلك الفصائل \”مصاحف استسلامها\”.

وبحسب مؤشرات ان التنظيم الدولي للقاعدة، لمس شراسة واستقتالا من قبل \”داعش\” للحفاظ على موقعها في سوريا، فضلا عن اعلان \”جبهة النصرة\” القتال على \”داعش\”، ما حدا بالظواهري الى الظهور لترطيب الاجواء، وخلق توازن، يفضي على تقاسم النفوذ.

على الطرف الاخر، ظهر البغدادي في ثالث تسجيل صوتي له، هو الاول العام الجاري، هدد فيه من \”يعادون دولته\” و\”يقاتلونها\” في سوريا بـ\”الدم الدم والهدم الهدم\”، منوها الى ان \”الدولة بذلت ما بوسعها لوقف هذه الحرب التّي شنّت عليها من قبل بعض الكتائب المقاتلة (…) أننّا ما أردنا هذه الحرب ولا سعينا ولا خططنا لها، لأنّها في ظاهرها وما يبدو لنا أنّ المستفيد الأكبر منها هم النصيريّة والروافض\”.

البغدادي، طرح مبادرة \”صلح\” مع الفصائل التي تقاتل تنظيمه في سوريا على اساس \”الترهيب\”، مفادها \”عدم مقاتلة الدولة (داعش) وكف الاذى عنها\”، و\”الانصراف الى مقاتلة النصيرية والروافض\”! وبخلافه فـ\”الدم الدم والهدم الهدم\”.

ورغم محاولته استثارة العواطف بسرد \”محاسن دولته الاسلامية\”، الا ان نبرة التكفير كانت عالية. وللمرة الاولى يكشف البغدادي عن تفاصيل معارك حشّد لها في حلب وغيرها، وكأنه اعلان بالتخلي عن القتال في المواقع التي كشفها في رسالته. وبالنتيجة بدا ترسمياً لخطوط تماس على مضض مع الخصوم.

عراقياً، جدد البغدادي، دعوة المتحدث بأسمه ابو محمد العدناني، لـ\”أهل السُنة في العراق\” (في اشارة الى احداث الانبار) بمواصلة قتال الجيش العراقي والقوات الحكومية، بقوله \”حملتم السلاح عليهم أخيراً (ضد الروافض) فهذه فرصتكم فلا تضيعوها، وإلاّ لن تكون لكم بعدها كلمة\”، لافتا الى ان \”حربكم مع الرافضة حربٌ عقديّة و قد صرّح بذلك الصفوّي الحاقد \”نوري\”، وكما أعلن بكلّ وقاحة قائلاً انّ معركته مع المجاهدين معركة مقّدسة\”.

غير ان البغدادي، عاد ليبرز نفسه على انه زعيم \”اوحد\” لتنظيم القاعدة، حين تقمص \”بن لادن\” في رسائله الصوتية والفيديوية، التي كان يهدد بها الولايات المتحدة، والتي كان يحرص على ان يختتم بها رسائله \”الترهيبية\”، اللحظة المنسية في التنظيم استعادها البغدادي، لتكون رسالة مشفرة لـ\”الظواهري\” تشعره بالتهديد الدائم على كيانه في زعامة شركة الموت المتنقلة \”القاعدة\”.
 

إقرأ أيضا