تضاربت الأسباب حول عدم توجه العراق لاستثمار النفايات ومعالجتها بدلا من صرف مبالغ كبيرة لطمرها أو حرقها وما تسببه من تلوث، ففيما عزت وزارة البيئة الأمر إلى جهات لها صلة بالكهرباء وليس الفساد، لأن هذه النفايات ستساهم بإنتاج الطاقة الكهربائية، أرجع خبراء في البيئة والاقتصاد التأخر الحاصل إلى الفساد، وسط إجماع الأطراف كافة على ضرورة الاستفادة من الفضلات الصلبة عبر مشاريع استثمارية.
ويقول المتحدث باسم وزارة البيئة أمير علي الحسون خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك توجها حكوميا من أجل تشريع قانون يعالج المخلفات البلدية والتي تعد أحد أنواع المخلفات الصلبة، كون النفايات تقسم إلى نفايات زائلة ونفيات صلبة ونفايات إشعاعية، والنفايات الصلبة تشمل الخطيرة وغير الخطيرة، والأخيرة هي النفايات الطبية والنفايات الكيمياوية، وهناك نفايات بلدية غير خطيرة وهي النفايات الموجودة في المناطق السكينة التي يرميها السكان من المنازل أو المناطق التجارية وغيرها”.
ويضيف الحسون أن “هناك إمكانية لاستثمار النفايات الصلبة البلدية، في موضوع تدوير النفايات والحصول على الطاقة منها من خلال الحرق أو من خلال عمليات التخمير لبعض الأنواع من الأغذية، وهنا تكون منتجة للطاقة كما تنتج غاز الميثان، وهذا يمكن الاستفادة منه لتوليد الطاقة الكهربائية، أما النفايات الصلبة الخطيرة فلا يمكن استثمارها، وهناك طرق للتخلص منها عن طريق المحارق في المستشفيات”.
ويتابع أن “هناك فائدة اقتصادية كبيرة إذا ما تم استثمار النفايات الصلبة البلدية، وهذه الفائدة تكون عبارة عن أموال أو طاقة كهربائية، ومثل هكذا مشاريع موجودة وهناك عروض عدة قيد الدراسة من قبل الشركات، لكن هناك ممانعة لهذه العروض والمشاريع من قبل بعض الجهات القطاعية ومنها وزارة الكهرباء وغيرها”.
ويشير الحسون إلى أن “هكذا مشاريع لا يدخل فيها الفساد، وليس الفساد هو المعرقل، وإنما تعرقلها بعض الجهات الحكومية، خصوصا المتعلقة بقضية إنتاج الطاقة الكهربائية، والعمل ما زال يجري على تنفيذ تلك المشاريع، وربما في القريب العاجل ترى النور”.
يشار إلى أن وزارة البيئة، أعلنت يوم أمس، عن توجه حكومي لتشريع قانون جديد لمعالجة المخلفات الصلبة، لإنتاج الطاقة الكهربائية واستثمار غاز الميثان، فيما أشارت إلى أن أمانة بغداد كان لديها مشروع عام 2006 لتدوير النفايات، لكن لم يحصل على الموافقة بسبب وجود مقترحات لإنشاء مجمعات سكنية، وبالتالي فإنه سيؤثر على صحة المواطن.
وبحسب الوزارة، فإن كل شخص يولد يوميا من 1 إلى 1.25 كغم من المخلفات في عموم العراق، وفي محافظة بغداد يوميا تنتج ما بين 8 آلاف إلى 10 آلاف طن من المخلفات، 40 بالمئة منها نفايات عضوية أي بقايا الطعام.
وتعد ظاهرة حرق النفايات من الظواهر المنتشرة في العاصمة بغداد بكثرة، سواء في جنوبها الشرقي أو شمالها أو غربها، ودائما ما ترتفع غمامة سوداء تغطي سماء المنطقة مع رائحة كريهة، تستمر لساعات طوال، نتيجة لحرق النفايات.
يشار إلى أنه منذ العام 2004 وحتى 2018 بلغ عدد المصابين بالسرطان 287 ألفا و254 مصابا، بحسب تقارير وزارة الصحة.
من جهته، يوضح الخبير البيئي حيدر محمد عبد الحميد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “النفايات الصلبة هي النفايات التي تنتفي لها حاجة الإنسان بعد استخدامها في مجالها المخصص التي صنعت من أجله، وهناك أنواع مختلفة للنفايات الصلبة، فالنفايات الصلبة المنزلية التي تمتاز ببقايا الزجاج والبلاستك والمواد العضوية وبقايا الطعام، وهناك نفايات صلبة صناعية مثل بقايا الورق والكارتون، وهناك نفايات صلبة خطيرة تؤثر على سلامة وصحة الإنسان والبيئة، وهناك نفايات صلبة تكون ذات منشأ طبي خطير”.
ويلفت عبد الحميد إلى أنه “في الكثير من دول العالم ومنذ عقود كثيرة، بدأت عمليات استخدام هذه النفايات الصلبة بدلا من طمرها، وهذه النفايات تتم عمليات إعادة استخدامها وإعادة تصنيعها وإدخالها من جديد في الحلقة الحياتية للإنسان، وهذا الأمر مهم جدا في تقليل الآثار البيئية لهذه النفايات التي يمكن استخدامها أيضا في إنتاج الأسمدة العضوية وعلف الحيوانات، وممكن توليد الطاقة الكهربائية من خلال حرق هذه النفايات أو تحويلها إلى وقود”.
ويبين عبد الحميد أن “الفوائد الاقتصادية من استثمار واستعمال النفايات الصلبة كبيرة، والكثير من الدول تعتمد على وارداتها المالية من عمليات إعادة استخدام النفايات وتوليد الطاقة من هذه النفايات الصلبة، وهذا الأمر يوفر أموالا كبيرة جدا”.
يذكر أن هناك العديد من مشاريع إنشاء معامل لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مواد صالحة للاستخدام، مثل الأسمدة أو فرز المواد الصلبة فيها، قد طرحت خلال الأعوام الماضية، لكن في العام 2014 وبسبب الأزمة المالية والحرب على تنظيم داعش توقفت أغلبها، ما دفع أمانة بغداد إلى طمرها بالطرق التقليدية.
وكان معاون مدير دائرة المخلفات الصلبة والبيئة في أمانة بغداد أحمد عبد الإله، كشف العام الماضي، عن وجود ثلاث شركات إحداها تركية قدمت طلبات للاستثمار في مشروع تدوير النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية، فيما بين أن هناك مفاوضات مع وزارة الكهرباء لشراء الطاقة الكهربائية الناتجة عن المشروع، لكن البدء بهذا المشروع يحتاج إلى تشريعات قانونية تزيل العقبات من أمامه.
في السياق ذاته، يذكر الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الاستثمار في النفايات الصلبة يجب العمل عليه في العراق من خلال القروض الميسرة، كما عملت الكثير من دول العالم على ذلك، وهذا الملف يجعل السعر ليس قليلا للنفايات، فبدلا من أن يكون هناك صرف للأموال والطاقة على حرق النفايات والطمر الصحي، يمكن بيع النفايات بملايين الدولارات”.
ويستطرد حنتوش أن “هذه النفايات الصلبة ممكن تحويلها إلى طاقة كهربائية كما تعمل الكثير من الدول على ذلك، وتحويل هذه النفايات إلى غاز الميثان، وهذا الغاز قادر على إنتاج الكهرباء، خصوصا أن العراق يشتري هذا الغاز من الخارج وبمبالغ كبيرة، وهذا الأمر سوف يوفر أموالا كبيرة لخزينة الدولة العراقية”.
ويضيف أن “مشكلة غياب استثمار النفايات في العراق، هو لعدم وجود قروض على هكذا مشاريع وليس لدينا ثقافة بهذا الأمر، كما أن هناك عائقا كبيرا وهو الفساد في التعامل مع هكذا ملف، فالشركات تتخوف من الخوض بهكذا مشاريع بسبب الفساد وطلب عمولات عليها، خصوصا أن هناك نفايات جيدة تهرب من العراق إلى تركيا مثل الحديد والسكراب، وبعض من هذه النفايات يهرب حتى إلى إقليم كردستان”.
ويقع في الجانب الجنوبي الشرقي من العاصمة، وتحديدا بين أسفل مقتربات الطريق السريع الرابط بين منطقتي بغداد الجديدة والدورة، موقع لطمر النفايات، وغالبا ما ترتفع منه أعمدة الدخان ويشاهد المواطنون آليات رفع النفايات وهي تفرغ حمولتها في هذا الموقع، وذلك بالإضافة إلى معمل وفرز النفايات، الذي افتتحته بلدية المحمودية جنوبي العاصمة، والذي يقع على مساحة 64 دوما، ويعمل بطاقة تصل إلى 200 طن في اليوم الواحد.