صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

“العالم الجديد” تدخل دمشق.. حياة صعبة وسياحة سهلة  للعراقيين

يهرول حمزة عباس (33 عاماً) حاملاً معه حقيبته في مطار دمشق لإكمال إجراءات الدخول إلى سوريا، لكنه يصطدم بشرطي يقول له: “أعطني حلاوة (رشوة) لكي تدخل بسلاسة”، هذا الأمر أوقف حمزة، وجعله يفكّر بالأيام السبعة التي سيقضيها، إذا كانت بداية دخوله بدفع أموال، لكن ما رآه، أنسَاه هذه الحادثة.

يهرول حمزة عباس (33 عاماً) حاملاً معه حقيبته في مطار دمشق لإكمال إجراءات الدخول إلى سوريا، لكنه يصطدم بشرطي يقول له: “أعطني حلاوة (رشوة) لكي تدخل بسلاسة”، هذا الأمر أوقف حمزة، وجعله يفكّر بالأيام السبعة التي سيقضيها، إذا كانت بداية دخوله بدفع أموال، لكن ما رآه لاحقا، أنساه هذه الحادثة.

لم تكن عملية الدخول إلى سوريا معقّدة كما صوَّرها الشرطي، لكنه كان يهدف للحصول على أموال تدعم راتبه الذي اتضح فيما بعد أنه لا يتخطى الـ15 دولارا شهريا، فهو ومَن معه وصولاً إلى السيارة، يبحثون عن رشى تزيد راتبهم.

ركب حمزة، سيارة الأجرة ومعه اثنان من أصدقائه، وبقوا يشاهدون بصمت وحسرة البنايات المهدمة على جانبي الطرق في دمشق، إلا أن ضحك السائق ولهجته السورية، كانت تعيدهم إلى الأجواء، وتحوَّلهم إلى مواطنين سوريين، وهم يتقاسمون السكائر بينهم.

حطّوا الرحال في مساكن برزة بدمشق، وعند الذهاب إلى منطقة السيدة زينب (مرقد ديني ومركز سياحي)، لم يبدُ المشهد مختلفا كثيراً عن مدينة سامراء العراقية، وتحديدا قرب مرقد الإمامين العسكريين، من حيث “الإهمال” وانتشار العسكريين ممن ينتي بعضهم لفصائل مسلّحة.

يشار إلى أن العراقيين، وبعد العام 2003، توجهوا إلى السفر خارج البلاد بعد الانفتاح على دول الجوار ورفع القيود عن جواز السفر، وعودة الطيران ليغطي أغلب بلدان العالم، لكن الكثير منهم يلجؤون إلى السياحة الداخلية، وتحديدا في إقليم كردستان.

سياحة دينية وأخرى ترفيهية

السائحون العراقيون هناك ينقسمون إلى نصفين، فالأول يأتي لزيارة المراقد المقدسة الموجودة في سوريا، والثاني، يبحث عن الترفيه والسياحة بمختلف أنواعها، فيتنقل بين المناطق، حتى يصل إلى اللاذقية وطرطوس.

قرب مرقد السيدة زينب، توجد سوق شعبية وعندها، يكثر مَن يأتي من أجل السياحة الدينية، والغالبية منهم، كبار في العمر، إذ يقول أبو أحمد (57 عاماً)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “ليست المرة الأولى التي أزور فيها سوريا، فالأجواء بمرقد السيدة زينب لها طعم خاص، وتجبرني على تكرار مجيئي إلى هنا”.

وهو يتجوَّل في السوق، يضيف أبو أحمد: “المراقد المقدسة هنا، تغص بالعراقيين، ويشعر الزائر كأنه في أحد المراقد المقدسة بالعراق، خاصة مع مجالس العزاء التي تقام بشكل يومي”.

ويرى أن “تعامل السوريين مع العراقيين سبب آخر ينجح السياحة في سوريا، فحين نأتي كمجاميع سياحية إلى دمشق، نخرج إلى أماكن ترفيهية قريبة من السيدة زينب والسيدة رقية”، فيما يكمل بحرقة قلب: “هذا الواقع السوري، يمثل ما عشناه أيام الحصار في زمن النظام السابق”.

ويجد العراقيون في السوريين، أشياء مشتركة عديدة، فتشابه الواقع السوري الحالي، مع الواقع العراقي أيام الحصار الاقتصادي، يجعل الطرفين يهوّنان على بعضيهما، وهذا ما حصل بين سائحين عراقيين، ومواطنين سوريين.

شهرياً.. آلاف الرحلات

مجد المصطفى سالم، صاحب شركة سفر في منطقة الصالحية ببغداد، يؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عدد العراقيين الذين يسافرون إلى سوريا يتراوح بين 3 إلى 5 آلاف، شهرياً، وهذه الأرقام، تأتي قياساً لأعداد الرحلات الأسبوعية المتوجهة إلى سوريا”.

ويبيّن سالم (29 عاماً) أن “أكثر العراقيين الذين يسافرون إلى سوريا، يتوجهون بزيارات دينية إلى المراقد المقدسة الموجودة في دمشق، مثل السيدة زينب، والسيدة رقية”، مشيراً إلى أن “ثلث المسافرين، يذهبون إلى هناك، من أجل سياحة ترفيهية، وبعضهم يذهب بسبب أعمال لديه هناك”.

ويوضح، أن “أسعار الطيران إلى سوريا، تبدأ من 200 دولار، وصولاً إلى 400 دولار، بحسب الموسم الذي تشهده الرحلة، بينما سعر الفيزا يصل إلى 80 دولاراً، والموافقة الأمنية التي تكون مشروطة على المسافر لأول مرة إلى سوريا، فإن سعرها يصل إلى 110 دولارات”.

ويضيف، أن “العراقي الذي يتزوج مواطنة سورية، سيكون معفياً من دفع رسوم الفيزا، عند دخول البلاد”، مشيراً إلى أن “أغلب الذين يتزوجون من سوريات، هم من الكبار بالعمر، لتبقى زوجاتهم في سوريا، بسبب العراقيل التي تمنع جلبهن إلى العراق”.

يذكر أن “العالم الجديد” كشفت في تقرير مفصل سابق، عن زواج عراقيين من نساء سوريات، حيث سجلت محافظة بابل لوحدها، 51 حالة زواج خلال الخمسة أشهر الماضية، ووفقا للتقرير فإن أغلب أعمار النساء صغيرة.

أما أحمد صلاح، (30 عاماً)، مواطن عراقي زار سوريا سائحاً، يوضح خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “جئتُ إلى سوريا، بسبب ما نقل لي الأصدقاء عن جمالها، وكذلك رخص الأسعار فيها، وطيبة شعبها الذي يكون قريباً من العراقيين”.

ويكمل صلاح: “ذهبت إلى سوريا، وزرت مراقد مقدسة، ولكن قضيت معظم الوقت أتجول في أنحاء دمشق، لقضاء سياحة ترفيهية، فسوريا تضم أماكن جميلة، ويقارب منظر شوارعها مع ما موجود في بغداد، حتى نسيت أنني قادم من بلد آخر”.

الغالبية العظمى من السائحين في سوريا عراقيون، ويشكلون ما نسبته 80 إلى 90 بالمئة، من مجمل السائحين، ولكن هناك، رأى مراسل “العالم الجديد”، سيارات تحمل أرقام دول خليجية، بينها الكويت والسعودية، وتساءل عن أصحابها، وظهر أن “أغلبهم مواطنون من دير الزور، كانوا قد هجروا سوريا وعملوا في الخليج، وهناك، اشتروا سيارات، وبها عادوا لأهلهم زائرين”.

السياحة في سوريا قد تعود مجدداً مع فك الحصار عنها، هذا ما يتوقعه العديد من المواطنين هناك، إذ يشيرون إلى أن أزمتهم هذه جاءت بفعل الحصار، لأن الحرب لم تتسبب بتردي واقعهم الاقتصادي إلى هذا الحد الذي يعيشونه.

وكانت القمة العربية التي عقدت في السعودية، في أيار مايو الماضي، قررت عودة سوريا لمقعدها، وقد حضر الرئيس السوري بشار الأسد للقنة، وشارك بشكل اعتيادي، كما استقبل الأسد مسؤولين ورؤساء من دول عدة، على رأسهم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ووزير خارجية الإمارات.

المشهد في سوريا

“لو متنا بالحرب، أفضل من بقائنا أحياء بلا روح”!.. هذا ما تحدَّث به أحد المواطنين السوريين، وهو يقود سيارته التكسي، ومعه حمزة وصديقاه الإثنان، وهو ينقلهم من مكان إلى آخر في قلب العاصمة دمشق.

أم حيدر (45 عاماً)، تدير أعمال شقق سكنية في منطقة مساكن برزة، تقول، إن “العراقيين عادةً ما يستأجرون هذه المناطق في سوريا، ويبحثون عن أماكن توفر لهم الراحة الأكبر وهم يسكنون فيها”.

تشير خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، إلى أن “العراقيين الذين يأتون إلى سوريا، هم الأكثر من بين السيَّاح الأجانب، والمواطن السوري يفرح بمجيئهم، لأنه يراه نصفه الآخر الذي يتقاسم معه المعاناة، إلا أن البعض، يجده طعماً سهلاً يسرق منه ما يريد”.

تشرح أم حيدر، التي لديها ثلاثة أولاد، واقعهم في سوريا بحرقة قلب، ودمعة أخفتها خلف ابتسامة مصطنعة: “نعاني كثيراً بسبب الحرب والحصار، والمعيشة أصبحت صعبة جداً علينا، والكثير يبحث عن مهرب يخلّصهم من واقعهم المأساوي”.

أجور زهيدة

سعر صرف الليرة السورية يتراوح بين 900 ألف ليرة سوريا ومليون و110 آلاف، مقابل كل مئة دولار، وهذا الأمر ضيَّق التنفس على أغلب السوريين، ومنعهم من ممارسة حياتهم بالشكل الطبيعي، إذ أن الأزمة أوصلتهم إلى مأساة تبكيهم حين يقارنون واقعهم فيما مضى.

مع هذا الجانب المأساوي، يقبع في المقابل، مَن يعيش واقعاً أفضل بكثير، فسوريا، تحتضن طبقتين فقط (الغنية والفقيرة)، أما المتوسطة فتكاد أن تكون معدمة، فالغنية إما أن تكون من عوائل النظام، أو تجار، أو ورثوا الغنى من آبائهم، أما الفقراء، فإن الحصار والحرب أوقعهما بفقرهم.

كيان أبو حمزة، صاحب سيارة الباص تحدَّث لـ”العالم الجديد”، وهو يقود مركبته، ويداه لم تنزل وهو يهزها يائساً من الواقع، يقول: “العوائل هنا تأكل اللحم، مرة واحدة خلال الشهرين، أما الدجاج، فيأكلونه مرة واحدة في الشهر بسبب الأزمة الاقتصادية”.

ويوضح أبو حمزة (48 عاماً) أن “متوسط دخل العائلة لا يصل إلى أكثر من 20 دولاراً بالشهر، والعائلة تأكل الفاكهة مرة واحدة بالأسبوع، وبعض العوائل تأكلها كل أسبوعين مرة واحدة فقط”.

ويشير إلى أن “لتر البنزين الواحد تبلغ قيمته دولاراً واحداً، وصاحب العجلة، له الحق بتعبئة 25 لتراً فقط كل أسبوع، وإذا ما نفد منه فإنه يلجأ إلى البائعين العشوائيين في الشارع”.

وحسب منظمات عالمية فإن أكثر من نصف عدد السكان في سوريا، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويغطي متوسط الأجر الشهري حاليا نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، هذا فضلا عن التخفيضات المستمرة بقيمة الليرة السورية، التي تتخطى في السوق الموازية الـ10 آلاف ليرة.

أمَّا أبو مالك (57 عاما)، ضابط متقاعد سوري، روَّى لنا قصصاً حزينة عاشها السوريون، فهو يتحدث عن طفل يزداد سنه، وهو يظن أن والده مسافر، لكنه قُتِل بالحرب، إلا أن زوجته تبلغ طفلها باستمرار، أن والده سافر وسيعود بعد مدة.

ويبين أبو مالك لـ”العالم الجديد” أن “راتب الجندي هنا، يساوي قرابة الـ 15 دولارا بالشهر فقط، وهذا الراتب لا يسد رمق العيش أبداً، فهو مجبر على العمل بمكان ثان، يسد جزءا من احتياجاته”.

وخلال التنقل بين الحواجز الأمنية، يتعرض السائح العراقي، إلى مضايقات بالتفتيش، وتشديد بالإجراءات، وإذا ما أراد تخطي هذه المشكلات، فعليه أن يدفع أقل الدولار للجندي الواقف في السيطرة، حتى يتمكن من العبور بسهولة تامَّة.

هذه المعاناة، ونقص الكهرباء الشديد، “لم يُفقدا السوريين طيبتهم، وتعاملهم اللطيف مع العراقيين”، بحسب ما يرى حمزة عباس الذي يقول أيضاً: “لم أجد شعباً طيباً بالتعامل مع العراقيين، مثل السوري.. يستقبلنا بصدر رحب، ويحتضن التائه، وينصح كما لو أنه يعرفنا منذ زمن طويل”.

يكمل حمزة وهو يجمع أغراضه من أجل العودة إلى العراق: “لن تكون هذه السفرة إلى سوريا هي الأخيرة، ما شاهدته هنا من تعامل لطيف لدى الغالبية، سيجبرني على زيارتها مرة ثانية، وكل تفاصيل السفرة، بحزنها وفرحها، أنستني اللحظة الأولى التي نزلت بها في المطار”.

وفي أيار مارس الماضي، كان برنامج الأغذية العالمي، أعلن أن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.

إقرأ أيضا