بات العراق قلقاً أكثر من ذي قبل إزاء ازدياد حدّة الأزمة السورية، وبدأ التحرك الأميركي بتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية يصعّد من وتيرة القلق داخل أروقة حكومته، إذ ترى بغداد أن توجيه الضربة يعني -من بين ما يعنيه- إعطاء قوّة أكثر للتنظيمات السلفية التي لها جذور في العراق، الأمر الذي يزيد من التحديات الأمنية التي تواجهها.
وإذا ما كان المالكي قد أعلن حالة \”استنفار قصوى\” في خطابه الماضي، بعد أن شهدت العاصمة انفجار 29 سيارة مفخخة، مخلفة 233 شخصا بين قتيل وجريح ترافقا مع تصعيد الخطاب الأميركي بتوجيه ضربة إلى سوريا، فإن خطابه هذا الأسبوع نصّ على مبادرة تضمنت 8 نقاط لإيجاد حل للأزمة السورية من دون توجيه ضربة \”تأديبية\” للجارة.
وتتضمن المبادرة \”الدعوة لوقف إطلاق النار بشكل فوري وشامل على كامل الأراضي السورية، ووقف عمليات تزويد أي طرف من أطراف النزاع بالمال والسلاح، وانسحاب جميع المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية\”.
وتدعو المبادرة إلى \”دعم استمرار التحقيق المحايد الذي تجريه منظمة الأمم المتحدة حول استخدام السلاح الكيمياوي، إضافة الى رفض التدخّل الأجنبي في الشأن السوري، وأية عملية عسكرية تستهدف الدولة والأراضي السورية\”.
وتنص مبادرة المالكي على \”الالتزام بعدم استخدام الأراضي العربية لضرب سورية أو أية دولة أخرى، وإطلاق صندوق عربي لدعم عودة اللاجئين السوريين وإعادة إعمار سورية، وإلزام النظام السوري والمعارضة بجدول زمني لإجراء مفاوضات مباشرة بإشراف عربي ودولي، ووضع خارطة طريق لإجراء انتخابات حرة في سورية تحت إشراف عربي ودولي يعقبها تداول سلمي للسلطة\”.
ويرى خيام محمد الزعبي، وهو أكاديمي وكاتب سوري مقيم في دمشق، أن \”مبادرة المالكي خطوة بالاتجاه الصحيح لإنقاذ البلاد من الوضع المتأزم\”، لافتاً إلى أن \”من شأنها إنهاء الأزمة السورية عن طريق إيجاد صيغة مناسبة للتفاهم بين طرفي الصراع بشكل إيجابي، بدلاً من دعم جهة على حساب الجهة الأخرى كما فعلت الأطراف العربية والإقليمية التي أخفقت في وضع الآليات المناسبة لحل هذه الأزمة\”.
ويقول في حديث مع \”العالم الجديد\” أمس، إن \”تداعيات التصعيد المتعلق بسورية واحتمالات وصوله الى تصادم عسكري لن تنحصر على الحدود السورية فقط بل سوف تتعدى إلى المنطقة برمتها وستكون الدول المجاورة كالعراق والأردن احدى ساحاته\”، ويؤكد أن \”التدخل الغربي في سورية لن ينتج الا الفوضى وزعزعة الامن والاستقرار ولن يكون فيها منتصر\”.
ويتخوّف خيام من أن تتحول سورية الى \”عراق جديد\”.
فيما يقول حسين الزعبي، وهو مدير تحرير فضائية سورية معارضة، إن \”مبادرة المالكي لن تكون مقبولة من المعارضة حتى من امرأة هرمة في أقصى الجنوب السوري\”.
ويشير الزعبي في حديث لـ\”العالم الجديد\”، إلى أن المبادرة \”تحوي نفسا متوترا وأن المالكي يطلق الصفات الملائكية على النظام، حتى أنه لم يأخذ موقف الحياد، ثم أنه تكلم بنفس طائفي أكثر من مرة، وإذا كان البعض من الطرف الآخر يتكلم بطائفية -وهنا أقصد بعض الفئات السنية- فهذا لا يجعل من طرحه الطائفي أمرا مبررا\”.
ويؤكد حسين الزعبي أن \”مسألة بقاء النظام مرفوضة بأي شكل من الأشكال\”. ويضيف \”نحن أمام خيارين لا ثالث لهما هل ننحي الشعب أم ننحي الرئيس، ربما يقول ليس كل الشعب ضد الأسد، نوافق الرأي ولنقل أن ربع الشعب ضد الأسد، هل ننحي ربع الشعب السوري ليبقى الأسد؟\”.
ويتابع المعارض السوري بالقول \”عندما يتحدث المالكي عن سحب المقاتلين عليه أولاً سحب لواء أبو الفضل العباس، كحسن نية، على اعتبار أنه صاحب المبادرة\”، ويلفت إلى أن \”مسألة دعم اللاجئين فهذا السم بالدسم، نحن لسنا مثل اللاجئين الفلسطينيين لنحتاج الدعم، نحن لدينا بلد وقائم إلا إذا اعتبرنا أن الأسد احتلال، وبالتأكيد هو كذلك\”.
وخلص إلى أن \”السيد المالكي عانى من الديكتاتورية، كما كان يقول، وعانى اللجوء وعانى القمع، لم نسمع منه كلمة إدانة واحدة حتى بحق الأطفال..\”.
وتقول شذى القاضي، وهي صحفية سورية مقيمة في اللاذقية، إن \”المفارقة أن هذه المبادرة جاءت من العراق من بلد غارق في الدم والتفجيرات التي تتبناها في أغلبها أطراف متشددة وتكفيرية تابعة لتنظيم القاعدة… وجرب الديمقراطية الأميركية على مدى عشر سنوات، وفي وقت تشهد فيه بغداد اعنف سلسة تفجيرات وقتل تتعرض لها منذ بداية العام الحالي\”.
وترى القاضي أن \”الأزمة السورية هي الأزمة الاصعب في العالم\”، وتشير إلى أن \”اللافت في هذه المبادرة اشارتها الصريحة لوجود المقاتلين الأجانب في سورية\”.
وتمضي بالقول إن \”بنود المبادرة جيدة، وقد توقف الدم\”.
ويشير وائل النبواني، وهو صحفي سوري، إلى إن \”دعوة المالكي لوقف إطلاق النار بشكل فوري وشامل على كامل الأراضي السورية متأخرة جداً بعد دخول سورية في دوامة فوضى السلاح، إضافة الى وجود الكثير من العصابات التي تعمل لصالح النظام في صفوف مقاتلي المعارضة\”، ويلفت إلى أن هؤلاء \”هم من شكلوا دائما حجة النظام في خرق أية هدنة، هذا عدا عن عدم ثقة الشعب السوري بصدق النظام\”.
ويوضح في اتصال مع \”العالم الجديد\”، إن \”من الأولى بالمالكي أن يوقف دعمه النظام ويمنع الميليشيات العراقية من دخول سورية لقتال الشعب السوري، فضلا عن سماحه لطهران باستخدام مجاله الجوي وأرضه في مساندة بشار الأسد\”. ويتابع \”المالكي آخر من يحق له الحديث في هذا المجال كون العراق كان منفذا لايران من جهة، وللمتطرفين من جهة أخرى لدخول سورية\”.
ويلفت إلى أن \”مبادرة المالكي جاءت بأوامر ايرانية بعد شعور طهران بجدية السعي الأميركي لتوجيه ضربة عسكرية لسورية، وتبتعد هذه المبادرة عن إمكانية التطبيق على أرض الواقع\”.