تبدو صورة الجماعات العراقية التي تقاتل في سوريا، متماسكة من بعيد، ومحاطة بهالة تعاطف كبيرة من قطاع واسع من العراقيين، غير ان هناك صورة اخرى مغايرة على الارض، فالمهمة الرمزية للدفاع عن \”مرقد السيدة زينب\” توسعت الى خارج المنطقة \”المقدسة\” في ريف دمشق الى مناطق ابعد مما كان احد يتصور، من المقاتلين \”الشيعة\” الشباب، او من الخصوم السوريين في \”الجيش الحر\” او المجموعات السلفية والقاعدية كـ\”داعش\” و\”جبهة النصرة\”.
ووفقاً لتقويم بدء الازمة السورية، في 15 اذار 2011، فان التحول الى \”الثورة المسلحة\” اتى بعد اشهر بدعم سعودي – قطري وتسهيلات تركية واضحة، فبدا المشهد حينها على الارض، كسيناريو مكرور لما حدث في ليبيا، غير أن المؤسسة العسكرية السورية كانت اكثر تنظيماً وولاءً للنظام السياسي.
تمدد الاشتباكات من محافظات قريبة من دمشق الى العاصمة، اظهرت قلقاً \”شيعياً\” على مقام \”عقيلة الامام الحسين بن علي\” كما يحلو للبعض تسمية السيدة زينب، والتي سبيت بعد معركة الطف ومقتل الامام المقدس في العام 61 للهجرة وفق التقويم الاسلامي، واستقرت في نهاية المطاف بدمشق عاصمة الأمويين، لتدفن هناك، مع عدد من نساء العائلة الهاشمية، كـ\”رقية وسكينة\”.
تهديد \”مقام السيدة\” بنار المعارضين السوريين وحلفائهم من المقاتلين القادمين من بلدان عربية واخرى اسلامية، ارجع العراقيين الشيعة الى ذاكرة المعركة الاليمة، وحالة الندم العميقة لعدم نصرة الامام الحسين، ومنع \”سبي زينب\”، فرفع موالون متشددون شعار ان \”زينب لن تسبى مرتين\”، كانتصار تاريخي للواقعة. فتشكل اول فصيل شيعي مقاتل باسم \”لواء ابو الفضل العبّاس\”، في اشارة الى \”كفالة\” الاخ غير الشقيق لـ\”زينب\” في رحلتها من \”المدينة\” الى كربلاء.
وأغلب المقاتلين العراقيين الذين يذهبون للقتال في سورية، يتم تنظيمهم من قبل \”حركة عصائب أهل الحق\” المدعومة بقوة من طهران، ولا تخشى الحركة أن تضع شعارها على يافطات النعي، على الرغم من إنكار الحكومة العراقية دعمها للنظام السوري غير أنها تغض الطرف عن ارسال مسلحين الى القتال في دمشق، ومناطق أخرى في الشام.
وتقاتل الميليشيات الشيعية العراقية في سورية، تحت مسميات عدة، أبرزها لواء أبو الفضل العباس، ولواء النجباء، ولواء كفيل زينب.
وفي 30 آب الماضي، أعلن لواء النجباء أن \”مسلحيه سيستهدفون جميع المصالح والمنشآت الأميركية في العراق والمنطقة إذا أصرت الولايات المتحدة على مهاجمة سورية\”.
ولا يعرف على وجه التحديد، تاريخ لتشكيل لواء ابو الفضل العباس، لكن ما يعرف على نحو مؤكد ان شاباً من مدينة الصدر شرق بغداد، شكل النواة الاولى مع عدد من العراقيين المقيمين في \”السيدة\” وسوريين شيعة اغلبهم من بلدة الفوعة \”الشيعية\” شمال محافظة ادلب وهزارة افغان ولبنانين.
وبرز اسم \”احمد حسن كيارة\” الشاب الذي ينتمي لعشيرة العطواني، كواحد من المقاتلين الشرسين، وكأفضل قناص عرفته الفصائل الشيعية المقاتلة في سوريا، ويتداول مقاتلون عراقيون روايات عن \”شجاعة\” كيارة، وقتله لـ 150 عنصراً من فصائل المعارضة المسلحة والتي تضم سلفيين ومتشددين عبر قنصهم في مناطق مختلفة بريف دمشق، فيما تظهر مقاطع فيديوية بعضها مصحوب باناشيد حماسية، القناص \”كيارة\” اثناء المعارك.
ويحلو لكثير من المقاتلين من اصدقاء \”كيارة\” قبل مقتله، او من المقاتلين الجدد ممن فتنوا بسمعته القتالية، ان يسموه بـ\”القائد\”. فيما انحسر نفوذ مجموعته المقربة في قيادة لواء ابو الفضل العبّاس كثيراً بعد مقتله، لينشقوا قبل اشهر قليلة بلواء منفصل اسموه لواء \”الامام الحسن المجتبى\”، تشكل من سرية يتيمة تحمل اسم \”قائدهم\” الراحل، الذي مات بظروف غامضة.
وتظهر صورة لـ\”كيارة\” في وقت غير محدد من العام 2009، قرب مقام \”السيدة\”، القائد الحالي للواء \”الحاج ثامر\”، وشخص اخر هو الشيخ \”احمد الزبيدي\”، اهمية الصورة تكمن في كونها اقدم وثيقة على الصداقة المتينة التي بين \”كيارة\” و\”الحاج ثامر\”.
في 29 كانون الاول 2012، اعلن عن مقتل \”احمد حسن نشعان العطواني\”، المعروف بـ\”احمد كيارة\”. ونظراً لاهمية \”ابو حمزة\” وهي كنيته واسمه الحركي، تبنت فصائل سورية معارضة من الجيش الحر مقتله، وابرزها \”كتيبة المهاجرين في سبيل الله\”، ونشرت تنسيقية ريف دمشق اسماء 20 قتيلاً من بينهم \”ابو حمزة\”، واغلبهم من بلدة الفوعة، وبينما تتضارب المعلومات في ظروف مقتله، ترشح رواية اخرى تشكك وتشير الى صراع داخلي.
ويقول مصدر مطلع لـ\”العالم الجديد\”، ان \”احمد حسن كيارة قتل في منطقة البحدلية في ريف دمشق القريبة من مقام السيدة زينب اواخر كانون الاول الماضي\”، مضيفاً انه \”على حد الرواية الرسمية ان قذيفة هاون اصابت مركبة كان يستقلها، فمات على الفور\”. بينما تحدثت مصادر \”شيعية\” عن مقتله في \”الذيابية\”.
وينوه الى ان \”تلك الرواية مشكوك فيها، لجهة ان ابو حمزة قتل في عملية تصفية داخلية على ايدي عناصر من المعارضة السورية بعد تحديد موقعه، بوشاية من مقاتلين شيعة من بلدة الفوعة السورية، كانوا يقاتلون معه\”.
وينبّه المصدر الى ان \”الاسباب التي دفعت لتصفية ابو حمزة، تكمن في انه بات متحكماً بادارة المناطق التي يحررها اللواء، وتفرّد بالقيادة، وقرّب الشيعة العراقيين على حساب المقاتلين الاخرين\”.
\”ابو حمزة\” ربما يعد الاسم الاشهر بين المقاتلين العراقيين في سوريا، وحتى بعد مقتله في ظروف غامضة، ما زالت سمعته تهيمن على جميع القادة الميدانيين الاحياء الان. فيما تصر جماعته المقرّبة على انه الاساس في تشكيل لواء ابو الفضل العباس.
شهرة \”كيارة\” الواسعة، جذبت طيفاً واسعاً من الشباب الشغوفين بصوره التي يرتدي فيها بزات مغاوير انيقة، ويحمل سلاح قنص متطور، فضلا عن الفيديوهات التي تظهره كمقاتل مدرب تدريباً خاصاً، وبعد مقتله انشأت صفحات اعجاب له على موقع التواصل الاجتماعي \”فيسبوك\” تمجد دوره في الدفاع عن \”السيدة زينب\”، وتنشر صوراً له مع تعليقات محرضة على قتل \”الارهابيين\”.
في الخامس من كانون الثاني 2013، شيعت جموع غفيرة بينهم مسؤولون حكوميون جثمان \”ابو حمزة\” في مدينة الصدر، وتحدث اصدقاء له في احدى الصفحات الاليكترونية، عن زيارة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لقبره في مقبرة الشهداء، في النجف الاشرف.
وتكشف صفحة على \”فيسبوك\” سمّيت بـ\”كلنا الشهيد البطل احمد كيارة ابو حمزة\”، تفاصيل مهمة عن حياته، اطلعت عليها \”العالم الجديد\”، بينت ان \”الشهيد كان يعمل (بنجرجي) في (ساحة الوثبة) ببغداد منتصف الثمانينيات، وفي التسعينيات عمل بتهديم (الجملونات) في منطقة هيت بالرمادي (…) وبعد سقوط النظام البائد انضم الى جيش المهدي\”.
ولفتت الى ان \”ابو حمزة، عمل مع امر سرية (ابو اية) من مدينة الصدر ومن بعدها التحق بالشهيد الشيخ (ازهر الدليمي) رحمة الله، وقاتلوا في منطقة الكفاح في العام 2006، ومن المنطقة اكتسب لقب بـ(كيارة) بعد تطهير المنطقة\”.
واشارت الى انه \”في بداية العام 2007 اعتقل من قبل الجيش الاميركي، واطلق سراحه بعدها، فتوجه الى العاصمة السورية دمشق، كواحد من اعضاء مكتب السيد الشهيد محمد الصدر (قدس) وعمل هناك، واستأجر مقهى\”، مشددة على ان \”ابو حمزة، اثر تهديدات الجيش الحر بمهاجمة مقام السيدة زينب، قام بتأسيس لواء ابو الفضل العباس\”.
مصدر مستقل على صلة، اكد لـ\”العالم الجديد\” في اتصال هاتفي صحة المعلومات التي اوردتها الصفحة الالكترونية، وزاد بأن \”احمد كيارة بعد نشوب الازمة السورية استقطب مجموعة من جيش المهدي ممن كانوا مقربين من الشيخ ازهر الدليمي\”.
مقتل \”ابو حمزة\” ابعد دائرة نفوذه عن قيادة اللواء ابو الفضل العبّاس، ممثلة بـ\”الحاج ثامر\”، الذي اعلن في 25 تموز 2013 عن تأسيس لواء \”الامام الحسن المجتبي\” من سرية نواة اطلق عليها \”سرية الشهيد احمد حسن كيارة\”، لتتشكل فيما بعد كتيبة صغيرة متفرعة منها باسم \”الهمر\”، بينما هناك كتيبة متنقلة باسم مالك الاشتر، بالتعاون مع لواء \”سيد الشهداء\”، وفق معلومات مرصد اميركي يراقب الجماعات المقاتلة في سوريا.
المهمة الرئيسة التي قام بها \”احمد كيارة\” تمثلت بـ\”تطهير\” المناطق المحيطة بمقام \”السيدة زينب\”، وصولا الى بلدة \”الحجيرة\” والتي ظهر فيها \”ابو حمزة\” في دوار البلدة، غداة تحريرها، في لقطة مع مجموعة من المقاتلين.
اصدقاء \”احمد كيارة\” الان في سريته، ولواء الامام الحسن المجتبى، يقومون بتأمين مناطق \”شبعا، طريق المطار، منطقة مطعم القرية، ودير العصافير والبويضة، والقاسمية، والذيابية، والحجيرة، وبلدة غربة\”، فيما هناك فصيل يقاتل في الغوطة الشرقية.