تعد شركة \”لمّنكاينن-Lemmenkäinen\” الفنلندية المتخصصة في مجال البناء والعمران، من الشركات الأجنبية التي أنجزت مشاريع مهمة في العراق أبرزها \”قصر المؤتمرات\” المقر الفعلي لمجلس النواب. وقد قصدتُ مقر هذه هذه الشركة في هلسنكي لأخذ تفاصيل وصور عنها وعن مشاريعها في العراق للنصف الثاني من القرن الماضي, فزوّدني المسؤولون فيها بمجلد كامل يلخص قصة 100 عام من النجاح، وقد أصدر بمناسبة مرور الذكرى المئوية الأولى على تأسيس الشركة.
شعار الشركة
الشركة التي تأسست العام 1910 دخلت العراق منذ ستينيات القرن الماضي وبقيت هناك حتى قبيل اندلاع حرب الخليج الثانية، وقد أنجزت في تلك المدة سلسلة من المشاريع المهمة.
ومن أشهر ما أسهمت الشركة في انجازه داخل العراق \”قصر المؤتمرات\” في بغداد، الذي قرر النظام السابق تشييده ليكون مركزا كبيرا للمؤتمرات ومنها \”قمة عدم الانحياز\” و\”القمة العربية\”.
قصر المؤتمرات
وكانت الشركات الفنلندية نشطة جدا في عراق العقد الماضي بسبب الدور الذي كان يضطلع به المهندس محمد المخزومي وبتأثير أيضا من السفير صالح مهدي عماش، لذلك دخلت تلك الشركات بقوة في المشاريع ومنها مشروع \”قصر المؤتمرات\” الذي صممه المعماري الفنلندي \”هيكي سيرين-Heikki Siren\”، وتكفّلت مجموعة \”IRCO\” الفنلندية بتنفيذه، وهي مجموعة تكونت خصيصا لذلك المشروع الكبير وضمّت شركات: \”Alfred A Palmberg ab، Lemmenkäinen، Teraspetoni، Polar\”.
في أثناء بناء قصر المؤتمرات (العالم الجديد)
بدأ البناء في قصر المؤتمرات العام 1978 وافتتح العام 1982 على مساحة تقدر بـ42 ألف متر مربع، وبتكلفة وصلت 230 مليون دولار. ولأن المبنى شيّد خصيصا لاستضافة \”قمّة\” لذلك بني وفقا لمواصفات قياسية خاصة جعلته في ذلك الحين المبنى الأكثر تطورا في الشرق الأوسط.
تقارير الشركة عن المبنى تتحدث بإطناب عن الكثير من التفاصيل المثيرة، أجزاء منه غلفت بالمرمر الايطالي وسلالم فيه بنيت من حجر الغرانيت بشكل مشابه كثيرا لسلالم مبنى البرلمان الفنلندي التاريخي الشهير، أما أعمدته فقد جهزت في البرتغال، كما زود المبنى بمنظومة اتصالات متطورة جدا.
قصر المؤتمرات بعد اكماله (العالم الجديد)
هذه الشركة تمتلك ذراعا مهما أيضا هو شركة الفريد \”Alfred A Palmberg ab\” المختصة في مجال بناء الجسور والسدود والمباني. الشركة كانت، منذ تأسيسها العام 1907، مستقلة، لكنها في منتصف السبعينيات انضمت إلى مجموعة لمّنكاينن.
شركة الفريد أسهمت هي الأخرى في مشاريع مهمة داخل العراق، ومن أشهرها مشروع جسر ديالى الذي باشرت العمل فيه نهاية الستينيات وافتتحه بداية السبعينيات.
الشركات الفنلندية، وكما هي العادة، شكلت مجموعة خاصة ببناء الجسر سميت حينها بمجموعة \”Finsh Contractes\”، ومن أشهر الشركات التي انضوت تحتها: Lemenkäinen، Teraspetoni، Alfred A Palmberg ab.
قصر المؤتمرات في أثناء بنائه (العالم الجديد)
ولقد رافقت بناء جسر ديالى قصة مثيرة تتعلق بفيضان نهر دجلة بمستويات غير طبيعية في أثناء بناء الجسر، ما أدى إلى جرف جزء من هيكله. وبسبب تلك الحادثة حصل خلاف بين الدولة العراقية والمجموعة الفنلندية، ومنها لمّنكاينن، عمّن يتكفل بتعويض تلك الخسارة، وفي نهاية المطاف أعادت المجموعة الفنلندية بناء الجسر من جديد على نفقتها.
وإلى جانب مشروع جسر ديالى؛ نفذت شركة الفريد مشروع سد ديالى العام 1969، مع سلسلة نواظم للمياه في المناطق القريبة من السد. كما أسهمت أيضا بالإضافة إلى شركة \”بولار\” الفنلندية في بناء مشروع إسكان الدورة، ومشاريع أخرى في العراق.
وينظر القائمون على شركة لمّنكاينن بأنها ليست سوى \”مشروع طموح\” بالرغم من أن وراءه 100 عام من الانجازات في فنلندا وخارجها، مشروع تخطّى حروبا عالمية حرقت أخضر فنلندا ويابسها، كما تخطّى التحولات الصعبة التي مرّت بها البلاد وإرهاصات الاستقلال مطلع القرن العشرين.