زارت \”العالم الجديد\” مقر شركة \”وارتسيلا-Wärtsilä\” الفنلندية لصناعات الطاقة والمحركات العملاقة، وخرجت بمعلومات مثيرة عن تعاملات الشركة مع العراق قبل وبعد 2003.
هذه الشركة التي بنت يختا لصدام حسين؛ أبرمت أكبر صفقة في تاريخها مع وزير عراقي هارب ومدان بتهم فساد، كما حورت محركات بارجات كهرباء راسية في البصرة من دون أن تفيد العراق.
بارجة دوغان باي باور التي أهلتها وارتسيلا
وارتسيلا والعراق
في العام 1982 أنجزت \”وارتسيلا\” يختا لصدام حسين سمّي بـ\”يخت المنصور\” الذي دمرته صواريخ وقنابل أميركية وأغرقته في شط العرب العام 2003. وبعد 2003 عقدت وزارة الكهرباء صفقات عديدة مع الشركة المذكورة أشهرها صفقة \”ديزلات سامراء\” التي وقعت في آذار 2004 بقيمة بلغت قرابة نصف مليار دولار، من أجل نصب 20 وحدة ديزل بقدرة توليدية إجمالية تصل 340 ميكا واط.
وذكرت الشركة لـ\”العالم الجديد\” أن هذه الصفقة من أكبر الصفقات في تاريخها. ومن أجل إتمام تلك الصفقة قام أيهم السامرائي، وزير الكهرباء السابق الهارب والمتهم بالفساد، بزيارة \”غير رسمية\” إلى فنلندا، وبمساعدة من شقيقه مجبل السامرائي الذي كان رئيسا للبعثة العراقية في فنلندا وقت إبرام الصفقة.
وأبرم الجانبان صفقة أخرى العام 2004 لإنشاء محطة ديزلات \”علي سبع\” في التاجي بطاقة إجمالية تصل 60 ميكا واط وبمبلغ قدره 35 مليونا و250 ألف دولار. كذلك كانت هناك صفقة بين معمل اسمنت الكوفة والشركة العملاقة لتجهيز المعمل بمولدات كهربائية خاصة.
ومثلما كان لوارتسيلا تعاملات مباشرة مع الجهات العراقية كان لها تعاملات غير مباشرة، ومن أبرزها صفقة البارجات الثلاثة التركية المثيرة للجدل.
وقصة هذه الصفقة أنها عقدت بين وزارة الكهرباء العراقية وشركة \”karkey\” التركية العام 2009 من أجل استئجار 3 بواخر عائمة مختصة بإنتاج الطاقة الكهربائية لمدة 5 سنوات لتعويض نقص الطاقة في الشبكة الوطنية. الباخرتان \”دوغان باي باور\” و\”أرام سلطان\” ترسوان في ميناء أم قصر، والثالثة \”رؤوف\” في ميناء خور الزبير.
ويؤكد بيان رسمي صادر عن وارتسيلا بتاريخ 12/أيار/2010 أنها تلقت طلبا من الشركة التركية المذكورة بتجهيز صفقة البواخر الثلاثة!
ويوضح البيان أن الصفقة شملت إعادة تأهيل توربينات قديمة جلبت من الصين ودبي ونصبها في البواخر الثلاثة التي كانت بالأصل مخصصة لنقل الحبوب وجرى تحويرها لتكون محطات بحرية متنقلة لإنتاج الطاقة الكهربائية.
مقر وارتسيلا في هلسنكي
تاريخ وارتسيلا
تملك الشركة الفنلندية العملاقة 170 مكتبا في 70 بلدا، وتشغّل قرابة 20 ألف شخص. وتتمدد الشركة في اتجاهات جغرافية مختلفة، ولها حضور بارز في منطقة الخليج.
ويعود تاريخ تأسيس الشركة إلى العام 1834، أما اسمها فمقتبس من اسم القرية التي أسست فيها، والتي تقع في منطقة كاريالا الملاصقة للحدود الروسية.
فيما سبق عملت الشركة في مجال صناعة السفن، والمكائن، والفخار، والأقفال، والورق، إذ كانت تضم سلسلة أذرع معروفة في المجالات المذكورة، لكنها ومنذ عدة عقود ركزت عملها في الطاقة والمحركات العملاقة.
ويعي الفنلنديون جيدا أن شركة وارتسيلا أسهمت إلى حد كبير بمعية الشركات الأخرى في تسديد التعويضات الفنلندية للاتحاد السوفيتي، مقللة عبئا عن كاهل الدولة، كما خدمت نفسها بتطوير قدراتها عبر هذا التحدي. التعويضات كانت استحقاقا للقرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن بعد الحرب العالمية الثانية والتي أرغمت فنلندا على دفعها للاتحاد السوفيتي.
وكانت المنتجات التي تصنعها وارتسيلا والشركات الفنلندية الأخرى هي التعويضات التي تدفع للاتحاد السوفيتي بدلا من المال، إذ اتفق الطرفان على ذلك.
بارجة دوغان باي باور التركية التي أهلتها الشركة
وارتسيلا وصناعة السفن
بين وارتسيلا والصناعات البحرية، ولاسيما صناعة السفن، علاقة أكثر من وثيقة، فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي كانت الشركة تملك أهم الأحواض والمسافن في فنلندا، مثل \”حوض هلسنكي\”، و\”حوض وارتسيلا\” في توركو. وفي سبعينيات القرن الماضي، وبعد أن توسعت ودخلت في شراكات تجارية مع العديد من الشركات الكبيرة في فنلندا، تولدت عندها رغبة كبيرة في توسيع نشاطاتها في مجال صناعات السفن، ما دفعها لاستبدال حوض وارتسيلا الصغير بحوض آخر كبير وحديث يبنى بالمواصفات التي تريدها، لاستيعاب قدرات صناعية أكبر. الحوض الجديد كان في منطقة \”بيرنو- Perno\” ومنها أخذ الحوض الشهير اسمه.
مبنى وارتسيلا في هلسنكي يطل على بحيرة
لكن من سوء حظ وارتسيلا أنها دخلت في أزمة مالية بعيد امتلاكها الحوض، فاضطرت للتخلي عنه فيما أصبح لاحقا أشهر الأحواض حول العالم حيث بنيت فيه أكبر سفن نقل الركاب.
غير أن وارتسيلا التي تخلت عن الحوض لم تبتعد عنه تماما، فكلما نشط العمل فيه زاد النشاط الاقتصادي في وارتسيلا باعتبارها الشركة المجهزة لمعظم السفن التي تصنع هناك بمحركات الطاقة العملاقة. ومن أشهر تلك السفن \”حرية البحار، وواحة البحار، وجاذبية البحار\”.