(العالم الجديد) تفتح ملف أسرار صعود الفرع العراقي من تنظيم القاعدة

يلف الغموض، رؤوس تنظيم القاعدة في العراق وسورية، اسماء حركية وكِنى تموّه جنسياتهم، فيما تبدو المعلومات المتوافرة شحيحة ومتضاربة، مع صعوبة اختراق تلك التنظيمات التكفيرية عبر مصادر للحصول على معلومات تكشف حقيقة الامتداد وسعته واساليب العمل فيه.
الجيل الجديد من القاعدة، والذي يمكن تسميته بـ\”الجيل المحلي\”، يعقب جيلين \”مغمورين\”، اغلب عناصره قاتلوا في افغانستان، وعادوا الى بلدانهم، ليتم اعتقالهم من قبل السلطات، او ينزوون بعيداً ليؤسسوا \”خلايا نائمة\”، ليتحولوا بعدها الى \”امراء\”. فيما فضلّ عناصر كثر ترك التنظيم، والابقاء على اعتناق الافكار، مع مرونة فيما يخص \”التكفير\”، كما حدث مع مفتي التنظيم \”ابو حفص الموريتاني\”، الذي اعلن استقالته من التنظيم بعد خلاف \”شديد\” مع \”اسامة بن لادن\”، احتجاجاً على هجمات 11 ايلول سبتمبر 2001. ولجوئه الى ايران لمدة 10 اعوام مع زوجته الفلسطينية، ليعود بعدها الى نواكشوط.
عملت القاعدة على تعتيم بالغ الشدة على قياداتها وعناصرها، الامر الذي ساعد على بقاء جيلين منها في الظل، ومما فاقم الغموض تمركز التنظيم في افغانسان سابقاً، وعدم توافر وسائل تواصل حديثة، عوضاً عن الجهل بتكنولوجيا المعلومات. غير ان الجيل الجديدة من القاعدة، يبدو اكثر حداثة ومرونة في التعامل مع الفضاء الاليكتروني، الذي اعلنوا فيه عن \”قيام امارات ودول\”، فيما هي لا تملك على الارض سوى \”معسكرات\” مجهولة في الصحاري.
كان البروز الاول لـ\”الجيش الاليكتروني\” لتنظيم القاعدة الدولي، بعد حرب العراق 2003، قبلها كان التنظيم يعتمد على التنظيم \”الخيطي\” والتواصل عبر رسائل \”مشفرة\”، وتسجيلات صوتية يتم نقلها على \”كاسيت\” في افضل الحالات. بينما رعت قناة \”الجزيرة\” القطرية، البث الحصري للتنظيم حتى اللحظة، وساعدت \”تنظيم اسامة\” بالانتقال من \”قاعدة الصحراء\” الى \”قاعدة\” الانتشار الفضائي، بعدما روّجت فيديوهات لـ\”الزعيم\” بن لادن.
الجيل الجديد، او ما يعرف بـ\”الجيل الثالث\”، بدا اكثر تحرراً من سياقات التنظيم \”الجاهلي\”. وتخلّص من صرامة الدعوة \”الجهادية\” عبر الافكار الى التفكير جدياً بـ\”الامساك بالارض\”.
والتمايزات التي بدا عليه التنظيم الجديد بعد مقتل بن لادن، تشي ببروز عقلية \”خطرة\” للغاية مغايرة لعقلية اسامة المؤمنة بـ\”الضربات الموجعة المؤدية الى الانهيار\”، بل تقوم على اساس التحولات المؤدية الى البقاء. على عكس ما كان بن لادن يريد ان يكون التنظيم \”هوية جامعة\” لـ\”الشعوب الاسلامية\”. بالتالي فان \”تنظيم اسامة\” يبدو غريباً الان في ظل \”التغيرات\” التي طرأت على \”عقل القاعدة\” والتحول الى \”دولة عميقة\” وفقاً للتصنيفات السياسية.
حتى مقتل بن لادن في 2 ايار 2011 في بلدة \”أبوت آباد\” بالقرب من العاصمة الباكستانية اسلام اباد، كان التنظيم ملتزماً بخطة تقليدية لم يغيرها منذ نهاية حرب افغانستان الاولى في العام 1989. وحتى بعد \”غزوة البرجين\” فأن التنظيم مارس اسلوب القتال التقليدي في افغانستان ضد الاميركيين على طراز القتال ضد السوفييت. فيما يوجه التنظيم العالمي ضربات \”موجعة\” كنوع من المناورة، واشاعة \”وهم\” التمدد في افريقيا واليمن والسعودية، في حين ان التنظيم كان معزولاً ولا يمتلك سعة في تلك البلدان، وعناصره هناك كانوا معدودين وتحت رقابة \”السلطات\”، لكنه نجح بتضخيم صورته، واثبات قدراته على الاختراق.
يقول ابو \”حفص الموريتاني\” في حوار له عبر اليوتيوب بُث في الساعات الاولى من فجر امس الاحد، وتابعته \”العالم الجديد\”، ان \”تنظيم القاعدة قبل مقتل اسامة بن لادن كان خاملاً، ولم تكن تصله اية تعليمات، وعناصره في العالم يعتمدون على الامراء والشرعيين وما كانوا يدعونه لهم، لكن بعد مقتله حدث تبدل كبير\”.
بعد ايام من مقتل بن لادن، اعلن عن \”تنصيب\” الرجل الثاني في التنظيم ايمن الظواهري كقائد جديد، الطبيب المصري ذو الخلفية الاخوانية المصرية، تحول الى قائد لاخطر تنظيم ارهابي، لكنه لم يستطع ان يملي الفراغ \”القيادي\”، حتى ان كثيراً من القيادات الميدانية \”الشرسة\” لم تر فيه تعويضا عن \”الكاريزما\” الملهمة، فضلا عن بروز قناعات مناطقية، ترفض \”المصري\” وتؤيد قيادات يمنية واردنية وسعودية وعراقية. وبدا ذلك الامتعاض الداخلي بيّناً في تحولات القاعدة في العراق.
كان رجل القاعدة الاول في العراق، اردنياً، وهو احمد نزّال الخلايلة المعروف بـ\”ابي مصعب الزرقاوي\”، والذي قتل في السابع من تموز 2006، بغارة اميركية على بستان في ناحية \”هبهب\” بديالى. اسس في البدء \”جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين\”، ليتم بعدها الاعلان عن \”قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين\”.
بعد مقتل الزرقاوي تولى التنظيم، \”مصري\” ضعيف الشخصية. ووفقاً لمصادر رافقت \”عبد المنعم عز الدين علي البدوي\” انه \”كان حريصاً على المال وميالاً الى الاستقرار، والعمل بعيداً عن التعرض للخطر\”، مشيرة الى انه \”كان دائماً يصحب زوجته اليمنية واطفالهما في كل التنقلات والهروبات من قبضة الجيش الاميركي او العراقي، لحين مقتله مع زعيم الدولة الاسلامية ابو عمر البغدادي في الثرثار العام 2010\”.
البدوي المولود في سوهاج العام 1968، لم يكن قائداً عسكرياً ميدانياً، ولا يملك حساً استخبارياً، ولم يحرص على تماسك \”التنظيم\”، ولا يمتلك قدرات مناورة وتكتيك كالتي امتلكها \”الزرقاوي\” او من تسلموا بعده التنظيم. غير انه حاول ان يشيع هالة من الغموض المفضوح حول نفسه، بأن اطلق على نفسه في مرحلة \”الجهاد\” كعنصر و أمير بـ\”ابي حمزة المهاجر\” وبعدها سمى نفسه بـ\”ابي ايوب المصري\”، واللافت انه كان من اوائل طلائع \”القاعدة\” الداخلة الى العراق، وقدم الى بغداد في العام 2002 من الامارات واستقر لمدة 7 اشهر في حي الكرادة.
عند ابو ايوب المصري، ينقطع حبل \”التنظيم الدولي\” للقاعدة ونفوذه في العراق. هنا تبرز واحدة من علامات التحول التي ستلقي بظلالها على المراحل المقبلة من التنظيم. فرؤوس القاعدة الكبيرة في العراق، او ما يعرف بـ\”مجلس شورى المجاهدين\” باتت تحت قناعة فشل خيارات التنظيم البعيد، في تسمية \”امراء\”، وتحت \”رهبة\” القادة الميدانيين الذي بدا وكأنهم يرفضون \”الغرباء\”، غير ان هناك قناعة اخطر من القناعتين السابقتين، فأن \”الجيل العراقي من القاعدة\” بات يريد الانفصال عن المشيمة الظواهرية، ويحاول ترسيخ فكرة انتقال \”زعامة التنظيم\” ككل من المجهول البعيد (الظواهري) الى المعلوم القريب (القادة الميدانيين)، فضلا عن شعورهم بضرورة عدم السماح لقيادات \”عربية\” بالهيمنة على التنظيم. ومن جهة اخرى فان القيادات العراقية بدءاً من (حامد داوود محمد الراوي) المعروف بأبي عمر البغدادي، وانتهاءً بـ(إبراهيم عواد البدري) المُكنى بـأبي بكر البغدادي، تؤمن باستراتيجية \”مسك الارض\” و\”اعلان الدولة\”.
ابو عمر البغدادي، في واحدة من فعاليات التوهيم الاعلامي، اعلن قيام \”الدولة الاسلامية في العراق\” في15  تشرين الأول 2006، لكنها لم تحظ بقبول بن لادن. وانزوت فكرته التي لم يكن لها تخطيط واقعي، او استراتيجية تفعيل. لكن مع تسلم ابراهيم البدري، عقب حامد داوود الراوي، بدا الامر مختلفاً تماماً.
اعلن ابو بكر البغدادي \”الدولة الاسلامية في العراق والشام\” في التاسع من نيسان 2013، في دلالة رمزية لسقوط بغداد بعد 10 اعوام من الانفلات التدهور الامني، والصراع السياسي في البلاد، فضلا عن محاولة البغدادي بمد نفوذ التنظيم العراقي الى الاراضي السورية بعد ان دفع ابو محمد الجولاني الى تأسيس \”جبهة النصرة\” والتي تمثل \”قاعدة الجهاد في بلاد الشام\”. غير ان الظواهري استشعر الخطر العراقي على \”زعامته\” المهددة بالعزل اذا ما تمّ للبغدادي مراده. وهذا ما سنفصله في التقرير المقبل غدا، ونكشف عن الشخصيات الحقيقية، ونصحح معلومات بثتها الاجهزة الامنية العراقية، عن \”ابو محمد الجولاني\” و\”ابو محمد العدناني\” و\”ابو اسامة العراقي\”.

 

إقرأ أيضا