مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، بدأت ملامح التحالفات السياسية المنبثقة من الإطار التنسيقي “الشيعي” بالتشكل، عبر قوائم منفردة وأخرى متجمعة، في خطوة تعكس طبيعة المنافسة بينها، في ظل تحديات كبرى تواجهها وتواجه إيران الدولة الراعية لها، ما قد يغير المعادلة السياسية المقبلة.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة داخل الإطار التنسيقي، اليوم الخميس، عن خارطة تلك التحالفات وبوصلتها حتى اللحظة، وفيما أكدت تلك المصادر، إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الحالي، رجحت حدوث تلاعب وتزوير في الانتخابات المقبلة مع إصرار الكتل السياسية على اعتماد “البطاقة البايومترية”.
وتقول المصادر لـ”العالم الجديد”، إن “الملامح الأولية لخارطة التحالفات الانتخابية الخاصة بالإطار التنسيقي انقسمت إلى قوائم منفردة وأخرى مجتمعة”.
وتوضح أن “القوائم التي ستدخل منفردة في الانتخابات هي ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي والذي يضم حزب الفضيلة أيضا، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، والمجلس الأعلى الإسلامي الذي يرأسه همام حمودي، والنائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي”.
وتلفت إلى أن “الطائفة الشيخية التي تتكون من رئيس تحالف تصميم عامر الفايز، وتضم محافظ البصرة أسعد العيداني، ستدخل منفردة أيضا، لأن لديها قاعدة شعبية في البصرة وكربلاء وديالى ومنطقة الكريعات في بغداد”.
وحول التحالفات المجتمعة، تشير المصادر، إلى أن “تيار الفراتين الذي يتزعمه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، سوف يدخل بقائمة مشتركة مع منظمة بدر بزعامة هادي العامري، بالإضافة إلى رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، فضلا عن كتائب سيد الشهداء برئاسة أبو الآء الولائي، وحركة أنصار الله الأوفياء برئاسة حيدر الغراوي”.
وتبين أن “رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، يقترب من الترشح عن هذه القائمة، لكن الأمر لم يحسم بعد، والأمر نفسه بالنسبة لكتائب الإمام علي التي يرأسها شبل الزيدي وعضوية محمد الباوي ومحمد جميل، محافظ واسط، بعد انشقاق أحمد الأسدي، الذي لم يحسم أمره بعد بالدخول في هذه القائمة من عدمه”، لافتة إلى أن “السوداني يسعى من خلال جمع الكتل الأخرى، إلى الحصول على أعلى الأصوات في الانتخابات المقبلة، للدخول في أي كتلة أكبر داخل البرلمان المقبل، من موقع أقوى لضمان الحصول على حصة رئاسة الوزراء”.
وحول موعد الانتخابات التشريعية، تنوه المصادر، إلى أنها “لن تتجاوز منتصف شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل، إن لم تجر في الشهر الذي يسبقه”، موضحة أن “الكتل السياسية لا تريد التأخير هذه المرة في حسم الاستحقاق الدستوري الأبرز”.
وبشأن قانون الانتخابات، تستطرد بالقول، إن “معظم الكتل داخل الإطار التنسيقي مؤيدة لاستمرار العمل بالقانون الحالي للانتخابات، لأنها لا تفضل الدوائر المتعددة، مع رغبتها بإقرار الدائرة الواحدة، المرفوضة من قبل المرجعية الدينية في النجف وزعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر”.
وتشير إلى أن “الخلاف ما زال مستمرا حول اعتماد البطاقة البايومترية أو البطاقة الوطنية خلال العملية الانتخابية”، مرجحة “اعتماد الأولى لأسباب تتعلق بفساد عقود التجهيز، ولأغراض التزوير في الانتخابات، لأن كثيرا من الكتل السياسية العراقية رصدت أموالا لشراء البطاقات، بهدف إدخال بياناتها بطريقة غير مشروعة وعبر عملية قرصنة إلكترونية منظمة في يوم الانتخابات”.
يأتي هذا التوجه، بعد تجربة التنافس المشتت في انتخابات 2021، حيث انقسمت القوى الشيعية قبل أن تتوحد لاحقا في كتلة كبيرة لتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.
وتؤكد قوى داخل الإطار التنسيقي عزمها على دخول الانتخابات المقبلة بأكثر من قائمة، مع إبقاء الباب مفتوحا لإعادة التحالف بعد إعلان النتائج، وكشف رئيس كتلة أجيال النيابية النائب محمد الصيهود، في 10 آذار مارس الجاري، عن تغيير في خارطة التحالفات الانتخابية المقبلة، مشيرا إلى أن الكتل الشيعية سوف تخوض الانتخابات بخمس او ست قوائم، وسط معلومات عن مشاركة الصدر بقائمة منفردة.
وأبدى زعيم التيار الوطني مقتدى الصدر، في الأيام القليلة الماضية، تواصلاً جديداً مع أتباعه وأعضاء جناح التيار السياسي، في خطوة من شأنها أن تُنهي عزلته التي دامت نحو ثلاثة أعوام، وتمهّد لمشاركة أتباع التيار في الانتخابات التشريعية المقبلة، المقررة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، بحسب مختصين.
وحث الصدر في خطبة الجمعة الماضية، أنصاره على تحديد من سيكون مرشحا لهم لخوض السباق الانتخابي، حيث تطرق في الخطبة المطولة التي ركزت على أمور دينية، إلى الانتخابات بقوله: “الانتخابات السياسية تحتاج كثرة الأصوات”، فيما خاطب أتباعه قائلاً: “انتخابك من ليس أهلا للانتخاب سيوصلك للفقر والفساد، وانتخابك للصالح سينتج عليك الخير الوفير”.
وتثير إمكانية عودة زعيم التيار الوطني الشيعي عن قراراته السابقة هواجس حقيقية لدى أغلب القوى الشيعية الممسكة بزمام السلطة، نظرا إلى ما للرجل من شعبية وقدرة على تجييش الشارع واستمالة الناخبين وهو ما تأكّد عمليا خلال الانتخابات الماضية التي حصل فيها على عدد كبير من مقاعد البرلمان، وما منعه آنذاك من تشكيل الحكومة هو تحالف أبناء عائلته السياسية ضدّه وائتلافهم في تكتل مضيّق هو الإطار التنسيقي وآخر موسّع هو تحالف إدارة الدولة الذي ضمّ إلى جانب الأحزاب والفصائل الشيعية أحزابا سنية وكردية.
وسيزيد ارتفاع عدد القوى المتنافسة، من حدة وسخونة الانتخابات، فضلا عن صعوبة تحقيق أي تكتل سياسي الأغلبية، إذ إن التقارب سيكون كبيراً بين الجميع، بحسب مختصين.
وحول دخول حركة عصائب أهل الحق، منفردة في الانتخابات المقبلة، يقول عضو الحركة علي الفتلاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “دخول حركة صادقون للانتخابات منفردة أمر طبيعي وليس فيه اشكال بالنسبة للإطار التنسيقي”.
ويضيف الفتلاوي، أن “قرار الحركة يعود لثقتها بجماهيرها وقدرتها على كسب الأصوات التي تؤهلها لعدد مقاعد مناسب لثقلها السياسي”، موضحا أن “الحركة ستعود بعد الانتخابات لموقفها المنسق مع الإطار التنسيقي وقوائمه التي ستخوض الانتخابات بشكل متعدد أيضا”.
ويؤكد أن “أبواب حركة صادقون مفتوحة لكل كتلة أو حزب يريد التحالف معها أو حتى المستقلين لدخول الانتخابات ضمن قائمتها باسمها الحالي”، مضيفا أن “الانتخابات بالتأكيد ستشهد دخول أحزاب جديدة أو عودة أحزاب سياسية للمشهد، وهذا كله سيسبب زخما انتخابيا في السباق والاستحقاق الدستوري لتمثيل الناخبين تحت قبة البرلمان”.
أما عن الكتلة الأكبر المتوقعة، فيعتبر القيادي في حركة عصائب أهل الحق، أنها “ليست مضمونة من الآن، فالوقت ما يزال مبكرا للحديث عنها والنتائج هي من ستحدد عدد المقاعد لكل كتلة، كما سيكون للتحالفات فيما بعد ايضا الكلمة الفصل في رسم ملامح الكتلة الاكبر في البرلمان، التي ستفرز الكابينة الوزارية الجديدة”.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي، أكد في حديث صحفي مؤخرا، أن الانتخابات السابقة شهدت العديد من المشاكل، كما وردت شكاوى عديدة بشأن الأجهزة المستخدمة خلال الانتخابات الأخيرة في إقليم كردستان، ما دفع إلى طرح مقترح باعتماد البطاقة الوطنية الموحدة بدلاً من بطاقة الناخب، خاصة وأن وزارة الداخلية صرحت بأن أكثر من 90 بالمئة من العراقيين يمتلكون البطاقة الموحدة.
الجدير بالذكر أن الانتخابات النيابية، التي جرت في عام 2021 توترات كبيرة، تمثلت بمطالبات واسعة من بعض القوى السياسية بإعادة العد والفرز اليدوي، عقب اتهامات بتزوير النتائج والتلاعب بها، وقد صاحب العملية الانتخابية شد وجذب بين الكتل السياسية والمفوضية العليا للانتخابات، وسط احتجاجات واعتراضات على آليات العد الإلكتروني، وتشكيك بالأجهزة الناقلة للنتائج، ما دفع المفوضية إلى إجراء عد وفرز يدوي في عدد من المحطات، لتأكيد نزاهة العملية.
وفي عام 2014، أبرمت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق عقدا مع شركة “إندرا” الإسبانية لتوفير أجهزة التسجيل البايومتري، بهدف تسجيل الناخبين عبر بياناتهم الحيوية، مثل بصمات الأصابع والصورة الشخصية، وتم افتتاح 1079 مركزا مخصصا لهذا الغرض في جميع أنحاء العراق، إلا أن الفترة الزمنية لم تكن كافية لاستكمال عملية التسجيل البايومتري بشكل شامل، مما دفع المفوضية إلى التوقف عن استخدام النظام البايومتري مؤقتا في حينها، قبل أن تطلق بطاقات ناخب تقليدية، ومن ثم استكملت عملية التسجيل البايومتري.
يشار إلى أن العملية الانتخابية في العراق تجري وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم 12 لسنة 2018 المعدل، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي، بحسب مختصين.
من جانبه، يبين المحلل السياسي، أحمد السراجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “انسحاب الصدريين من البرلمان وترك المجال للإطار التنسيقي، الذي جاء بحكومة محمد شياع السوداني، قد غير المعادلة السياسية برمتها”.
ويشير السراجي، إلى أن “المؤشرات الحالية تؤكد عودة الصدر، في الانتخابات المقبلة بالنظر لمتغيرات المنطقة”، مبينا أن “التوازنات في المنطقة وبضمنها العراق قد تغيرت منذ عملية طوفان الأقصى، وما حدث في لبنان وسوريا من انهيار للقوة الايرانية التي تتحكم في المشهد عبر أذرعها التي تدعمها بالمال والسلاح، فكلها لها تأثير”.
ويوضح أن “إيران التي كانت تحكم قبضتها على الأوضاع السياسية في كل بلدان المحور، لم تعد كما كانت، ولذلك فالخارطة في العراق ستتغير بعودة الصدريين وظهور نتائج انتخابية مغايرة عن السابق”.
ويستطرد أن “الوضع في العراق معلوم كيف تتحكم به إيران سياسيا في كل معادلة جديدة، والجميع يعلم أيضا وباعتراف القادة السياسيين أن رئاسة الوزراء دائما ما تخرج من تحت العباءة الإيرانية، ولكن عودة الصدر ستأتي برئاسة وزراء مغايرة”، مشيرا إلى أن “الإطار التنسيقي هو تجمع لقوى شيعية ليست بتحالف أو ائتلاف، ولذلك سيدخلون الانتخابات القادمة بعدة قوائم لجمع أكبر عدد من الأصوات ويعودون للإطار فيما بعد كما حصل سابقا”.
وبالرغم من اعتماد القانون الانتخابي (رقم 16 لسنة 2005) القوائم المغلقة ونظام القاسم الانتخابي في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، إلا أنه قسم العراق إلى 18 دائرة انتخابية، واستمر العمل به حتى عام 2010، ليشهد بعدها تعديلا تمثل في اعتماد القوائم الانتخابية شبه المفتوحة.