صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

(العالم الجديد) في (نقاشية) محتدمة لتنظيم الإعلام العراقي برعاية BBC

حين كان محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام السابق يقف في التاسع من نيسان 2003 على مبنى الوزارة ويطلق تصريحات نارية عن \”هزيمة الغزاة\”، بينما كانت الدبابات الأميركية تحتل العاصمة وتقصف جيوب مقاومة صغيرة ولائذة ببعض المباني الحكومية، لم يكن للعراقيين أي وسيلة إعلام محلية تنقل لهم الحدث، كان اعتمادهم الكلي على شبكة الإذاعات الأجنبية والناطقة باللغة العربية، ولعدة أشهر بعد تهاوي النظام الحديدي لـ\”صدام حسين\”، عاش العراقيون عزلة إعلامية خانقة إلا من بث هزيل لتلفزيون \”حرية العراق\” ولساعات محدودة.

وفي 2 أيار 2003 أعلنت سلطة الائتلاف المؤقتة، تأسيس شبكة الإعلام العراقي، لتكون بديلا عن منظومة إعلام النظام الديكتاتوري، وبعد عام تقريبا أخذ العراقيون الذين تعرفوا، بعد عزلة طويلة، إلى أطباق تسلم البث الفضائي، يلتقطون المعلومات من مصادر عديدة. وبحسب إحصائية دولية فان العراق في 2004 بات لديه 80 محطة إذاعية و21 قناة تلفزيونية غير خاضعة بمجملها لسلطة الدولة أو الحكومات. وسرعان ما ارتفع عدد وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، إلى حد خرج عن السيطرة حتى اللحظة، وبقيت البلاد دون قانون مطبوعات جديد، أو قانون ينظم حرية العمل الإعلامي.

وبذلت محاولات دولية ومحلية لتنظيم العمل الإعلامي وتطويره. وعلى مدى سنوات شهدت عواصم مختلفة عقد مؤتمرات وورش عمل، فيما صرفت مبالغ ضخمة من اجل الخروج بمسودة قانون أو مشروع توافقي للتنظيم، لكن عقبات غير مرئية كانت أقوى من تلك الجهود مجتمعة.

أمس الأربعاء، طرحت مبادرة جديدة لتنظيم الإعلام في العراق وبحث آفاقه المستقبلية، برعاية صندوق التنمية الإعلامية في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ولجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب، تمثلت بحلقة نقاشية عقدت تحت عنوان \”نحو بيئة إعلامية مهنية في العراق\”، في فندق المنصور ميليا أدارها الإعلامي رافد جبوري (صحفي من أسرة BBC)، فيما افتتحها رئيس لجنة الثقافة والإعلام النيابية علي الشلاه، وحضرتها \”العالم الجديد\” بدعوة رسمية.

ويمثل غياب قانون واضح وملزم لتنظيم العمل الإعلامي في العراق، فضلا عن حماية الصحفيين وحق التوصل إلى المعلومة ونقلها، أبرز المخاوف إزاء محاولات الحكومة أو الأحزاب والميليشيات النافذة \”تكميم الأفواه\” وتقنين \”حرية التعبير\”، وضرب استقلالية وحيادية وسائل الإعلام.

تداول المؤتمرون في الحلقة النقاشية أفكارا على 4 جلسات، خصصت الأولى للبيئة القانونية، والثانية لفكرة البث العام ومدى تطبيقها في العراق، والثالثة عن وسائل تنظيم الإعلام ورخص البث ورخص التنقل، والرابعة عن القيم المهنية والضبط الذاتي.

وغالبا ما تثير طروحات جمعيات ومراكز الدفاع عن حقوق الصحافة وحريتها في العراق، امتعاض اللجان النيابية والهيئات الحكومية، لجهة مطالبتها بالمزيد من القوانين المُقيدة للسلطات الحكومية ومنح السلطة الرابعة مساحة أوسع بضمان عدم التعرض، وهو ما أشار إليه المحامي زهير ضياء الدين، المستشار القانوني لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة، في كلمته بمستهل الحلقة النقاشية، حين تناول ثغرات قانون الدفاع عن حقوق الصحفيين.

وقال ضياء الدين إن \”المواد 4 – 8 في القانون فيها تحد كبير للحريات، وإن تذييلها بعبارة تنظم بقانون يحيل إلى إعادة تطبيق قوانين النظام السابق التي لم تلغ مثل قانون العقوبات والمطبوعات والرقابة على المصنفات السينمائية\”.

ولم تلق ملاحظات المستشار القانوني رضا علي الشلاه، رئيس لجنة الثقافة والإعلام النيابية، الذي أبدى اعتراضه بقوله إن \”قانون حقوق الصحفيين نفذ، وتلك القوانين السابقة لم تعد سارية بتلك الحال\”.

لكن ضياء الدين، نفى في حديث لـ\”العالم الجديد\” ما زعمه الشلاه، بأن \”تلك القوانين ما زالت سارية لأن قانون حقوق الصحفيين لم ينص على إلغائها كما لم يصوت مجلس النواب على إلغائها\”.

ورأى سامان عمر، عضو لجنة الثقافة والإعلام النيابية، أن \”هناك حاجة إلى تغيير الكثير من القوانين بسبب تغيير النظام السياسي والتغيير السريع الذي يطرأ على الإعلام ووسائله\”، معتبرا قانون حقوق الصحفيين \”قانونا متطورا لكن فيه نواقص\”.

وألمح النائب الكردي إلى إمكانية تعديل القانون بعد تلقي لجنته ورقة من جمعية الدفاع عن حرية الصحافة تطالب فيها بتعديله لكنه قرن إمكانية التعديل بأن \”تجد اللجنة ما يستحق التعديل\”.

وكانت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة قدمت ورقة تعديل قانون حقوق الصحفيين إلى الشلاه قبل نحو 3 أسابيع.

وأقر مجلس النواب قانون حقوق الصحفيين العام 2011، بالرقم 21، غير أن القانون الذي أسهمت فيه الجمعية ونقابة الصحفيين ولجنة الثقافة والإعلام النيابية، قوبل باعتراضات شديدة، ولم تفلح مساعي جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في إلغائه.

وفي استبيان للرأي بشأن القانون المقر أجري في الربع الأول من العام 2013، وأسهم فيه 250 صحفيا بواقع 160 صحفيا يعملون في الصحافة المقروءة، و33 في المسموعة، و57 في المرئية، تبين أن 85% من العينة العشوائية ينظرون بسلبية إلى القانون.

وقالت بتول فاروق، عضو لجنة الثقافة والإعلام النيابية، إنها \”كانت تتمنى لو لم يُشرع القانون\”، لكنها نوهت، بنتيجة مغايرة تماما لما انتهى إليه الاستفتاء، بأن \”85% من الصحفيين كانوا مع تشريع القانون\”، الأمر الذي حفز مؤيد اللامي، نقيب الصحفيين العراقيين، على القول إن \”هناك ضرورة لوجود القانون\” من دون أن ينفي إمكانية تعديله أو التغيير فيه إن لزم الأمر.

وكان عدي حاتم، رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، أوضح في (5 آب الماضي) لـ\”العالم الجديد\” أن \”القانون بصيغته المقرّة، يمثل تحديا كبيرا وخطرا حقيقيا (…) لاسيما وانه يحتوي على 5 مواد ضارة، تستند إلى قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، وقانون المطبوعات رقم 206 لعام 1968، وقانون وزارة الإعلام لسنة 2001، وقانون الرقابة على المصنفات والأفلام السينمائية رقم 64 لسنة 1973، وقانون نقابة الصحفيين لسنة 1969\”.

وبدا هاشم حسن، عميد كلية الإعلام، متبرما من هشاشة التعامل الحكومي والتشريعي مع تنظيم العمل الإعلامي، وبين أنه \”حتى اللحظة ما زال هناك خلط رهيب في تأسيس الثقافة الإعلامية\”، متسائلا \”من هو المؤهل لأن يضع مشروع قانون لمنح الحريات؟ مجلس النواب أم مجلس الوزراء؟ هل سيمنحان الحريات أم يضعان القيود؟\” وتابع تساؤله الاستنكاري \”إذا كان هناك عقل شمولي فهل ننتظر منه أن يشرع للمستقبل؟\”.

وتصدت أزهار الشيخلي، عضو مجلس النواب، إلى حسن بقولها \”إذا كان ربع مجلس النواب مؤهلا فهذا يكفي للتشريع (…) لا أحد يحكم على التأهيل\”.

ولم يسبق للعراق أي تجربة قبل 2003 في تأسيس إعلام مستقل عن سلطة الدولة وأجندتها، وكانت السلطة تحتكر بالكامل حق التأسيس، حتى منتصف التسعينيات، حين أسس عدي نجل الرئيس المخلوع إعلاما رسميا موازيا، لكنه احتفظ بسمات الإعلام السلطوي الموجه.

حين أسست شبكة الإعلام العراقي، وفق الأمر 66 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة بإدارة الحاكم المدني بول بريمر، كان يراد لها أن تكون شبيهة بهيئة الإذاعة البريطانية BBC، غير أن التوجهات الحكومية سرعان ما جعلتها ناطقة باسم الحكومة، وتمثل خطابها الرسمي.

وفي بادرة تعد الأولى من نوعها، هاجم محمد عبد الجبار الشبوط، رئيس شبكة الإعلام العراقي، الحكومة ومجلس النواب وسلطات رسمية أخرى بقوله إن \”البرلمان والحكومة والسلطات كلها تقول إنكم تابعون لنا\”.

ولفت إلى انه \”كان من المؤمل أن تكون شبكة الإعلام مثل بي بي سي (…) لكن الشبكة ليست مثل الهيئة التي هي غير خاضعة للبرلمان ولا للتعليمات الحكومية ولا للدرجات الوظيفية ويمولها الشعب\”، مبينا أن \”بي بي سي بث عام لكن شبكة الإعلام ليست بثا عاما (…) الشبكة ليست مستقلة إداريا ولا ماليا لكنها مستقلة بدرجة كبيرة تحريريا\”.

وشدد الشبوط \”نحن خاضعون لأبسط موظف في أبسط وزارة ماليا وإداريا\”. 

ولم يسلم مجلس الأمناء، أعلى سلطة تشريعية ورقابية داخل الشبكة، من الوضوح الذي تحدث به الشبوط حين وصف المجلس بأنه \”مجلس أحزاب يمثل الطبقة الحاكمة فكيف يحمي الشبكة من التدخلات\”، معترفا \”نخشى التغييرات لأننا نخشى القوى ولا أحد يحمينا إذا غيّرنا\”.

وكشف الشبوط في فرصة نادرة \”مطلوب منا أن نغطي أخبار الكتل السياسية في الشبكة بنسب توازي تمثيل تلك الكتل في مجلس النواب\”. 

ودعا الشبوط إلى \”تحرك سريع لإقرار قانون معترف به لأن أمر بريمر غير معترف به. الشبكة بلا غطاء قانوني، إما أن تقروا الأمر 66 أو تشرعوا قانونا جديدا وليس الحالي فهو سيئ بامتياز\”.

ورأى عباس الياسري، نائب رئيس مجلس الأمناء، أن \”دراسة معمقة للأمر 66 أفضل بكثير من تشريع قانون جديد، فالأمر متطور كثيرا لكن فيه بعض الفراغات (…) لو مرر القانون الحالي فسيعد انتكاسة\”.

وكشف الشبوط، الذي كان رئيسا لتحرير جريدة الصباح التي تدار الآن بلا رئيس تحرير رسمي، أن \”ميزانية الشبكة ليست هائلة كما يثار دائما، فميزانية الشبكة في 2011 بلغت 66 مليار دينار، 51 مليارا منها ذهبت رواتب للموظفين، وما تبقى منها (15 مليارا) وتمثل ميزانية عام كامل تشمل شراء سيارات الشبكة ونقل الموظفين وبنزين السيارات والكاز، وكل شي\”، مضيفا \”لو تبقى فلوس اشتري مسلسلين بيها لو ما تبقى\”.

وفي الوقت الذي أيدت ما كشفه الشبوط، اعترضت هناء ادوارد، رئيسة منظمة الأمل، إزاء \”قصور بعمل شبكة الإعلام تجاه التواصل مع منظمات المجتمع المدني\”.

ولفتت إلى \”بعد جريدة الصباح عن الشارع\”، وساقت مثالا بأن \”التظاهرات تعم الشوارع في حين أن مانشيت الصحيفة لا يأتي على ذكرها\”، متمنية بأن \”تكون الشبكة جزءا من حركة المجتمع المدني\”.

ومع تعقد مشكلات الإعلام العراقي، فإنها بدت في الحلقة النقاشية أكثر تعقيدا، لجهة كثرة السلطات المتداخلة بعمل الإعلام، إلى جانب محاولات إخضاعه.

وعلى غرار الشبوط أكد صفاء الدين ربيع، رئيس هيئة الإعلام والاتصالات، أن الهيئة \”تتعرض لتدخلات وضغوط سياسية تصل حد التهديد\”.

وقال بوضوح أكبر \”نحن متهمون بأننا لسنا مستقلين وفي الحقيقة وسائل الإعلام غير مستقلة\”.

وتتبع معظم وسائل الإعلام ولاسيما القنوات الفضائية أحزابا وشخصيات سياسية لها أجندتها.

وفي مداخلة بشأن حديث بعض المشاركين عن غياب الإعلام المستقل في المشهد العراقي، شدد فراس سعدون رئيس تحرير \”العالم الجديد\” على أن \”الإعلام المستقل موجود والدليل صحيفتنا فهي مستقلة وقد أسسناها من نفقتنا الخاصة ونصرف عليها من جيوبنا.. لكني أتفق مع من يقول إن معظم وسائل الإعلام في العراق حزبية ومسيسة\”.

وواصل سعدون في تعليق على المهنية والضبط الذاتي.. متسائلا \”لا أدري إن كان الضبط يتعلق بالصحفي نفسه أو بالمؤسسة؛ فإذا كان بالصحفي فهو يختلف من واحد لآخر وإذا كان بالمؤسسة فلكل مؤسسة أجندتها ومن الصعب أن تطالب مؤسسة حزبية بضبط ذاتي\”.

واعترض زياد العجيلي، عن مرصد الحريات الصحفية، بحضور العميد سعد معن المتحدث باسم وزارة الداخلية على \”إخضاع الإعلام لسلطة العسكر\”، الأمر الذي رفضه معن.

واتفق رئيس هيئة الإعلام والاتصالات مع العجيلي، وأخذ كلامه مدخلا للحديث عن \”مشروع منح الصحفيين هويات تعريفية تجنبهم التصادم مع العسكر وتسهل مهماتهم الصحفية\”. لكنه أشار إلى إيقاف المشروع بسبب محاولات استغلاله، مشيرا إلى لأن \”إذاعة نائية لا تشغل 3 إعلاميين تقدم قائمة بأسماء 50 صحفيا وتدعي أنهم كلهم صحفيون\”.

ويحمل عدد كبير من غير الصحفيين، بسبب الفوضى، هويات صحفية مستفيدين من بعض الامتيازات التي تخص الصحفيين.

ودافع ربيع عن عمل هيئته، إزاء اتهامات بمسؤوليتها عن فقدان مبالغ كبيرة من المال العام، بقوله \”سلمنا وزارة المالية في 2012 ملياري دولار (أرباح) في حين إن ميزانيتنا تبلغ 70 مليار دولار\”.

إقرأ أيضا