بدقة متناهية يطرز عبد الأمير الخياط (53 عاما)، بالإبرة خيوطا ذهبية ليرصع بها حواشي عباءة سوداء على وشك أن يكملها لأحد الشيوخ ممن اعتادوا على الشراء منه.
ويقول الخياط، وهو صاحب محل لخياطة العباءات في واسط، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “ورثت مهنة صناعة العباءة الرجالية من أبي الحاج سلمان الخياط الذي بدوره ورثها عن أبيه، وهذه الصناعة من الصناعات اليدوية القديمة في العراق، لأن أغلب سكانه يرتدون الزي العربي التقليدي، وواسط كبقية مناطق العراق الأخرى، الكثير من سكانها يتوزعون بين مناطق مختلفة من الريف، ما ساعد على ازدهار هذه الصناعات”.
وتتعدد أنواع العباءة الرجالية لتناسب الصيف والشتاء، وكذلك هناك أنواع تناسب المحافل الاجتماعية، إذ يؤكد الخياط أن “العباءة الصيفية والتي تسمى البشت، تكون خفيفة الوزن، وهناك ما تسمى (البهارية)، والتي تلبس في المدة الربيعية والخريفية ويكون وزنها خفيفا، وهناك نوع الثالث وهو (الدگاك) ويرتديها الرجال في فترة الشتاء وتزن أكثر من كيلوغرامين ونصف الكيلو غرام، ويكون أغلبها صناعية لصعوبة حياكتها يدوياً”.
ويتابع أن “لكل مناسبة عباءة تناسبها فالعباءة السوداء (الخاچية) التي يكون صوفها أبيض وتتم صباغته باللون الأسود تكون مخصصة لمناسبات الحزن، أما الملونة فتكون لكافة المناسبات الأخرى”، مشيرا إلى أن “العباءة في المنطقة الغربية والشمالية من العراق والخليج العربي تسمى بـ(الكلبدون)، ويتم تطريز مناطق منها بخيوط باللون الأصفر الذهبي”.
ويمثل الزي العربي مظهراً للرجولة والأصالة العربية عند الكثيرين، وتشهد أسواقه في واسط إقبالا كبيرا، ويتمثل هذا الزي التقليدي بالعباءة والعقال عند عامة الناس، لاسيما أنه زي لم يختص به سكان الريف فقط، الذين عرفوا به، إنما امتد إلى المدن الحضرية واتسعت عادة ارتدائه بين مختلف الشرائح المجتمع ومن أعمار متباينة.
وعلى مقربة من أحد محال الخياطة في سوق العبي في واسط، يتفحص الحاج ياسر السليماوي (63 عاما) عباءته الجديدة بتركيز والتي اكتملت خياطتها للتو، وتبدو السعادة بادية على محياه.
ويؤكد السليماوي، إن النوع المفضل له هو المغزل، حيث تحاك بالمغزل اليدوي أو الماكنة القديمة (الجومة)، “هذا النوع يستهوي كبار السن من أمثالي، بسبب ارتفاع أسعارها والتي تصل أحياناً إلى خمسة عشر مليونا ونصف المليون دينار ولثقل وزنها من الناحية الأخرى”.
ويضيف، أن “العباءة الصناعية راج العمل بها بعد التغيير في العراق واتساع نطاق الاستيراد من الدول الأخرى حيث تكون أقل كلفة وأرخص ثمناً مع منظر مقبول، ويقتنيها أغلب الناس”، ولفت إلى أن “هناك اختلافا في الرغبات بحسب المواد المستخدمة في صناعتها، فمنها ما يؤخذ من صوف الخروف ووبر الإبل وتتم صباغته بعد ذلك حسب اللون الذي تكون عليه العباءة”.
وتعد صناعة العباءة الرجالية واحدة من أبرز الحرف التي اشتهر بها العراق، وتعد مدينة النجف أهم المدن التي تتميز بهذه الصناعة، إذ تتميز العباءة الرجالية النجفية بخصوصيتها الفريدة في العراق ودول الخليج العربي.
العشرات من الألوان والأنواع من العباءة الرجالية يعرضها رائد الوزني (46 عاما)، في معرضه الذي يغلب عليه المنتج المستورد حيث يكون الإقبال أوسع من المواطنين عليها، بسبب اعتدال أسعارها علاوة على تعدد الأنواع والألوان.
ويشير الوزني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الخيوط المستخدمة في حياكة العباءة اليدوية هو الحرير الطبيعي الذي يستخرج من حشرة دودة القز، التي تتم تربيتها في مزارع خاصة، وتكثر في الصين وكذلك خيط البريسم الفرنسي والصيني، وكذلك الخيط الهندي والياباني، الأمر الذي يضيف كلفة عالية لها، أما المستورد فإنه يعتمد على الخيوط الصناعية سريعة التحضير وبمبالغ أقل من الطبيعية”.
ويردف أن “ما يميز المستورد أيضا هو خفة وزن العباءة، تبعا لطبيعة المواد التي تصنع منها، إلا أنها وبشكل عام لا تقف أمام جودة الصناعة اليدوية العراقية، حيث من الممكن أن يصل عمر العباءة المصنوعة يدويا إلى 15 عاما، فيما لا يستمر استخدام الصناعية المستوردة أكثر من 3 أعوام كحد أقصى”.
وعرفت العباءة بأسماء عدة حسب خيوطها وجودتها ومكان صناعتها، منها البغدادية والنجفية والدكاك والبشت والكرناوي. ويرتبط سعر العباءة بشكل أساس بالخيوط التي تطرز بها حاشيتها، مثل خيوط الذهب وخيوط الحرير وخيوط البريسم وخيوط الهدهد.
وتعاني المهنة اليوم من قلة المتعلمين لها، فبزوال الحرفيين الحاليين تكون صناعة العباءات الرجالية قد استسلمت للمنافس الصيني، من دون أن يمسك أي من أبناء الجيل بتلابيب المهنة الشعبية الأكثر قدما في العراق.
مواقع التواصل الاجتماعي، وحفلات التخرج أسهمت بشكل كبير في تحويل بوصلة شراء العباءة الرجالية نحو الشباب من طلبة الجامعات والمعاهد، حيث يؤكد أحمد الركابي (21 عاما) وهو طالب في جامعة واسط، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن أقرانه من الشباب يرتادون هذه السوق للاطلاع على الأنواع والأشكال، ليتم اختيار نوع محدد منها ليكون زيا موحدا خلال حفلات التخرج”.
ويشير الركابي، إلى أن “سببا آخر دفع الشباب إلى التقاط صور بالزي العربي خلال حفلات التخرج بعد أن أهدى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، قائد منتخب الأرجنتين العباءة العربية في ليلة احتفاله بلقب بطولة كأس العالم 2022 لكرة القدم، الأحد، على أستاد لوسيل في قطر”.
وكانت لحظة تاريخية فارقة تلك التي ألبس فيها أمير قطر تميم بن حمد، العباءة العربية، كابتن منتخب الأرجنتين ليونيل ميسي بعد تتويجه بكأس العالم، ليطلق احتفالية ضجت بها وسائل الإعلام والسوشيال ميديا وهو يرفع الكأس على صوت المعلق الرياضي عصام الشوالي بجملته الشهيرة: “شيل يا طويل العمر شيل”.