صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق أمام مشاكل جديدة بسبب «الغاز التركمانستاني».. ما علاقة إيران؟

منذ سنوات وامدادات الغاز الإيراني إلى العراق تواجه تحديات مستمرة تؤثر بشكل كبير على استقرار قطاع الطاقة في البلاد، كما أن الأزمات السياسية التي تطفو على السطح بين فترة وأخرى قد أنعكست سلبا على هذا الملف الحيوي.

ومع عدم دخول عقد استيراد الغاز من تركمانستان عبر الأنابيب الإيرانية، حيز التنفيذ حتى الآن بالرغم من مرور أكثر من شهرين على توقيعه، لأسباب تتعلق بإجراءات المصرف العراقي للتجارة TBI، أكدت لجنة النفط والغاز النيابية، اليوم السبت، أن التوجه لاستيراد الغاز من تركمانستان سيضع العراق في مشاكل أخرى.

ووقعت وزارة الكهرباء، في 19 تشرين الأول أكتوبر 2024، اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لافتة إلى أن شركة لوكستون إنرجي السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.

وجاء التوقيع، بعد أن رعى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في 7 تشرين الأول أكتوبر 2024، توقيع مذكرة تفاهم لاستيراد الغاز من تركمانستان، مؤكدا أن تلك الخطوة تندرج ضمن رؤية حكومته لتنويع مصادر الطاقة بهدف ضمان استمرارية إنتاج الكهرباء في البلاد، وذلك خلال استقباله وزير الدولة لشؤون الغاز في تركمانستان، مقصد بابايف.

وقال عضو اللجنة ضرغام المالكي، بتصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “وزارة النفط تتحمل جزءا كبيرا من الإخفاق فيما يخص تجهيز وزارة الكهرباء بوقود الغاز لتشغيل المحطات الكهربائية، ما دفع بالعراق لاستيراد الغاز الذي جعل بغداد تحت مطرقة طهران سياسياً بسبب هذا الملف”.

وأضاف أن “العراق في وضع لا يحسد عليه بسبب عدم قدرته على دفع الديون الإيرانية نتيجة العقوبات الأميركية على طهران، وبذات الوقت لاتزال الحاجة قائمة وملحة للغاز الإيراني، وهذا يرجع لتأخر وزارة النفط في تطوير ملف الطاقة وسوء الإدارة”.

ودأبت الولايات المتحدة منذ 2023 على إصدار إعفاءات تسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في “معاملات غير خاضعة للعقوبات” مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.

وأعرب المالكي عن اعتقاده أن “التوجه لاستيراد الغاز من تركمانستان، ربما يضع العراق في مشاكل أخرى لأنه سيمر عبر أنابيب الغاز الإيرانية، حيث سيكون عامل الضغط السياسي على بغداد قائم أيضاً”، مستبعداً أن “يكون هذا أحد الحلول الناجحة أو مصدر بديل يحقق متطلبات العراق في توفير الغاز لمحطاته الكهربائية”، لافتا الى ان “هناك خطة عمل قدمت قبل سنتين للجهات التنفيذية المعنية في الحكومة بضرورة إنشاء منصات مخصصة لاستقبال الغاز المسال في ميناء أم قصر والتوجه إلى إبرام عقود استيراد من دولة قطر، الا أن وزارة النفط العراقية لم تمض في هذا المشروع وأصرت على استيراد الغاز من إيران حصراً، وبالتالي عُطل هذا التوجه لسبب سياسي”.

واوضح المالكي أن “ما وراء تأخر وزارة النفط في تطوير المنشآت النفطية، هي الشركات المستثمرة التي تقوم بشراء ذمم مسؤولين كبار”.

وأشار، في هذا الإطار، إلى صفقة فساد تبلغ 27 مليار دولار ممثلة بالتعاقد مع شركة “توتال” الفرنسية في العام 2022، والتي كانت تقوم على مد أنابيب لتحويل الغاز المنبثق إلى غاز مصاحب، ولحد الآن لم تقم الشركة بأي أعمال في هذا الاتجاه، فضلاً عن مشاريع أخرى مشبوهة.

وتابع أن “لجنة النفط والغاز تمتلك ملفات كبيرة فيها شبهات فساد تقدر بمليارات الدولارات، وسيكون هناك تحرك قانوني في هذا الإطار، وبناء عليه تقدم تلك الملفات إلى هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية للتحقيق فيها”.

وتتمسك إيران منذ سنوات بورقة “الغاز والكهرباء” لتحقيق مكاسب سياسية في العراق، الذي يتحمل بدوره مسؤولية، على المستوى الرسمي، في عدم معالجة هذا الملف الحساس، بحسب مختصين.

وشكا مواطنون عبر “العالم الجديد”، خلال الأيام الماضية، من قلة ساعات إمداد الطاقة من شبكة منظومة الكهرباء، فيما طالبوا الوزارة بإيجاد حلول جدية لهذه الأزمة، ووضع حد للفساد وهدر المليارات على العقود السنوية والمحطات التي يتجاوز عددها الـ 36 محطة في بغداد فقط.

ووجه رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، في 7 كانون الثاني يناير الجاري، بالتعاقد مع شركة “الهلال” للحصول على 100 مليون قدم مكعب من الغاز، في خطوة حكومية لإمتصاص غضب الشارع العراقي.

وخلال شهر كانون الأول ديسمبر  2024، توقفت إمدادات الغاز من إيران، ما أثر سلبا على تجهيز الطاقة في العراق، وبحسب تصريحات رسمية صادرة من وزارة الكهرباء، فإن عودة الطاقة لوضعها الطبيعي مرتبطة بعودة إطلاقات الغاز الإيراني.

وكانت وزارة الكهرباء، أكدت في 31 كانون الأول ديسمبر ،2024 عدم دخوله حيز التنفيذ حتى الآن، لأسباب تتعلق بإجراءات المصرف العراقي للتجارة TBI، لافتة إلى أن إيران سوف تستفيد من 30 بالمئة من الكميات المصدرة بدل أجور “ترانزيت” مرور على أراضيها.

ومؤخرا، تداول العديد من الناشطين ووسائل الإعلام، أنباء حول استحواذ الجانب الإيراني على غاز تركمانستان المصدر نحو العراق عبر أنابيبها، وأن الأخير ملزم بدفع أموال الغاز.

وفشلت الحكومات المتعاقبة، في معالجة المشكلة رغم انشاء محطات انتاجية جديدة. واستمر العجز نتيجة تضاعف الاستهلاك وفشل بعض المشاريع وتردي شبكات النقل، ما يضطر السكان وأصحاب الأعمال الى استخدام المولدات الأهلية لسد النقص.

وتعد أزمة الكهرباء هي واحدة من أبرز الأزمات التي شهدتها البلاد منذ الغزو الأميركي عام 2003، ولم تتمكن من تجاوزها، على الرغم من إنفاق نحو 41 مليار دولار في هذا القطاع، وفقا لتقارير رسمية.

ويستورد العراق في فصل الصيف 70 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني في اليوم لتغذية محطات توليد الكهرباء في البلاد، ويولّد نحو 5000 ميغاواط من الكهرباء بهذه الإمدادات، ويعني هذا التدفق، إلى جانب عمليات الشراء المباشرة للكهرباء من إيران، أن طهران تلبي 40 في المائة من احتياجات العراق من الكهرباء بتكلفة 4 مليارات دولار سنوياً.

ولكن غالباً ما تخفض إيران إمدادات الغاز للعراق، ويساهم ذلك في بعض الانقطاع في التيار الكهربائي والاستياء العام والمشاكل السياسية، وتعزى بعض هذه التخفيضات إلى الطلب المحلي الإيراني.

ويعزو مسؤولون عراقيون جزءاً من تراجع امدادات الكهرباء، خلال بعض الفترات، إلى توقف ضخ الغاز الإيراني المستورد والذي يشغل محطات تنتج 8 آلاف ميغاواط، أي بحدود ثلث انتاج محطات الكهرباء الوطنية، لكنهم في العادة يتجنبون الحديث عن الأسباب الأخرى وعلى رأسها الفساد الذي تسبب في هدر مليارات الدولارات في مشاريع غير كفوءة.

وأدى هذا العجز الى بقاء سوق المولدات الأهلية نشطاً، رغم أن غالبيتها قديمة وتصدر محركاتها المتهالكة دخاناً أسوداً (دقائق الكربون) إضافة إلى الضوضاء العالية، بسبب عدم التزام الكثير من أصحابها باستخدام ما يعرف بكاتم صوت المحرك.

ومنذ العام 2003 ولغاية اليوم، لم تشهد الطاقة الكهربائية في العراق أي تحسن ملحوظ، وفي كل صيف تتجدد التظاهرات في مدن الوسط والجنوب، احتجاجا على تردي تجهيز الطاقة.

إقرأ أيضا