صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق تحت وطأة «التغير المناخي».. واطلاق أول برنامج بيئي لمواجهة المخاطر

يشهد العراق أزمة مناخية غير مسبوقة مع تأخر موسم الأمطار وانخفاض معدلات الهطول خلال الأشهر الماضية، حيث تتزايد المخاوف من تأثيرات خطيرة على القطاع الزراعي والموارد المائية، وسط تحذيرات من موسم قد يكون كارثياً إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وفعالة.

وفي هذا الإطار، أطلقت شركة متخصصة في تكنولوجيا الزراعة ومواجهة مخاطر تغير المناخ ، اليوم الأربعاء، برنامجا تجريبيا للتأمين البارامتري في العراق، وسط اشتداد آثار التغير المناخي الذي يعد أكبر تهديد يواجه بغداد، وفق الأمم المتحدة.

ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.

وعلى مدى قرن مضى فشلت الحكومات المتعاقبة في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.

وقالت شركة “ويذر ريسك مانجمنت سيرفيس”، إن “البرنامج الذي أطلقته بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي هو الأول من نوعه في العراق”.

ويهدف البرنامج إلى “حماية المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة وكذلك أصحاب المشروعات متناهية الصغر من المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، والتي قد تدمر محاصيل كاملة”، وفق الشركة.

وستنفذ مشروعات البرنامج في 4 أقضية هي الحمدانية والموصل وتلكيف (محافظة نينوى) وكربلاء، ويشمل البرنامج تأمين 400 مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة ضد الجفاف، وتأمين 400 من أصحاب المشروعات الزراعية متناهية الصغر ضد موجات الحر.

وقالت “ويذر ريسك مانجمنت سيرفيس” وبرنامج الغذاء العالمي -في بيان مشترك- إن “المبادرة تهدف إلى توفير إغاثة مالية “بسرعة وشفافية”، لمواجهة الخسائر الناجمة عن الظواهر المناخية القاسية، بما في ذلك موجات الحر والجفاف”.
ويعد التأمين البارامتري أداة لتعويض المجتمعات الضعيفة بمواجهة الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، باعتباره على عكس التأمين التقليدي لا يعتمد على عمليات مطولة، بل على مؤشرات محددة مسبقا مثل كمية الأمطار وسرعة الرياح أو درجات الحرارة لتحديد مدى الخسائر ودفع التعويضات.

وأصبح هذا النوع من التأمين أداة مهمة لمواجهة المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية -بما في ذلك الجفاف- خاصة في المناطق الزراعية والريفية التي تعتمد بشكل كبير على الموارد المائية.

ويوفر التأمين البارامتري حماية سريعة للمزارعين الذين يعتمدون على الأمطار لري محاصيلهم، ويساعدهم على تجنب الإفلاس أو التخلي عن أراضيهم بسبب الخسائر الناجمة عن الجفاف، كما يعتبر مصدر أمان للمستثمرين في القطاع الزراعي.

ويعد العراق من أكثر البلدان عرضة لأضرار تغير المناخ، وكثيرا ما يتضرر من الجفاف وموجات الحر وندرة الأمطار، مما يضر بالإنتاج الزراعي ودخل المزارعين.

ووفق الأمم المتحدة، فإن “العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثرا بالتغيرات المناخية بسبب انخفاض مستوى الأمطار لمواسم متعددة، فضلا عن الاستمرار في استخدام وسائل الري التقليدية”.

وفي عام 2021 شهد العراق ثاني أكثر مواسمه جفافا منذ 40 عاما بسبب الانخفاض القياسي في هطول الأمطار.

وعلى مدى السنوات الـ40 الماضية انخفضت تدفقات المياه من نهري الفرات ودجلة، والتي توفر ما يصل إلى 98% من المياه السطحية في العراق، بنسبة 30-40%.

ويهدد الجفاف منطقة الأهوار التاريخية في الجنوب، وهي إحدى عجائب التراث الطبيعي، مع قلة التساقطات وتصاعد درجات الحرارة في العراق.

كما يؤدي انخفاض منسوب مياه الأنهار إلى اندفاع مياه البحر داخل الأراضي الجنوبية وتهديد الملوحة للزراعة، مما يهدد سبل عيش مجتمعات كاملة تعتمد على الزراعة، بحسب الأمم المتحدة.

وتعمل الحكومة العراقية مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي لتمويل مشاريع التكيف مع تغير المناخ، كما أطلقت خطة وطنية للتكيف مع تغير المناخ تركز على إدارة المياه ومكافحة التصحر وتحسين البنية التحتية التي أنهكتها سنوات من الحرب.

وتوقع مرصد “العراق الأخضر”، في 26 شباط فبراير الماضي، أن يكون فصل الصيف المقبل الأعلى في معدل ارتفاع درجات الحرارة على مدى السنوات الماضية في العراق، ما يزيد من خطورة الأزمة البيئية التي يعاني منها البلد.
وكشفت لجنة الزراعة والمياه النيابية، في 11 شباط فبراير الماضي، عن إجراء مفاوضات مع الجانب السوري حول الحصص المائية لنهر الفرات، وذلك في إطار الجهود المبذولة لضمان تدفق مياه النهر إلى العراق بشكل عادل ومنصف.

وشهد العراق زيادة ملحوظة في درجات الحرارة بمعدل 1.2 درجة مئوية مقارنة بما قبل منتصف القرن العشرين، مع توقعات بزيادة إضافية تصل إلى 2.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، بحسب مختصين.

ووفقا للمركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، فإن نصيب الفرد من المياه العذبة انخفض إلى أقل من 1,000 متر مكعب سنوياً، مما يضع العراق ضمن الدول التي تعاني من الإجهاد المائي الشديد حيث أدى الجفاف المتكرر خلال العقد الماضي إلى تقليص مساحة الأراضي الزراعية بنسبة تجاوزت 30%، كما أن منسوب نهري دجلة والفرات انخفض بأكثر من 50% مقارنة بالمعدلات التاريخية بسبب قلة الأمطار وسياسات دول المنبع في حين تعاني 39% من أراضي العراق من التصحر، بينما تواجه 54% خطر التدهور.

ومن المقرر أن يشهد العراق انعقاد المؤتمر السنوي الخامس للمياه بالتزامن مع المؤتمر العالمي الـ11 للري الدقيق، التابع لمنظمة الري والبزل العالمية، وذلك خلال الفترة من 27 إلى 29 نيسان المقبل، وبدعم من المنظمات الدولية.

وكشف مؤشر جفاف التربة SPI لمنطقة الشرق الأوسط لشهر كانون الأول ديسمبر 2024، وجود جفاف حاد ومتطرف لعموم مناطق العراق (ما بين 1.6-1.8) عن الحد الطبيعي، حسبما أفادت به هيئة الأنواء الجوية العراقية.

وقالت منظمة البنك الدولي، في نهاية العام 2022، إن العراق يواجه تحدياً مناخياً طارئاً ينبغي عليه لمواجهته التوجه نحو نموذج تنمية “أكثر اخضراراً ومراعاةً للبيئة”، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون.

ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة، فإنه وبحلول العام 2040، “سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحاً فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل”، أي ما يساوي نسبة 6% من ناتجه الإجمالي المحلي سنوياً.

ويواجه العراق أزمة مائية متفاقمة بسبب التغيرات المناخية، حيث أدت قلة هطول الأمطار وانخفاض مناسيب الأنهار إلى تقليص المساحات الزراعية وتراجع الإنتاج الزراعي. وتعتمد نسبة كبيرة من السكان، خاصة في محافظات الوسط والجنوب، على الزراعة كمصدر رئيسي للعيش، إلا أن شح المياه أثر سلبًا على آلاف العائلات، مما ضيق مصادر الرزق وأجبر البعض على البحث عن بدائل اقتصادية أخرى.

وتشير تقديرات دولية، إلى أن العراق سيواجه عجزًا مائيًّا يصل إلى 10 مليارات متر مكعب بحلول عام 2035، كما أن الجفاف الممتد وسوء إدارة التربة أثّرا على 39% من الأراضي العراقية، وأدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي.

وكان السياسي البارز والناشط الحقوقي بختيار أمين، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، إن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة”، مبينا أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه”.

ودعا لى إعمال الضغط الدولي على دول المنبع، قائلا “تطرقت في وقت سابق لملف المياه مع محكمة العدل الدولية في لاهاي، خاصة وأن العراق أحد مؤسسي المحكمة، حيث كانت آنذاك هناك قضية مشابهة مفتوحة أمامها وهي الملف المائي بين هنغاريا وسلوفاكيا، حيث تم التحكيم من قبل المحكمة لصالح الدولة المتضررة، وقد قمت باستثمار الفرصة حينها وطرحت قضية العراق فأبدت المحكمة استعدادها بعد أن شرحت الوضع بالتفصيل، كما تلمست الاستعداد الكامل من قبل رئيس المحكمة لحلها وإنصاف العراق، لكن عندما خاطبت المسؤولين في بغداد لم أر أي تفاعل أو تعامل جدي مع قضية التدويل“.

ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.

وتثير إحتمالية مرور شتاء جاف على العراق قلق ومخاوف الكثير من المراقبين، ويعد الشتاء الجاف حالة مناخية معروفة ولطالما عانى منها العراق في سنوات سابقة لكنها هذه المرة تأتي وسط ظروف مائية صعبة تهدد الموسم الزراعي.

يشار إلى أن العراق منذ سنتين وهو يقوم باستخدام المياه الجوفية بسبب الجفاف وهو أمر يحدث لأول مرة تاريخيا، كما أن الفضاء الخزني الخالي من المياه يقدر بنحو 140 مليار متر مكعب، أما السدود الثلاثة الرئيسية وهي الموصل ودوكان والثرثار فهي تعاني مع مرور الوقت وهذا ينذر بكارثة بيئية جديدة تضاف للبلاد، بحسب مختصين.

إقرأ أيضا