طار السيد النجيفي مشرقاً إلى اسطنبول وطهران، وحلق من بعده الشيخ همام حمودي مغرباً إلى بروكسل، يحمل كلاهما رسالة، عنوانها \”المبادرة العراقية لحل الأزمة السورية\”، عنوان عريض ومنمق بحجم فخامة الوفود التي رافقت كل منهما. لست أدري إذا ما كانت القيادات العراقية التي تبنت هذه المبادرة مقتنعة فعلاً بما تطرح؟!
تاريخ المبادرات العراقية حول هذه الأزمة يعود إلى انعقاد القمة العربية ببغداد، في حينها طرح السيد المالكي مبادرة تفضي إلى تشكيل لجنة بموافقة أعضاء الجامعة العربية، ورغم أن السيد المالكي جدد طرحها في اجتماع دول عدم الانحياز، فإنها لم تلق أي ردود فعل حقيقية على النطاق الإقليمي والدولي، آنذاك بررنا هذا التحرك العراقي \”المتفائل\” بأنه حاجة ملحة نظراً لاستضافة بغداد حدثا هو الأهم بعد العام 2003، وأبرز ملفاته هي الأزمة السورية، إذ من غير المعقول أن تمر القمة دون أن يقدم العراق شيئاً حيالها حتى وان كان \”صوريا\”.
بعد مرور أكثر من سنة ونصف على موت المبادرة الأولى، اتفقت رؤوس السلطة السياسية في العراق، اليوم، على تبني مبادرة جديدة. الثانية لا تختلف كثيرا عن الأولى، تتمسك بالخيار السياسي حلاً للأزمة، حيث جاءت متضمنة 4 بنود، بين إعادة إعمار سوريا، وملف اللاجئين، إلا أن البنود الأهم هي ما تتعلق بخروج المسلحين الأجانب من الأراضي السورية، ووقف الإمدادات لكل من الطرفين (النظام والمعارضة)، بالإضافة إلى تحديد موعد لانتخابات بإشراف الأمم المتحدة على أن يدير الأسد حكومة تصريف الأعمال.
الواقعية السياسية تستدعينا إلى أن نوصف هذه المبادرة بأنها \”تهريج دولي\”، من بعد إذن الزعماء طبعا!، هي أشبه بشخص يحاول التبضع في \”هارودس\”، أكبر مراكز التسوق في لندن وأوروبا، بعملة دولة فقيرة، لا يعرف موقعها على الخارطة.
المبادرة هي الأخرى لم تلق أي رد فعل، سوى الذي جاء من باب المجاملة، كتلك التي \”وعدت بدراسة\” المقترح العراقي، على حد ذكر رئيس مجلس النواب في معرض رده، يوم أمس، عن سؤال بخصوص الموقف الإيراني إزاء المبادرة التي حملها.
اثنان من بنود المبادرة، على درجة عالية من \”الصبيانية الدولية\”، هما انسحاب المقاتلين الأجانب الذين باتوا حقيقة راسخة على مسرح الأزمة السورية، والدعوة لتحديد موعد لانتخابات ديمقراطية. هذه هي الصبيانية وأعني ما أقوله، فالبندان هما في الأصل مقررات يؤمل لمؤتمر \”جنيف 2\” أن يدرسها، المؤتمر الذي فشلت القوى الكبرى في عقده حتى الآن لعدم تمكنها من التوصل إلى آلية لنقاش هذه القضايا العالقة.
مبادرة العراق الجديدة، كسابقتها، سيغمرها النسيان في الأيام المقبلة، لسبب بسيط هو أن العراق ما زال يتصرف كصبي على الساحة الدولية. صبي يقول ما لم يجرؤ الكبار على قوله حتى الآن.
* كاتب وصحفي عراقي