صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق في سباق مع الزمن لتوفير الكهرباء.. 3 بدائل لـ«الغاز الإيراني»

يُخيم شبح صيف قاسٍ على العراق، وسط مخاوف من تفاقم أزمة الطاقة الكهربائية، وذلك على خلفية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنهاء الإعفاءات التي منحتها واشنطن لبغداد المتعلقة باستيراد الغاز والطاقة الكهربائية من إيران، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة على استقرار البلاد.

ومع السباق الحكومي لتدارك الأزمة، أعلن مدير عام قسم الوقود في وزارة الكهرباء سعد جاسم، اليوم الخميس، عن وضع خطط استباقية لما وصفه بـ”اسوأ السيناريوهات” التي قد يواجهها العراق بعد انقطاع الغاز الإيراني، ومن بينها الاستيراد من قطر وعُمان وتركمانستان.

وفي 8 آذار مارس الجاري، انتهت مدة الاستثناء الذي أعطته الولايات المتحدة للعراق من العقوبات المفروضة على إيران، وبالتالي فإن حكومة بغداد لن تتمكن من استيراد الغاز الإيراني اللازم لتشغيل محطات الكهرباء في عموم البلاد.

وقال جاسم، بحسب “فرانس برس”، إنه “في السابق، كنا نستورد فقط من إيران، ولكن هناك توجيهات حكومية وإرادة سياسية للاعتماد على مصادر متعددة للواردات، وعلينا أن نأخذ في الاعتبار أسوأ السيناريوهات المحتملة، فإذا كان هناك انقطاع، فقد أعددنا بدائل”.

وأضاف جاسم: “في المنطقة، قطر هي أكبر منتج للغاز الطبيعي، لقد قمنا بعدة زيارات، وهم مستعدون لمساعدة العراق بأسعار تفضيلية”، مبينا أن “سلطنة عمان أيضا خيار”.

واشار الى أن “المفاوضات جارية أيضا لشراء الغاز من تركمانستان لتسليمه عبر خطوط الأنابيب عبر إيران”، لافتا الى ان “العراق يقوم بإنشاء محطتين عائمتين للغاز الطبيعي المسال في منطقة خور الزبير بجنوب البلاد”، معربا عن أمله في تشغيلهما بحلول يونيو حزيران المقبل”.

وأوضح أن “هذه المرافق يمكن استخدامها لمعالجة ما بين 14 إلى 19 مليون متر مكعب (500 إلى 700 مليون قدم مكعب) يوميا”، مستدركا بالقول “إذا تمكنا من إنشاء وحدة ثالثة فإننا قد نصل إلى 800 إلى 900 مليون قدم مكعب”.

ونوه إلى أن “هذا من شأنه أن يساعد في تعويض النقص في الغاز الإيراني الذي يعتمد عليه جنوب العراق”.

أصدرت الحكومة العراقية، الاثنين الماضي، قرارات جديدة في سبيل تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية الذكية، بعد إنهاء الإعفاء الأمريكي عن الغاز الإيراني لمحطات إنتاج الكهرباء، مؤكدة على المحافظين بضرورة الإسراع في تهيئة الأراضي المخصصة لهذه المشاريع.

وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ومستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل والتز، خلال اتصال هاتفي، الأحد الماضي، التزامهما بتعزيز وتعميق الشراكة الإستراتيجية، بينما أشار الأخير إلى أن “إنهاء استثناء الكهرباء المجهزة من إيران يرتبط بسياسة الضغط الأقصى، مما يؤكد أهمية التنسيق الثنائي لتفادي أي آثار سلبية محتملة على استقرار العراق”.

وأعلنت الخارجية الأمريكية، في 9 آذار مارس الجاري، رسميا إنهاء إعفاء العراق من استيراد الغاز الإيراني، كجزء من حملة “الضغط الأقصى” التي يشنها ترامب ضد طهران، بحسبما نقلت وكالة رويترز.

وقال المتحدث باسم لجنة النفط والغاز النيابية علي شداد، في حينها، عن توجه الحكومة العراقية لاستيراد الغاز الخليجي بدلاً عن الإيراني بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة، معلنا عن مشروع يجري العمل على إنجازه بسرعة عالية في البصرة، أقصى جنوبي البلاد.

وتزود إيران العراق بحوالي 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميا بما يغطي حوالي ثلث احتياجات البلاد، وهو ما يكفي لإنتاج نحو 6 آلاف ميغاوات من الكهرباء، إلا أن هذا الكم لا يكفي لتلبية احتياجات العراق في أوقات الذروة.

وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أكد في 8 آذار مارس الجاري، أن الحكومة العراقية وضعت عدة سيناريوهات لمواجهة أي تطورات تتعلق بالموضوع”، مبينا أن العراق يستورد من إيران “50 مليون قدم مكعب وتشكل ثلثاً من إنتاج الطاقة الإيرانية، والحكومة وضعت جميع السيناريوهات في حال تم تجديد الإعفاءات أو لم يتم التجديد”.

وكشف العوادي عن “قرب حل مشكلة استيراد الغاز التركمانستاني، متوقعا وصوله إلى محطات إنتاج الطاقة العراقية خلال الشهرين المقبلين عبر الأراضي الإيرانية”، لافتا إلى أنه “في حال لم تنجح هذه الخطوة، فإن العراق لدية خيار آخر هو استخدام منصات الغاز وهي عبارة عن سفن عائمة ويتم ربطها بأنبوب خاص مربوط بالمحطات الكهربائية في البصرة، حسب تعبيره.

الجدير بالذكر أن الحكومات المتعاقبة في العراق صرفت على المنظومة الكهربائية منذ 2006 ولغاية 31 من كانون الأول ديسمبر 2024، نحو 98 مليار دولار والعراق بلا كهرباء.

ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل نحو 40% من منظومته الكهربائية، ما يعني أن أي تقليص أو قطع لهذه الإمدادات قد يؤدي إلى تفاقم انقطاعات الكهرباء خلال الصيف.

وخلال الأشهر الماضية، فقد العراق أكثر من 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، فيما لم تتمكن الحكومة من تعويض هذا النقص، ما أدّى إلى انخفاض ساعات التغذية في معظم مدن البلاد.

ودعا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤخرا، ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بمواصلة اعفاء العراق في استيراد الغاز الإيراني بعد قرار إلغائه، مبينا أن الإدارة (الأمريكية) السابقة كانت تعطينا استثناءً من هذه العقوبات.

وأضاف أن “العراق لديه رؤية واضحة في سنة 2028 سينتهي استيراد الغاز، وسيكون هناك استقلال للطاقة بشكل واضح”، مؤكدا أنه “بالمحصلة نحتاج إلى استمرار هذا الاستثناء طيلة هذه الفترة”.

وأكد خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “انقطاع الغاز من إيران إذا ما تم بشكل كامل سيخلق فجوة تصل من 7- 8 آلاف ميغاواط، وهذا بالتأكيد سيجعل صيف العراق المقبل ثقيلا وصعبا، لذا على العراق أن يبحث عن بدائل أو أن ينشط مشاريع استثمار الغاز الطبيعي المستمرة في حقول الجنوب”، مشيرا إلى أن “العقد العراقي مع تركمانستان لشراء الغاز مرورا بإيران يشبه المقايضة، فالعراق يشتري من تركمانستان، ويأخذ من إيران لكن التعامل المالي يكون مع الأولى، بالتالي هو نوع من التعامل غير المباشر ونتمنى ألا يحسب تجاوزا للعقوبات الأمريكية لأن تركمانستان هي من تكون بموقع المتجاوز لأنها تتعامل بشكل مباشر مع إيران”.

ووقعت وزارة الكهرباء، في 19 تشرين الأول أكتوبر 2024، اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لافتة إلى أن شركة لوكستون إنرجي السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.

الجدير بالذكر أن عقد استيراد الغاز من تركمانستان عبر الأنابيب الإيرانية، لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن بالرغم من مرور أكثر نحو 5 أشهر على توقيعه، لأسباب تتعلق بإجراءات المصرف العراقي للتجارة TBI.

ويعاني قطاع الكهرباء في العراق من مشاكل عديدة على الرغم من الأموال الطائلة التي أنفقتها وزارة الكهرباء، وبحسب المستشار الحكومي والخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح، فان الطاقة الكهربائية استنزفت بعد عام 2003 أكثر من 120 مليار دولار، ولكن عملية تأمين الطاقة لا تزال متعثرة بسبب سوء الإدارة والهدر والفساد”.

ودأبت الولايات المتحدة منذ 2023 على إصدار إعفاءات تسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الكهرباء، على أنه لا تستخدم طهران هذه الأموال إلا في “معاملات غير خاضعة للعقوبات” مثل شراء السلع الإنسانية ومنها المنتجات الغذائية والزراعية.

وأدى العجز في توفير الطاقة الكهربائية في العراق الى بقاء سوق المولدات الأهلية نشطاً، رغم أن غالبيتها قديمة وتصدر محركاتها المتهالكة دخاناً أسوداً (دقائق الكربون) إضافة إلى الضوضاء العالية، بسبب عدم التزام الكثير من أصحابها باستخدام ما يعرف بكاتم صوت المحرك.

ومنذ العام 2003 ولغاية اليوم، لم تشهد الطاقة الكهربائية في العراق أي تحسن ملحوظ، وفي كل صيف تتجدد التظاهرات في مدن الوسط والجنوب، احتجاجا على تردي تجهيز الطاقة.

إقرأ أيضا