تتصاعد المخاوف في العراق من سلة الرسوم الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد على البلاد، لاسيما وان الاقتصاد العراقي معتمد أساسا على تصدير النفط كمصدر رئيسي للدخل.
وعلى الرغم من استثناء قطاع الطاقة من هذه الرسوم، فإن العراق يواجه تحديات تتعلق بتوازن الميزان التجاري، وتأثير هذه السياسة بالسوق النفطية العالمية، حيث اتخذت الحكومة العراقية، اليوم السبت، عدة خطوات لمواجهة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، فيما كشفت أن أغلب الصادرات العراقية للولايات المتحدة تتم من خلال أسواق دول أخرى.
ووقّع ترامب، الأربعاء الماضي، أمرا تنفيذيا فرض بموجبه الرسوم الجمركية المتبادلة على دول “في العالم أجمع”، تنفيذاً لما توعد به باستمرار منذ حملته الانتخابية بهدف بدء “عصر ذهبي” للولايات المتحدة، حيث وتراوحت الرسوم بين 10% و49%.
وجاء العراق بالمرتبة الثانية ضمن قائمة الدول العربية التي فُرض عليها الرسوم الجمركية، حيث بلغت نسبة الرسوم 39%، وهو ما طرح الكثير من التساؤلات حول الجوانب التي ستضرر من هذه النسبة العالية.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في بيان تلقته “العالم الجديد”، إن “السوداني ترأس اجتماعاً خصص لتدارس الآثار الاقتصادية والتجارية لقرار حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، زيادة التعرفة الجمركية على استيراداتهم من السلع من دول العالم، وانعكاسات هذه الخطوة على مجمل الاقتصاد العالمي، وعلى أسعار النفط الخام، ومدى تأثر الاقتصاد العراقي في هذا الشأن”.
وأضاف أن “الاجتماع استعرض البيانات الرقمية الصادرة عن وزارة التجارة، التي تكشف أن نسبة رفع التعرفة الكمركية الأمريكية على السلع العراقية، قد بُنيت على الفارق في الميزان التجاري بين البلدين، وليس بسبب الرسوم الكمركية المفروضة من العراق على البضائع الأمريكية”.
وتابع “اتضح، من خلال بيانات وزارة التجارة، أن الجزء الأكبر من استيرادات العراق من البضائع الأمريكية يتم من خلال أسواق دول أخرى، نتيجة بعض سياسات الشركات الأمريكية التي تتبعها بالتعامل التجاري مع العراق”.
ولفت إلى أنه “في ضوء هذه المعطيات، ومن أجل ضمان أفضل مسار لتنمية الاقتصاد العراقي، وجّه رئيس مجلس الوزراء بأخذ الإجراءات اللازمة، وفق ما تمليه المصالح العليا للاقتصاد العراقي؛ وكما يلي: أولا، العمل على تطوير العلاقات التجارية المتبادلة، عن طريق فتح منافذ للموزّعين وللوكالات التجارية الأمريكية، وتفعيل الوكالات التجارية العراقية، والتعامل التجاري المباشر بين القطاعات المتقابلة مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
وثانيا: “العمل على تطوير الخدمات المصرفية بين القطاعات المصرفية والمالية في العراق والولايات المتحدة الامريكية، وبما يضمن تحقيق المصالح الاقتصادية المتبادلة، وثالثا: توجيه فريق المباحثات مع الجانب الأمريكي بمراجعة أسس العلاقة التجارية مع الولايات المتحدة، بهدف تحسينها، وبما يضمن بناء علاقات اقتصادية وتجارية متوازنة تضمن المصالح المتبادلة بين الطرفين، وتنمّي الشراكة الإيجابية”.
وفي التوجيه الرابع: تولّي وزارات، الخارجية، المالية، التجارة، والمعنيين، فتح حوار مع الجانب القطاعي الأمريكي المقابل، بما يضمن تعزيز العلاقات التجارية، ومتابعة الأسواق المالية وبيوت الخبرة الاقتصادية، ورفع تقارير أسبوعية لمكتبه”.
وقلل مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لمجلس الوزراء، في 2 نيسان أبريل الجاري، من تأثيرات تلك الرسوم، بالقول:”لا تشكل الرسوم الأميركية إن فرضت على تجارة بلادنا معها حقاً أي معوق على الاستقرار التجاري والاقتصادي للعراق”، مبينا أن “الصادرات العراقية إلى السوق الأميركية لا تتجاوز 5 مليارات دولار سنوياً، معظمها من النفط الخام، في حين تُعد السوق الأميركية ثانوية مقارنة بأسواق رئيسية مثل الصين والهند، اللتين تستوردان ما يقارب 70% من الإنتاج النفطي العراقي”.
ورغم النبرة الواثقة، أبدى صالح شيئاً من القلق تجاه المسار العام للسياسة التجارية الأميركية، قائلاً: “نتمنى أن يكون العراق بمنأى عن هذه التحولات الحمائية، لا سيما أنه يرتبط مع واشنطن باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة عام 2008، والتي تنظم العلاقات الثنائية في مجالات التعاون الأمني والتجاري والاقتصادي”.
ورغم أن العراق لا يُعد من كبار المصدرين إلى السوق الأمريكية، إلا أن اقتصاده المتشابك مع السوق الدولية يجعله عرضة لتأثيرات غير مباشرة لهذه السياسات، لا سيما مع اعتماده الكبير على استيراد المواد الأولية والسلع المصنعة من بلدان مثل الصين وتركيا وكوريا الجنوبية، التي طالها القرار الأمريكي، بحسب مختصين.
وكان الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، قد حذر مؤخرا، في تدوينة تابعتها “العالم الجديد”، من تداعيات تلك الرسوم، قائلا: ” بالإضافة الى الأثر السلبي لتعريفات ترامب الجمركية على أسعار النفط والإيرادات النفطية هناك خشية من أن تتولى المصارف الأميركية فرض رسوم على تحويلات العراق إلى بلدان أخرى عند تسديد قيمة الاستيرادات بتحويل الدولار إلى عملات تلك الدول كذلك فرض رسوم على عوائد استثمار الاحتياطيات الدولارية في أمريكا عند تحويلها إلى عملات اجنبية أخرى لكون عوائد النفط مودعة في أميركا بموجب قرارات دولية وأمريكية.
واعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، الأربعاء الماضي، أن العراق صدر أكثر من 7 ملايين برميل من النفط الخام ومشتقاته إلى الولايات المتحدة خلال شهر كانون الثاني من العام 2025.
ووفقاً لبيانات الإدارة ، بلغ إجمالي الصادرات النفطية من العراق إلى الولايات المتحدة في يناير 7 ملايين و136 ألف برميل، منخفضة قليلاً عن صادرات شهر كانون الأول التي بلغت 7 ملايين و320 ألف برميل.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة الامريكية خلال عام 2025 الى اكثر من الضعف خلال العامين الماضيين، فيما يمتد التعاون التجاري الى مجالات عديدة متنوعة استثمارية وتجارية واقتصادية مختلفة.
كما ارتفعت صادرات العراق الى الولايات المتحدة، بنسبة تزيد عن 110%، وتراوحت واردات العراق منها بين 9-10 مليارات دولار خلال العامين الماضيين، وتقدر صادرات النفط العراقي الى الولايات المتحدة بحدود 10 مليار دولار سنويا، اما الميزان التجاري فيكون لصالح العراق بفارق 5.7 مليارات دولار.
وكان مظهر صالح المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد أقر في أيلول سبتمبر 2024، أن العراق يواجه أزمة موازنة في عام 2025، بسبب هبوط أسعار النفط، المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة.
ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة «أوبك»، بشكل كبير على عائدات النفط، ويمثل قطاع الهيدروكربونات الغالبية العظمى من عائدات التصدير، ونحو 90 في المائة من إيرادات الدولة، هذا الاعتماد الضخم على النفط يجعل العراق عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الخام العالمية.
ومع ذلك، زاد العراق موازنته في عام 2024 حتى بعد الإنفاق القياسي في عام 2023، عندما تم توظيف أكثر من نصف مليون موظف إضافي في القطاع العام المنتفخ، وبدأت عملية تجديد البنية التحتية الوطنية المكثفة رأس المال، كما أن الموازنة تفترض سعر نفط 70 دولاراً للبرميل في عام 2024، أي أقل بنحو 6 دولارات من متوسط السعر المحتمل هذا العام.
وبحسب جداول المالية فإن إيرادات النفط بلغت 38 تريليوناً وثلاثة مليارات و728 مليوناً و183 ألف دينار، وهي تشكل 89% من الموازنة العامة، في حين بلغت الإيرادات غير النفطية أربعة تريليونات و698 ملياراً و785 مليوناً و9 آلاف دينار.