صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق وسوريا من وحدة البعث الى (وحدة القاعدة)

منذ ان اعلن قبل اشهر عن توحيد تنظيمات القاعدة في سوريا مع تنظيمات القاعدة في العراق، وانا اشم رائحة المحاولات البعثية في النصف الثاني من القرن العشرين التي حاولت اقامة وحدة بين البلدين، لا بهدف التوحد والاكتمال على الاطلاق، بل بهدف الانتفاخ والتوسع وان يكون كل زعيم من الجانبين يحكم رقعة جغرافية تمتد من البحر الابيض المتوسط الى الخليج. دوافع الطرفين كانت واضحة ومعلنة وخطواتهم من العاطفية بمكان بحيث انها انهارت بين ليلة وضحاها. اعلان \”داعش\” دولة العراق والشام الاسلامية عن توحيد عملها بين البلدين شبيه الى حد كبير بتلك القصة. ليس فقط لان الجماعات الاسلامية وقياداتها لا تفرّط بالمناصب والمواقع القيادية وانها من البراغماتية بمكان بحيث ترفع شعار \”لأخذت الذي فيه عيناك\”، لكن بالإضافة الى ذلك يشم ايضا في تلك التنظيمات نفسا بعثيا بشكل او بآخر، من جهة لان تنظيم القاعدة في العراق في جوهره ليس تنظيما للقاعدة، وان ضم افواجا من المفخخين والانتحاريين، لكن هؤلاء مجرد ادوات لأصحاب القرار في التنظيم. كان تنظيم القاعدة في العراق يدعم الكثير ممن انضووا تحت لواء العملية السياسية، رغم انه يناكفها في العلن! ليست لديه مشكلة في الانتخابات ان ضمنت لهم مصالحهم ومصالح المتعاونين معهم، رغم ان التنظيم الروحي للقاعدة لا يعترف اساسا بأشياء من هذا القبيل. 

تنظيم القاعدة في العراق وظّف واستخدم من قبل صدام حسين في مناسبات عديدة قبل وبعد العام 2003، الظواهري وغيره من قيادات التنظيم العالمية يعرفون ذلك بشكل جيد، ويعرفون الدوافع الاساسية للتحالف البعثي مع القاعدة، ولكنهم لا يمانعون تلك الشراكة طالما كانت تحت غطاء التنظيم وتدر مالا عليه وتسمح له بالاتساع الجغرافي بشكل او بآخر، وهذا يعني مزيدا من الحاضنات ومزيدا من العمل القاعدوي حتى ان كان تحت اشراف جماعات اخرى. لكن وبعد التطورات الميدانية والسياسية التي حصلت في السنوات الاخيرة وخصوصا على صعيد الملف السوري فإن الشراكة انفضّت او في طريقها الى الانفضاض حينما استفحل التنظيم الدخيل على القاعدة وهو جماعة البغدادي واراد السيطرة على رقعة جغرافية غير مسموح له ممارسة ادوار قيادية فيها، من هنا برزت المشكلة وبعد فشل العديد من المحاولات لمعالجتها بعيدا عن الاعلام، حسم الظواهري ذلك الخلاف وامر بالفصل بين الجانبين مع ميل واضح للنصرة التي هي الممثل الشرعي بالأساس لتنظيم القاعدة، لان معظم القياديين فيها يدينون بالولاء لتنظيم القاعدة وقياداته الروحية. وهذا ما اثار حفيظة البغدادي وجماعته التي تريد السيطرة على اكبر رقعة جغرافية بين العراق وسوريا فقرر هذا الاخير استمرار عمل \”داعش\” في رد صارخ وعصيان ميداني ضد تنظيم القاعدة وزعيمه الروحي.

ان الاعلان الاخير لتنظيم القاعدة من خلال الظواهري نفسه ورد البغدادي الصارخ عليه وضع الكثير من النقاط على الحروف من خلال العديد من المعطيات التي جاءت في ذلك الاعلان فيما يخص النشاط الميداني للقاعدة في العراق وسوريا:

– لمن لا يعرف بعد، فإن القاعدة في العراق لها وضع خاص مختلف عن تنظيمات القاعدة في جميع انحاء العالم، انها من حيث الجوهر ليست تنظيما متطرفا، بل يتظاهر بالتطرف من اجل ممارسة فعل سياسي لمجموعة فاشية التوجه فقدت السيطرة على العراق وتريد الانتقام لذلك. وهذه الوقائع بالمناسبة وردت في الكثير من الوثائق التي تم العثور عليها في دوائر الامن الخاص بعيد سقوط صدام حسين.

– الممثل الشرعي لتنظيم القاعدة في سوريا هي جبهة النصرة. وهذا ما حرصت المعارضة السورية بشقها السياسي على عدم اثارته اعلاميا على الاقل، حيث كانت ترفض الحديث عن تلك الجماعة لأنها لا تريد التفريط بما تقوم به من انتصارات عسكرية على الارض ولا تريد من جهة ثانية تحمّل اعباء الاخطاء الكارثية التي ترتكبها الجماعة بحق المدنيين. هذا الاعلان وضع المعارضة السورية وحلفائها امام الواقع فهم اما ان يتبرأوا بشكل واضح من ذلك التنظيم او يقبلون به ايضا على مرأى ومسمع الجميع.  

– ان ممارسات جبهة النصرة بكل ما حملته من بشاعة هي اقل بكثير من الجرائم التي ترتكبها داعش في سوريا وهذا ما يؤثر ميدانيا وعسكريا بشكل سلبي على حواضن تلك الجماعة ويخلق بينها وبين جمهورها فجوة، و ردة فعل غير محمودة، ذلك التأثير المعكوس من قبل تصرفات جماعة البغدادي اجبر الظواهري على فصل العمل الميداني بين المجموعتين مع فسح المجال للتعاون بينهما. جبهة النصرة تريد ان تعمل وتدير العمل الميداني على طريقتها وتذكّر جماعة البغدادي بردود افعال مشابهة كان البغدادي وجماعته يرددونها سابقا حينما اصروا على قيادة العمل في العراق بحجة ان اهل مكة ادرى بشعابها، ذات الذريعة رفعتها الان جبهة النصرة بوجه جماعة البغدادي.

– قاعدة العراق او جماعة البغدادي لا تقر الطاعة والتبعية لتنظيم القاعدة، البيعة جزء لا يتجزأ من عمل القاعدة وهذا ما لا تعترف به قاعدة العراق، انها تريد ان تبايع حينما تشتهي ذلك وتنفض البيعة حيثما تضارت المصالح، وهذا ما لا تفعله التنظيمات القاعدوية الاخرى باي شكل من الاشكال.

gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا