تتابعت التصريحات الرسمية مؤخرا عن إيقاف نشاط الفصائل العراقية المسلحة أو دمجها ضمن الأطر القانونية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى تطبيق هذه الخطوة، وما إذا كان هذا الإيقاف حقيقيا، وفيما يؤكد مراقبون أن الفصائل توقفت عن استهداف المصالح الأمريكية بأوامر إيرانية وخشية من ضربات جوية، عزا فصيل مسلح، التوقف إلى الاتفاق العراقي الأمريكي بسحب القوات الأجنبية في 2025، فيما شدد على ضرورة التفريق بين “الحشد” وفصائل المقاومة.
ويقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الفصائل العراقية توقفت في غالبها عن أي نشاط معاد للمصالح الأمريكية والإسرائيلية منذ أشهر باستثناء أربع فصائل اشتركت في عدد من العمليات التي استهدفت الداخل الإسرائيلي”.
ويعتقد التميمي، أن “هذا التوقف نتيجة طبيعية لضغوط مورست على الفصائل من قبل أطراف سياسية بالتنسيق مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني فضلا عن تدخل إيراني مباشر، وهو الأهم”، مشيرا إلى أن “الفصائل لديها رؤية سياسية واستقراء للأوضاع وقد وصلت إلى قناعة أن عملياتها العسكرية لم تكن مجدية أو مؤثرة على إسرائيل أو الولايات المتحدة وهي نظرة واقعية بسبب عدم التكافؤ في القدرات والإمكانيات خاصة بعد الضربات الإسرائيلية العنيفة تجاه الفصائل في غزة وكذلك ضد حزب الله”.
ويذهب إلى أن “الفصائل العراقية تصرفت بواقعية بتوقفها، والظروف في المنطقة قد فرضت عليها هذا التوقف، كما أن إسرائيل هددتها بشكل مباشر وحددت أكثر من 30 هدفا عسكريا واقتصاديا داخل العراق، خاصة بعد رأت أن القدرات الإسرائيلية المدعومة من قبل الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ أي استهداف بعد أن وصلت الطائرات الإسرائيلية إلى العمق الإيراني في تشرين الأول أكتوبر 2024، حيث استهدفت مواقع مهمة داخل إيران”.
ويرى التميمي، أن “الفصائل وصلت إلى قناعة لهذه الهدنة بعد أن اقتنعت أن الأوضاع قد تغيرت في المنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد وخسارة حزب الله والفصائل في فلسطين، كما أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واضحة في دعم إسرائيل ومعاداتها لإيران وحلفائها”.
ويخلص إلى أن “ما تحدث به عدد من المسؤولين العراقيين من بينهم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية عن أسباب الهدنة هو محاولة لتهدئة الأوضاع وعدم استفزاز هذه الفصائل، لأن استفزازها سيؤدي إلى آثار وخيمة على الداخل العراقي خاصة بعد التهديدات الإسرائيلية المباشرة وكذلك تهديدات من قبل نواب جمهوريين أمريكيين تجاه إيران والعراق وكل محور المقاومة”.
وأكد رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، مطلع الأسبوع الحالي، أن جميع الفصائل المسلحة تقع تحت سيطرة الحكومة، لافتا إلى أن الحديث عن التأثير الإيراني في بلاده يحمل مبالغة كبيرة، وفيما أفاد بأن “قادة الفصائل توصلوا إلى عدم الحاجة لاستخدام السلاح، خصوصاً بعد إنهاء الحرب واتفاق وقف النار في غزة”، أوضح أن “الحكومة الآن أخضعت الفصائل لسيطرتها وفق آليات، للوصول إلى وضع يُنهي أي نشاط قتالي في هذه الظروف”.
وفي مقابلة أخرى قال رشيد، إن “معظم الفصائل يعتبرون أنفسهم جزءا من الحشد الشعبي، والحشد الشعبي حشد رسمي عراقي بقانون البرلمان في العراق، وأريد أن أركز على نقطة أن نشاطاتهم متوقفة الآن خاصة أنهم استمعوا لنصائح الحكومة العراقية، واتفقوا على وقف أي نشاط عسكري ضد أي جهة كانت، والآن نشاطاتهم متوقفة ولا وجود لأي تهديد”.
كما قال وزير الخارجية فؤاد حسين، في مقابلة مع رويترز، الخميس الماضي، إن العراق يحاول إقناع الفصائل المسلحة الموالية لإيران بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.
وتعقيبا على ذلك، يشير عضو المكتب السياسي لحركة حزب الله النجباء، حيدر اللامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الجميع يجب أن يفرق بين الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، فالأول هو مؤسسة رسمية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، أما فصائل المقاومة، تعبر عن المقاومة الشعبية وبسبب وجود الاحتلال على أراضيها فإنها تتمتع بشرعية لوجودها، ولا تستطيع أي جهة إيقاف مقاومة ترفض الاحتلال”.
أما عن التهدئة الموجودة وإيقاف التصعيد العسكري، يؤكد اللامي أن “التوقف عن النشاط المسلح يتعلق بالنشاط الدبلوماسي للحكومة العراقية ومباحثاتها مع الجانب الأمريكي لإخراج القوات الأجنبية، وكان قد وضع الجانبان موعدا لخروج القوات الأجنبية ابتداء من العام الحالي 2025، وفصائل المقاومة تنتظر تطبيق هذا الاتفاق، وغير ذلك فهي موجودة وستبقى على وضعها”.
وانضوت معظم الفصائل المسلحة في هيئة الحشد الشعبي في إطار قانون أقره مجلس النواب في 2016، واعتبرها جزءا من القوات العراقية، ومع انطلاق حرب غزة، ظهر مصطلح “المقاومة الإسلامية في العراق”، الذي جمع تحت مظلته مجموعة من الميليشيات المدعومة إيرانيا، من ضمنها نحو 15 فصيلا عراقيا، وشاركت في الهجمات التي شنت على إسرائيل والقواعد العراقية التي تستضيف قوات التحالف الدولي، وفق مبدأ “وحدة الساحات”.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني تحدث، الأسبوع الماضي عن أن الحكومة تعمل على دمج الفصائل المسلحة ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية، وهو حديث يأتي لأول مرة، عن حل الفصائل المسلحة أو دمجها.
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن الأمني علاء النشوع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفصائل المسلحة الموالية لإيران لا يمكن إطلاقا أن تمتثل لأي سلطة عراقية والأدلة في هذا الموضوع كثيرة سواء من ناحية التصريحات لقادة هذه الفصائل أو العمل العسكري الميداني الذي قامت به هذه الفصائل إبان الحرب الإسرائيلية على غزة وحزب الله اللبناني”.
ويعتقد النشوع أن “الفصائل لم توقف عملها إلا بعد أن صدرت لها الأوامر من إيران بوقف التصعيد ضد إسرائيل وكذلك التحذيرات الأمريكية للحكومة العراقية التي نقلتها للفصائل عن أنها ستتعرض لضربات كبيرة جدا من قبل سلاح الجو الإسرائيلي الذي جهز للضربة فعلا لولا تدخل الإدارة الأمريكية في عدم إدخال الساحة العراقية في الصراع الدائر وتجنب حرب شاملة في المنطقة”.
لذا، يؤكد النشوع، أن “إيقاف الفصائل نشاطها ضد المصالح الأمريكية والغربية، إيقاف حقيقي، بسبب الخشية من أن تقوم القوات الأمريكية والإسرائيلية بضربات انتقامية مدمرة للفصائل ومن يدعمها ويقدم لها أي دعم عسكري ولوجستي، وستكون هناك أهداف كثيرة منها داخل العراق وداخل العمق الإيراني وفي هذه الحالة فإن الأمنين القوميين الإيراني والعراقي سينهاران بالكامل وستكون العواقب وخيمة على الأوضاع الداخلية في إيران بعد أن تلقت ضربة موجعة بعد انهيار حزب الله في لبنان وسقوط حكومة بشار الأسد في سوريا”.
وتشهد الساحة السياسية في العراق جدلا واسعا حول مساعي الحكومة لإقناع الفصائل المسلحة في البلاد بتسليم السلاح أو الانضمام للقوات الأمنية، لا سيما بعد النكسات التي تعرض لها “محور المقاومة”، وتولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم.