صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العواصف تكبد العراق «مليون دولار» يوميا.. أين اختفى «الحزام الأخضر»؟

لم تكن العواصف الترابية، أمرا طارئا في العراق، لكنها أيضا لم تكن بالكثافة والكثرة والاستمرار مثل حالها اليوم، وذلك بسبب عوامل كثيرة، أبرزها نقص المساحات الخضراء الذي فاقم نسبة التلوث في البلاد، حتى أصبح يتصدر دول العالم بذلك.

ومع تسجيل نحو 1000 حالة اختناق في عموم البلاد، جراء العواصف التربية التي شهدتها البلاد مؤخرا، قدّر مرصد “العراق الأخضر”، اليوم الثلاثاء، الخسائر الناجمة عن العواصف الترابية والرملية بمليون دولار يوميا، مطالبا الحكومة بضرورة الاهتمام بالتشجير وانشاء الحزام الاخضر.

وتحوّل “الحزام الأخضر” إلى أزمة غير قابلة للحل، ففي كل حكومة يجري الحديث عن إنشائه في المناطق الصحراوية المحيطة بالمدن، لكن دون أي نتيجة على الأرض.

يذكر أن مبادرات إنشاء الحزام الأخضر، بدأت في سبعينيات القرن الماضي، كجزء من حملة قامت بها الدول العربية وبمساعدة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في مرحلتها الأولى، يعمل كمصد للرمال الصحراوية التي تجتاح المدن والأراضي الزراعية، فضلا عن عمله للحد من الرياح الصحراوية نحو المدن، لكن المشروع توقف بسبب الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، ومن ثم حرب الخليج، والخلاف العراقي الخليجي.

وذكر المرصد في تقرير تابعته “العالم الجديد”، أن العواصف التي تهب على العراق تقدر خسائرها المالية بمليون دولار يوميا، بسبب الأضرار التي تسببها في مختلف القطاعات”.

وأضاف أن “القطاع الأبرز المتضرر هو الصحة، بسبب ما تصرفه الوزارة على مرضى الجهاز التنفسي، ناهيك عن المرضى الذين يفضلون البقاء في المنازل وشراء أجهزة التنفس على التوجه إلى المراكز الصحية والمستشفيات لمعالجتهم”.

ووفقا للتقرير، فان “الأضرار الأخرى التي تتسبب بها هذه العواصف، هي حوادث السيارات التي تكثر في مثل هذه الأيام على الطرق الخارجية، بسبب انعدام الرؤية، فضلا عن المزروعات التي تتضرر بشكل كبير نتيجة هذه العواصف”.

وأكد المرصد أن “هناك اضرارا أخرى تسببت بها هذه العواصف للحيوانات وغيرها من الكائنات الحية، فضلا عن عمليات التنظيف للمنازل والدوائر الرسمية والسيارات والتي تهدر بها كميات كبيرة من المياه، والمجاري التي يمكن أن يُغلق جزء كبير منها نتيجة تراكم النفايات والأوحال فيها”.

ودعا تقرير المرصد، الجهات المسؤولة إلى “ضرورة الإسراع في حل هذه المشكلة، من خلال الاهتمام بالتشجير وإنشاء الحزام الاخضر، الذي كان مقررا أن يقام في عدة محافظات، خصوصا الحدودية منها”.

وتعرضت مناطق ومدن العراق إلى منخفض “خماسيني” خلال الأيام الخمسة الماضية، سبب نشاطا وتقلبات بالرياح السطحية، مع موجات غبار متوسط إلى كثيف سببت تدني الرؤية الأفقية، إضافة إلى ارتفاع بدرجات الحرارة، وكذلك زخات أمطار رعدية مع فترات من الغزارة، ورياح نشطة وهابطة من السحب في أماكن محدودة، مع التحذير من تجنب السفر برا وبحرا.

ويُعاني العراق من نقصٍ حاد في المساحات الخضراء، حيث تُقدر المساحة الخضراء لكل فرد بـ 0.2 دونم فقط، وهو ما يقل بكثير عن المعدل العالمي البالغ 12 دونما، الأمر الذي فاقم نسبة التلوث في البلاد، حتى أصبح يتصدر دول العالم بذلك.

وكشف موقع “نمبيو” الذي يُعنى بحياة الناس لدول العالم، مطلع العام الجاري، أن كل مواطن عراقي يحتاج الى 75 شجرة لانتاج ما يكفي من الاوكسجين.

وأدى تزايد النشاط العمراني، وتغيرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة، فضلا عن قلة الأمطار وشح المياه، إلى اختفاء الأراضي الزراعية في العراق، ما انعكس سلبا على البيئة وزاد من التلوث في البلاد.

وأعلن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، في مطلع العام 2025، بأن العراق فقد نحو 30% من الأراضي الزراعية المنتجة، بسبب التغيرات المناخية خلال السنوات الثلاثين الاخيرة.

يشار إلى أن العاصمة بغداد كانت محاطة ببساتين نخيل كبيرة، وخاصة قي منطقة الدورة جنوبا، لكن جرى تجريفها منذ سنوات. بالإضافة إلى أن أغلب مدن العراق تعاني في الوقت الحالي من فقدان الأراضي الخضراء لأسباب عدة، من بينها تحويلها الى أراض سكنية، أو هجرها بسبب الجفاف ونزوح الفلاحين إلى المدن.

وكان موقع “IQAir” المتخصص بمراقبة جودة الهواء العالمية، أفاد في 12 أكتوبر تشرين الأول 2024، بأن العاصمة العراقية بغداد تصدرت قائمة المدن الأكثر تلوثا في العالم، مبينا أن مستويات التلوث ببغداد قد تجاوزت مدن مثل لاهور في باكستان، القاهرة في مصر، ودلهي في الهند، التي تشتهر بارتفاع نسب التلوث فيها.

ويضرب التغير المناخي العراق بقوة خلال الأعوام القليلة الماضية وبصورة غير معهودة، حيث يعد خامس الدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية العالمية، وفق وزارة البيئة العراقية والأمم المتحدة.

ويفقد العراق سنويا 100 ألف دونم، جراء التصحر، كما أن أزمة المياه تسببت بانخفاض الأراضي الزراعية إلى 50 في المائة وفق تصريحات رسمية.

وبناء على تقديرات منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة، فقد باتت مساحات الغابات في العراق لا تشكل سوى 8250 كيلومترا مربعا، أي ما نسبته 2% من إجمالي مساحة البلاد.

وكان المختص في إدارة الأزمات، علي الفريجي، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يواجه كارثة بارتفاع قياسي لمعدلات التلوث، وأخطر أنواعه هو تلوث البنى التحتية، والهواء أيضا الذي أصبح تلوثه يعادل 11 ضعفا مما كان عليه في السنوات السابقة”، مبينا أن “الإجراءات الوقائية عشوائية جدا من قبل مؤسسات الدولة كافة، وهذا الإهمال هو ما تسبب في عدم تبني استراتيجية ملزمة لأداء المؤسسات العامة والخاصة لمواجهة هذا الخطر”.

وقالت منظمة البنك الدولي، في نهاية العام 2022، إن العراق يواجه تحديا مناخيا طارئا ينبغي عليه لمواجهته التوجه نحو نموذج تنمية “أكثر اخضرارا ومراعاةً للبيئة”، لا سيما عبر تنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على الكربون.

ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة، فإنه وبحلول العام 2040، “سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخصر وشامل”، أي ما يساوي نسبة 6% من ناتجه الإجمالي المحلي سنويا.

إقرأ أيضا