عقب الخلاف بين الحكومة العراقية وشركة توتال أنيرجيز التي تستثمر في قطاع الغاز على نسب المشاركة، قررت بغداد خفض نسبتها إلى 30 بالمئة، الأمر الذي عدّه خبراء بالنفط والاقتصاد تصرفا طبيعيا وليس تنازلاً، نظرا لأهمية العقد مع هذه الشركة، مؤكدين أن من شأنه توفير أموال كبيرة للعراق جراء استثمار الغاز وعدم اللجوء إلى استيراده بمبالغ طائلة.
ويقول الخبير النفطي حمزة الجواهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تعديل نسبة مشاركة الجانب الحكومي بعقد الاتفاق مع شركة توتال انيرجيز أمر طبيعي، وهو يحصل في الكثير من العقود، وهذا التقليل جاء كون الشركة لا تستطيع دفع كل التكاليف من خلال نسبة 40 بالمئة من المشاركة الحكومية”.
ويبين الجواهري، أن “العقد مع شركة توتال انيرجيز، ضمن عقود جولات التراخيص مهم جداً، خصوصاً في ما يتعلق بقضية تحلية الغاز وكذلك تحلية المياه، التي تذهب للضخ إلى الآبار وكذلك تطوير حقل أرطاوي”.
ويضيف الخبير النفطي، أن “تفعيل العقد مع هذه الشركة أمر مهم جداً للوضع الاقتصادي والنفطي للعراق، وستكون له نتائج مؤثرة جداً في المرحلة المقبلة، وكما قلت فأن قضية تعديل نسبة المشاركة الحكومية أمر اعتيادي ، فبعد الدراسة سيتضح للشركة أن نسبتها الاستثمارية غير كافية لوجود مصاريف كثيرة في عملها ضمن جولات التراخيص”.
وكان مجلس الوزراء، قرر في جلسته الأخيرة، تعديل نسبة العراق بعقد مشروع تنمية الغاز المتكامل الذي تنفذه شركة توتال انيرجيز، من 40 بالمئة لتصبح 30 بالمئة، وتمويل حصّة الجانب الحكومي البالغة (1.4) مليار دولار يُقرض من شركة توزيع المنتجات النفطية.
كما تضمن القرار، أن يكون الشريك الحكومي هو شركة نفط البصرة، بدلاً من شركة النفط الوطنية التي أُلغيت خطوات تأسيسها بحسب قرار المحكمة الاتحادية، وتضمين العقد ضمن جولات التراخيص، ودفع مستحقات شركة (توتال انيرجيز) والشريك الحكومي عينياً بناءً على طلب شركة تسويق النفط لتوقيع اتفاقية بيع النفط المصدر، كونه أحد شروط تفعيل العقد.
وكانت وكالة “رويترز”، كشفت في شباط فبراير الماضي، أن العراق وشركة النفط الفرنسية “توتال إنرجيز” لم يتوصلا بعد لتوافق على تسوية نقاط رئيسية عالقة في الاتفاق بينهما، والذي قيمته 27 مليار دولار، وذلك نتيجة لخلافات بين سياسيين عراقيين والشركة حول شروطه، وأبرزها مطالبة العراق بأن تكون حصته 40 بالمئة من مجموع المشاريع وهو ما رفضته الشركة.
وأكد التقرير، أن شركة توتال طلبت من موظفيها الأجانب مغادرة العراق ومن موظفيها المحليين العمل من المنزل.
يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وخلال زيارته مؤخرا إلى فرنسا وقع اتفاقية شاملة عدت الأكبر بتاريخ البلدين، ومن ضمنها التعاون بمشاريع الطاقة بما فيها شركة توتال، كما التقى السوداني الرئيس التنفيذي لشركة توتال، باتريك بويان، لكن الخلاف على حصة العراق في المشروع ألقى بظلال قاتمة على المحادثات، وفقا لما ذكرت رويترز.
بالمقابل، يؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، لـ”العالم الجديد”، أن “أهم ما في هذا العقد هو قضية الغاز، فهذا الأمر سيوفر أموالا كبيرة للعراق في حال عملت تلك الشركة على إنتاج الغاز، وهنا العراق سوف يوقف استيراد الغاز وهذا ما سيوفر له أموالا كبيرة”.
ويبين الكناني، أن “هذا الأمر سينعكس على قضية توفير الطاقة الكهربائية للعراق، كون الغاز وتوفيره للمحطات سيكون محليا، وهذا ما سيدفع لعبور جزء كبير من أزمة الكهرباء التي يشهدها العراق مع كل صيف بسبب قلة الإطلاقات الغازية من قبل إيران للعراق”.
ويؤكد الخبير في الشأن الاقتصادي، أن “تعديل نسبة مشاركة الجانب الحكومي بعقد الاتفاق مع شركة (توتال انيرجيز)، جاء بعد الدراسة والاتفاق مع الشركة، وهذا الأمر لا يعني تنازلا أو شيئا آخر، فهذا أمر طبيعي ويحصل كثيراً، والحكومة عملت على ذلك لأهمية هذا العقد وهي ترى هناك ضرورة ملحة في الإسراع بتنفيذ لما له من أهمية اقتصادية ومالية، خصوصاً الأمر المتعلق بالغاز فنعتقد هو الأهم ما في العقد”.
يشار إلى أن عقد شركة توتال وقعته الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، وفيه جرى تحديد حصة العراق بـ40 بالمئة، كما أن رئيس شركة نفط البصرة، توقع أن تستحوذ قطر على حصة تتراوح بين 20 و25 بالمئة في المشروع وأن يجري تفعيل الاتفاق في غضون ثلاثة أشهر.
وتضمن اتفاق العراق مع توتال، الممتد لـ25 عاما، تطوير حقول الغاز، حيث تضمن استثمار أربعة مشاريع، أولها تطوير مجمع وتكرير الغاز في كافة الحقول، خارج اتفاقية غاز البصرة وهي حقول (أرطاوي، غرب القرنة/ 2، مجنون، الطوبة، واللحيس)، وثاني المشاريع إنشاء مجمع الغاز المركزي الكبير في حقل أرطاوي، والمشروع الثالث، إقامة منشآت لإنتاج 1000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية، بينما المشروع الرابع، هو تطوير حقل أرطاوي بهدف تعظيم إمكانيات إمدادات الغاز.
جدير بالذكر، أن التوترات السابقة بين الحكومة العراقية وشركة توتال الفرنسية، وتوجه الأخيرة لسحب موظفيها من العراق، عد من قبل مراقبين للشأن السياسي والاقتصادي، بأنن يعود للصراع الإيراني- الفرنسي، وأن ما جرى سببه تدخل إيراني عبر شخصيات عراقية مقربة منها عملت على عرقلة تمرير الاتفاقية مع توتال، ردا على المواقف الفرنسية المعادية لإيران، وأبرزها في الملف النووي، وفرض المزيد من العقوبات، كما ورد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”.