صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق ينهض ثقافيا

لطالما قلت إن الثقافة وحدها هي القادرة على إعادة الحياة الى العراق، الذي انهكته الحروب العبثية السابقة واللاحقة. بغداد احتضت في الآونة الأخيرة العديد من الفعاليات الثقافية الجميلة؛ اذكر منها مهرجان بغداد السينمائي الخامس والذي كان لي شرف ان أكون احد أعضاء لجنته التحكيمة، ومهرجان بغداد الدولي للمسرح الأول، ولي شرف ان أكون احد أعضاء لجانه التحضيرية والاستشارية، واليوم ملتقى بغداد للفن التشكيلي، حيث التقى فنانو الداخل بفناني الخارج مع مشاركة عربية جميلة وأنيقة.

في ليلة الافتتاح شعرت بالزهو وأنا أرى العناق الجميل بين من شتتهم منافي الهجرة من أصحاب الدراسة الجامعية، بعضهم قد تواصلت معه عبر الفيس بك مثلا، لكن لي صديقا لم اسمع اخباره منذ عشرين عاما، رأيته يقف امامي ودموعه تسبقه لعناقي، وبدأنا نستذكر سنين الحرب والغربة، وحده معرض اللون جمعنا. قالت فنانة عربية، منعني زوجي من السفر الى العراق خوفا من سيارة مفخخة تنفجر عليّ ذات صدفة، لم اصدق ما أرى، هل انا في العراق الذي نشاهده في نشرة الاخبار؟ قلت لها: نعم، معك حق، فهنالك عراق تسوقه نشرات الاخبار على انه اسوأ مكان للعيش، وهناك عراق حقيقي فيه مسرح وسينما وتشكيل، فيه حياة تنهض بعد كل انفجار هنا او هناك، حياة عجيبة غريبة تشبه حيوات الف ليلة وليلة الإسطورية.

صديقة مصرية ركبت سيارتي وهي ترتعد، بعد جولة صغيرة في شوارع الكرادة نزلت الى الفندق وهي تضحك، لقد شعرت بضحكاتها تسخر من كل ما يقال عن العراق في الخارج. صديق اردني تجول في شارع النهر ظهرا وفي زورق فوق سطح دجلة قائلا هذه احلى لحظات حياتي.

انظر الى الفرح الغامر لحظة افتتاح معرض قاعة مدارات، أرى التجمع الغفير امام قاعة حوار لمشاهدة معرض الطبيعة، يا لقوة الثقافة في احياء الميت من الحياة، الجمال بوجه القبح، هذا ما انا متأكد منه وسأبقى انادي به.

على الحكومة العراقية ان تحول وزارة الثقافة العراقية الى وزارة سيادية بميزانية مساوية لميزانية وزارة الدفاع. لقد قلت لدولة رئيس الوزراء عندما التقى بنا نحن مجموعة من الفنانين: ان العراق يواجه اليوم هجوما عسكريا، هذا يتطلب وزارة عسكرية لمواجهته، وهجوما اعلاميا ثقافيا غريبا بدأ ينشر في مجتمعنا العراقي ثقافة الموت وقطع الرؤوس وإلغاء الاخر ولو بالحرق والدريل، نحتاج الى وزارة تواجه ثقافة الموت هذه.

الثقافة وحدها القادرة على نشر قيم الحب والتسامح والنبل، الثقافة وحدها دون غيرها، قادرة على نشر قيم المواطنة وزرع حب الوطن داخل الانسان العراقي الذي غادر وطنه الحزين جسديا او افتراضيا لمن بقي فيه بعد ان يئس من لغة الموت التي تسطّر تاريخه المعاصر.

نعم الثقافة اهم من السياسة والاقتصاد والأمن، فما معنى ان تكون بلدا متقدما اقتصاديا وثقافة مجتمعك ثقافة استهلاكية اتكالية؟ ما معنى ان تكون متقدما سياسيا وثقافة أبناء البلد ثقافة اقصائية طاردة للاخر؟، ما معنى ان يكون بلدك بلدا آمنا وأبناء البلد لا يدركون أهمية المشاركة في الامن؟

اعتقد ان الحكومة الذكية هي التي تمنح الثقافة اولوياتها، لانها ومن خلال الثقافة فقط، تستطيع توجيه الأشياء الى الاتجاهات التي تريد. 

لنجعل وزارة الثقافة العراقية وزارة سيادية، حتى لو تعاركت عليها الأحزاب السياسية، ففي النهاية تفوز الثقافة على السياسة والمثقف على السياسي، صدقوني.

إقرأ أيضا