أكدت وزارة التخطيط أن نتائج التعداد أظهرت تراجعا في معدل النمو السكاني، مشيرة إلى أن العراق لم يشهد “انفجارا سكانيا”، وعلى الرغم من أن خبراء وأكاديميين اتفقوا مع حديث الوزارة، بيد أنهم أشاروا إلى أن الزيادة السكانية لا تزال مستمرة وهو ما يضع الدولة أمام عجز كبير، لاسيما من ناحية فرص العمل، محذرين من أن الهبة الديموغرافية (عدد الشباب العاملين) ستتحوّل إلى “نقمة”.
وأعلن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أمس الاثنين، أن عدد سكان العراق بلغ 45 مليونا و407 آلاف و895 نسمة، وفق عملية التعداد العام للسكان، التي جرت في البلاد يومي 20 و21 من شهر تشرين الثاني نوفمبر الحالي.
ويقول متحدث وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق ليس إزاء انفجار سكاني بلحاظ أن النتائج الحالية للتعداد كشفت أن هناك تراجعا في معدلات النمو السنوية للسكان، فقد كانت نسبة النمو قبل 10 سنوات 3.3 وانخفضت قبل خمس سنوات إلى 2.5 واليوم أظهر التعداد أن نسبة النمو تصل إلى 2.3”.
ويضيف الهنداوي، أن “هناك تراجعا في معدلات النمو السكاني، وهو ما يجعل الحديث عن انفجار سكاني مستبعدا، إنما هي زيادة طبيعية يشهدها الجسد السكاني، لأن أي جسم حي يبقى يشهد نموا، وحتى متوسط حجم الأسرة في العراق ظهر بموجب هذا التعداد 5.3، وهو الآخر منخفض بعدما كان يصل إلى 6 أو 7 أفراد، إذن هناك تراجع في النمو والخصوبة”.
ويشير إلى أن “المعطيات التي أفرزها التعداد كانت طبيعية ومتوقعة حتى الآن في النتائج الأولية”، لافتا إلى أن “الأرقام التي أظهرها مهمة جدا، فالهدف من هذه العملية الوقوف على الفجوات التنموية ومواطن الخلل والضعف، وأن كل هذه المؤشرات ستكون قاعدة للخطط التنموية التي تضعها الحكومة ووزارة التخطيط”.
ومن المنتظر أن تستمر عملية التعداد لغاية العاشر من الشهر المقبل، لاستكمال حصر مستويات المعيشة والسكن، والتعليم، والصحة، وغيرها.
وذكر السوداني خلال الإعلان عن الحصيلة الأولية لنتائج التعداد، أن سكان الحضر شكلوا 70.3 بالمئة والريف 29.7 بالمئة وأوضح أن عدد الذكور بلغ 22 مليونا و784 ألفا و62 نسمة، بنسبة 50.1 بالمئة، وبلغ عدد الإناث 22 مليونا و623 ألفا و833 نسمة، بنسبة 49.8 بالمئة.
وأشار رئيس الوزراء، إلى أن “الأسر التي ترأسها نساء 11.33 بالمئة والتي يرأسها الرجال 88.67 بالمئة”، مبينا أن “المساكن في العراق بلغ عددها 8 ملايين و37 ألفا و221 مسكنا، موضحا أن “نسبة الدور 92.1 ونسبة الشقق 6.6 بالمئة ونسبة الدور الطينية 4 بالعشرة من المئة”.
وفي قراءة أكاديمية لهذه الأرقام، من جهته، يشرح أستاذ الجغرافية البشرية في جامعة بغداد علي عبد الأمير، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يعتبر أكبر بلدان المنطقة بمعدل النمو السكاني، إذ يصنف من الدول مرتفعة النمو، ورغم أن التعداد أظهر أن هناك انخفاضا في النمو، لكن هذا الانخفاض بطيء” كما يعبر.
ويشير عبد الأمير، إلى أن “حجم السكان الذي أظهره التعداد كان متوقعا، فالتقديرات كانت تشير إلى 44 – 45 مليون نسمة، وعلى الرغم من أن معدل النمو انخفض، إلا أن الزيادة السكانية ما زالت مرتفعة، وهو أبرز ما يواجه التنمية التي ترتبط بالزيادة العددية الكبيرة للسكان، فكلما يزيد عدد السكان تزداد احتياجاتهم، لذا يجب أن يكون هناك نمو موازٍ أو أعلى في الاقتصاد والسكن والخدمات الأساسية وهذا غير موجود”.
ويتوقع أستاذ الجغرافية البشرية، أن “تواجه الدولة العراقية عجزا كبيرا في التنمية خلال السنوات المقبلة، خاصة وأن العجز موجود في الوقت الحالي، لأن الفجوة ستتسع بين الزيادة السكانية والخدمات المقدمة لها”، لافتا إلى أن “هذه الأرقام الجديدة تتطلب وضع خطط، وهذه بدورها تحتاج إلى تكاليف، وهذه واحدة من المشاكل التي تواجه الدولة في المستقبل”.
ويلفت بالقول “ثمة رقم مهم خرج من التعداد، وهو أن عدد السكان في سن العمل بلغ 60.2 وهذا يعني أن العراق دخل في مرحلة الهبة الديموغرافية إذا ما تم استثمارها بشكل صحيح أو إذا لم تستثمر فستسمّى بالنقمة الديموغرافية”، لافتا إلى أن “هذا المؤشر يجعل الدولة أمام تحد كبير وهو تلبية احتياجات السكان من العمل، وهذا إذا ما حدث ستنخفض نسبة الفقر، لكن ذلك يعتمد على سياسات الحكومة والبيئة الاقتصادية وسوق العمل والقطاع الخاص، وإذا لم تستطع الحكومة تأمين العمل فسنتجه إلى مشكلات كبيرة”.
وكان السوداني أوضح، أن “نسبة السكان دون سن العمل أقل من 15 سنة 36.1 بالمئة”، مشيرا إلى أن “نسبة السكان فوق سن العمل 65 فأكثر 3.7 بالمئة”.
إلى ذلك، يجد المختص في إدارة الأزمات علي جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “النتائج الأولية للتعداد السكاني تحمل جملة من التحديات منها أن عدد السكان ازداد بمعدل أكثر من الضعف عن إحصاء عام 1997 الذي كان بحدود 22 مليونا، وهذا الارتفاع مقلق جدا خلال ثلاثة عقود فقط، ويشير إلى انعدام السياسة التنموية لاسيما أن البلاد تفتقد للكثير من المقومات الأساسية في البنى التحتية والخدمية والاقتصادية وغيرها”.
ويضيف جبار، أن “العراق ما زال يعتبر من المجتمعات الفتية، وهذا ما يجعل أي بلد ممتلكا للمحركات الاقتصادية والتنموية الصحيحة التي يمكن استغلالها، ولكن في العراق تحولت هذه الميزة إلى كارثة من ناحية حجم البطالة، مع عدم التوازن بين حجم فرص العمل وهذه الطاقة العاملة، ناهيك عن نوعية هذه الطاقة البشرية التي تعتبر غير مهيأة مهنياً أو مدربة”.
ويتابع أن “قراءات التعداد السكانية أشارت أيضا إلى تفاقم مشكلة السكن التي تعتبر واحدة من أخطر التحديات، ناهيك عن مستويات الخدمات التي تقدمها الحكومات لتغطية الحاجة السكانية خاصة أن الكثافة السكانية في المدن أصبحت كبيرة”، مشيرا إلى أن “التخطيط الحضري الغائب أسهم بشكل كبير في تفاقم مشاكل متعددة الجوانب منها التجاوزات على شبكات الخدمات، وضياع القدرات، والضغط المجتمعي السلبي، والمخاطر والأمراض المجتمعية”.
ويجد الخبير في إدارة الأزمات أن “الإحصاء السكاني أظهر أن حجم الخدمات المتوفرة الآن لا تكفي 60 بالمئة من إجمالي السكان إن كانت على المستوى الصحي، التعليمي، الخدمي وغيره، وعلى سبيل المثال، فإن معدل النمو السكاني 2.3 بالمئة، وهذا يعني أن سكان العراق يزيدون بمقدار أكثر من مليون نسمة سنويا، ونسبة الفئة القادرة على العمل تمثل 60 بالمئة من إجمالي السكان، ما يعني أن العراق بحاجة لأكثر من 622 ألف فرصة عمل سنويا”.
وأجرى العراق آخر تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كردستان.
وكان من المفترض إجراء التعداد السكاني في العام 2007 إلا أن الوضع الأمني في حينها وانتشار التنظيمات الإرهابية والعمليات الانتحارية والهجمات المسلحة التي كانت تستهدف القوات الأمنية والموظفين الحكوميين والمواطنين، وتم إرجاؤه إلى العام 2009، ثم تأجل عشر سنوات دفعة واحدة، وفي 2019 تم إرجاؤه أيضا.