صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

“العرايس”.. أعرق أسواق ديالى يقاوم الاندثار ويشكو “التجاوز”

باليشماغ والعقال العراقي، يجلس رحمن علاوي (73 عاما)، وهو يحتسي الشاي في مقهى شعبي، بين محال تجارية قديمة، وسط سوق بعقوبة (مركز محافظة ديالى)، والذي يحمل اسمين آخرين أيضا: “العرايس” أو السوق المسقّف، منذ إنشاء أولى محاله التجارية في ثلاثينيات القرن الماضي.

باليشماغ والعقال العراقي، يجلس رحمن علاوي (73 عاما)، وهو يحتسي الشاي في مقهى شعبي، بين محال تجارية قديمة، وسط سوق بعقوبة (مركز محافظة ديالى)، والذي يحمل اسمين آخرين أيضا: “العرايس” أو السوق المسقّف، منذ إنشاء أولى محاله التجارية في ثلاثينيات القرن الماضي.

ويقول علاوي، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، إن “السوق الحالي هو امتداد إلى سوق بندر، وسوق الخضر والقصابين، وأطلق عليه سوق العرايس بسبب وجود محال مختصة لبيع مستلزمات الزفاف والزينة”.

ويضيف، أن “هناك عددا من المهن في السوق لا تزال تقاوم الاندثار، كالصناعات اليدوية المرتبطة بالزراعة كالجلاليب والمرواح والفدان والركة والمنجل، وبعض الصناعات الجلدية الأخرى، إضافة إلى المغزل الذي كان يستخدم في تحويل القطن والصوف إلى خيوط من قبل النساء”. 

وتحفل محافظة ديالى بالعديد من الأسواق الشعبية والتراثية، فبالإضافة إلى سوق “العرايس” هناك سوق المقدادية، وسوق الريس، أو كما يطلق عليه في الوقت الحالي سوق العرب، وهو من الأسواق القديمة الموجودة منذ اكثر من 70 عاماً بمدينة بعقوبة أيضا.

خدمات متواضعة، وتغيير خجول يشهده سوق “العرايس”، الذي يفتقر إلى مجاري صرف صحي نظامية، وهي مشاكل أثرت بشكل واضح على مرتاديه.

وتقول أم عادل (63 عاما)، إن “الدخول إلى السوق في بعقوبة، أمر ليس بالهيّن لمن هو في سنّي، بسبب الزحامات التي تحد من حركة المركبات، إضافة إلى التجاوزات على الأرصفة والطرق”. 

وتضيف أم عادل، أن “سوق بعقوبة بشكل عام، لم يتغيّر كثيرا، ولم يتوسع كما هو الحال في أسواق مراكز المحافظات”، لافتة إلى أن “قرب المدينة من العاصمة بغداد، فالطريق لا يستغرق أكثر من 45 دقيقة في السيارة، والتنوع الكبير في الأسواق هناك، أمر ساهم في عدم تطور السوق بشكل ملحوظ”. 

يشار إلى أن سوق بعقوبة القديم لم يتخلص من العوارض الكونكريتية التي وضعت في مداخله بعد تغيير النظام السابق عام 2003 إلا قبل عام من الآن، بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي كانت تعيشها محافظة ديالى، الأمر الذي تسبب بمنع وصول يد الإعمار إليه.

وتزداد معاناة المتبضعين بسبب التجاوزات على الأرصفة والشوارع من قبل الباعة المتجولين، فضلا عن تحولها لحجر عثرة أمام السلطات التي تجد صعوبة في معالجتها، لأسباب “إنسانية” كونها مصدر عيش للكثير من أبناء المدينة، أو لعلاقات تربط المتجاوزين بجماعات ذات نفوذ سياسي.

وهنا، يقول قائمقام بعقوبة عبدالله الحيالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذه التجاوزات تمثل حجر عثرة أمام دخول العجلات الخدمية وكذلك سيارات الإطفاء في حال حدوث حريق في السوق، وهذا الأمر تكرر أكثر من مرة، وتسبب بخسائر مادية كبيرة”.

وكان السوق تعرض لحريق في حزيران يونيو 2022 واتخذت محافظة ديالى إجراءات جديدة على إثره منها إلزام أصحاب مجمعات الملابس بوضع أسطوانات إطفاء الحرائق، وإزالة التجاوزات والبسطات المنتشرة على الطريق التي تكون عائقاً أمام سرعة وصول عجلات الدفاع المدني الى موقع الحريق، ونظم ناشطون حملة لرفع أنقاض سوق بعقوبة جراء الحريق الذي أدى إلى اشتعال أكثر من  150 محلا آنذاك.

ويضيف الحيالي، أن “مداخل السوق فتحت العام الماضي بشكل كامل أمام حركة المركبات، لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن والمتبضعين عموما في الوصول إلى الأماكن التي يقصدونها، إلا أن هذا الأمر لم يتحقق بسبب استمرار التجاوزات، وهو ملف شائك ومعقد”.

ويؤكد قائممقام بعقوبة، أن “السلطات في ديالى عقدت سلسلة لقاءات مع المتجاوزين، وتم توجيه دعوات لهم، لنقل أماكن عملهم إلى المناطق الجديدة التي خصصت لهم، وهي قريبة من السوق، إلا أن هذه الدعوة لم تجد مقبولية كبيرة منهم إلى الآن”. 

ويلفت إلى أن “حملات رفع التجاوزات من السوق تتم بإسناد من الأجهزة الأمنية، ومشاركة الدفاع المدني، إلا أنها تحتاج إلى عمل كبير مستقبلا، بما يضمن إنجاز أعمال إعمار جذرية فيه”.

ومع كل إجراء يتخذ من هذا القبيل، تتباين الآراء، فعقيل هاشم (30 عاما) الذي يمتلك (بسطة) لبيع المواد المنزلية، يرى خلال حديثه لـ”العالم الجديد” أن “رفع التجاوزات أمر لا يمكن اعتباره بالإجراء التعسفي، ألا انه حلقة من سلسلة إجراءات من المفترض أن تنفذها الحكومة وتتضمن إصلاحات اقتصادية وكذلك توفير فرص عمل، أما الواقع الآن، فيحتم علينا العمل في هذا المكان”.

لكن على الجانب الآخر، يقف سلام الكناني (44 عاما) وهو صاحب عربة لبيع الملابس، وعلى محياه غضب واضح، إذ يقول لـ”العالم الجديد”، إن “ربط إعمار السوق القديم برفع التجاوزات وقطع مصدر معيشتنا، امر غير مقنع، فتوفير الطعام ومستلزمات المعيشة بالنسبة لي، أهم من تغيير واقع الحال في هذا السوق”.

ومنذ 2018 تحدث قائممقام بعقوبة عبدالله الحيالي عن اتخاذه بالتنسيق مع كوادر بلدية بعقوبة قرارا “شجاعا” لإنهاء ما أسماه بـ”لعنة التجاوز” في سوق بعقوبة الرئيسي والذي يعد من اقدم وأكبر أسواق ديالى، لافتا إلى أن القرار لم يكن سهلا في ظل تعقيدات التجاوزات والتي تمتد الى مرحلة ما قبل 2013.

إقرأ أيضا