إيران المنتشية بالاتفاق السياسي مع الغرب، تعمل حاليا على إطلاق رسائل مختلفة في كل اتجاه إلى الدول العربية في محاولة لبدء مرحلة جديدة من العلاقات التي تقوم على حُسن الجوار، بينما ما زالت الشكوك تراود البعض من صدق النوايا الإيرانية.
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بدأ مؤخرا جولة دبلوماسية في عدد من دول الخليج، لإزالة الالتباس الذي يعترض العلاقات مع الجمهورية الإسلامية، رافعا شعار حُسن الجوار، وتصفية القضايا الخلافية أو على أقل تقدير تجاوزها خلال المرحلة الراهنة.
التحرك الإيراني يأتي في إطار حملة أطلقتها الدبلوماسية الإيرانية تحت عنوان \”سياسة حُسن الجوار، وإزالة المخاوف\”، وهذه الحملة تضمنت مصر عندما أرسلت إيران رسائل تشير إلى رغبتها في مساعدة المصريين على تحقيق حلم بناء أول مفاعل نووي للأغراض السلمية.
القاهرة وطهران:
موقف مصر من الجمهورية الإسلامية منذ عهد الرئيس السابق حسني مبارك كان واضحا، عندما أكد مبارك في أكثر من مناسبة أن الشيعة العرب انتمائهم لإيران أكثر من أوطانهم.
كما أن القاهرة طالبت إيران باتخاذ عدة خطوات في سبيل عودة العلاقات إلى طبيعتها، منها ما يتعلق بالخطاب السياسي وتصدير الثورة، وما يتعلق بوقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كذلك رفع اسم قاتل الراحل أنور السادات من على أحد أكبر شوارع طهران.
وفي عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، فقد فتحت قاهرة المعز كل الأبواب لعودة العلاقات مع طهران دون قيد أو شرط، حتى كاد أن يتم الإعلان عن رفع درجة التمثيل بين البلدين إلى مستوى السفارة لا ممثلية لرعاية المصالح في الجانبين.
ورغم الموقف الإيراني من دعم الإخوان للمعارضة في سوريا، إلا أن إيران استجابة لخطوات مرسي بهدف عودة العلاقات بين البلدين.
وسقوط دولة الإخوان في 3 يوليو الماضي، والدعم اللامحدود الذي تبديه دول الخليج لمساعدة الاقتصاد المصري للنهوض من كبوته، والموقف المصري المعلن بأن أمن الخليج من أمن مصر، أعاد العلاقات بين القاهرة وطهران إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير2011.
وزير الخارجية المصري نبيل فهمي عبر بوضوح عن الموقف المصري، مشيرا إلى أن ترحيب مصر بالاتفاق الإيراني مع الغرب، ينطلق في اتجاهين، الأول، إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والثاني، أن يكون الجهد المبذول والتحرك الإيراني مؤشرا إيجابيا في سياسة إيران تجاه العالم وبما فيها الدول العربية، خاصة دول الخليج.
الخليج وإيران:
تشعر دول مجلس التعاون الخليجي الست بالقلق من تنامي نفوذ إيران في الشرق الأوسط، وتخشى من مساع طهران لفرض نفوذها على دول المنطقة وإثارة التوتر الطائفي.
إيران تنفي ذلك، وقد أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف رغبة بلاده في فتح \”صفحة جديدة\” مع دول الخليج.
وأوضح خلال جولته في دول الخليج مؤخرا :\”طبيعي أن تحصل خلافات في وجهات النظر بين الجيران، وسنواصل الزيارات لإزالة سوء الفهم في ما يتعلق بكل القضايا، خصوصاً موضوع جزيرة أبو موسى، وسنتحاور مع الأصدقاء في الإمارات لتسوية هذه المشكلة\”.
ولكن هناك هاجس عربي من أن الاتفاق الغربي الإيراني حول المستقبل النووي لطهران، لم يكن ليتحقق لولا جملة اتفاقات غير معلنة جرت بين أطراف الاتفاق وربما على حساب العرب وقضاياهم المفتوحة أو مصالحهم.
وبات السؤال المطروح عربيا، هل قدمت إيران تنازلات في برنامجها النووي الاستراتيجي مقابل الحفاظ على دور في مستقبل المنطقة؟ وهل جهود الغرب لطمأنة العرب كافية لضمان سلام المنطقة وألا يكون التقارب مع طهران خصما من مصالحهم؟.
الغرب يحاول طمأنة العرب:
وصل أمس الجمعة إلى البحرين وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، بهدف طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين بأن الجيش الأميركي سيبقى متواجدا بقوة في المنطقة على الرغم من الاتفاق السياسي الذي تم مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وأكد هيغل خلال كلمته أمام القوات الأميركية المتواجدة في البحرين، \”أؤكد لشركائنا أننا لن نذهب بعيداً… هذه المنطقة خطرة إذ أنها مضطربة وغير مستقرة… ولكن في ظل وجود أميركي ثابت في هذه المنطقة، يمكننا مساعدة حلفائنا وطمأنتهم\”.
وأضاف: \”لن نغير أياً من مواقعنا العسكرية في هذه المنطقة أو في أية منطقة أخرى خلال الأشهر الستة هذه … سنحتفظ … بالمناورات نفسها، والشراكة نفسها وسنولي المصالح الاستراتيجية الاهتمام نفسه الذي كنا نوليه قبل هذه الفترة\”.
وبعض المراقبين يرون أنه من الصعب على الغرب التخلي بهذه السرعة عن الحلفاء العرب في المنطقة، وأن إسقاط العلاقات مع العرب لصالح إيران ينذر بتصاعد التوتر في الشرق الأوسط، وهو ما سينعكس على الأمن والاستقرار الدوليين، كما يهدد بشكل مباشر المصالح الأميركية.
وأنه مهما بلغت درجة التقارب الإيراني الغربي، فطهران لن تكون الشريك الموثوق به في المنطقة.
والاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي بارك أوباما بالعاهل السعودي الملك عبد الله، كان يهدف بالأساس إلى طمأنة المملكة، بعد أن عرض أوباما وبشكل موسع لبنود الاتفاق الذي تم مع طهران، وساق التبريرات المختلفة لهذا الاتفاق.
الخلاصة:
العالم العربي ما زال يخشى السلوك الإيراني في المنطقة والذي ينطلق على أساس إيديولوجي تتمسك به الجمهورية الإسلامية منذ عام 1979 وما يثار عن تأثيرها في توجيه قوى داخلية في عدد من الدول العربية خاصة العراق والبحرين ولبنان واليوم سوريا.
وإيران تتجه إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع العرب، فهل تنجح في أثبات صدق نواياها عند العرب؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة من خلال التغيرات التي تنتظر المنطقة.
*كاتب مصري
**المصدر: AnbaMoscow