تمثل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد تحولا مهما نحو إعادة بناء العلاقات العراقية السورية التي ارتبكت بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفيما رأى مراقبون أن العراق يسعى لمساعدة سوريا في استعادة أمنها واستقرارها، لإيقاف أي تدهور محتمل، توقعوا أن تمهد الزيارة لحضور الرئيس السوري أحمد الشرع إلى بغداد، مرجحين أن يكون تزامن الإعلان عن مقتل “أبو خديجة” القيادي البارز في تنظيم داعش مع زيارة الشيباني، مقصودا.
ووصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بعد ظهر أمس الجمعة في زيارة رسمية إلى بغداد لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، وتعد هذه الزيارة الأولى لمسؤول سوري رفيع في الحكومة الجديدة الى العراق بعد سقوط نظام بشار الأسد.
تحول جديد
ويقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “زيارة وزير الخارجية السوري إلى بغداد أمس، تمثل تحولا مهما نحو إعادة بناء العلاقات، واستمرارا لمحاولات التطبيع التي تأتي في سياق تغييرات إقليمية وتوازنات دولية جديدة، خاصة وأن العراق يسعى لدور وسطي، والتعاون قد يشمل الأمن والتجارة، لكن قيودا دولية لا تزال قائمة”.
ويرى التميمي، أن “نجاح زيارة الشيباني، سوف يحقق تقاربا عمليا، قد يمهد لزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى بغداد، خاصة إذا ما حصلت تفاهمات أمنية وسياسية، فالعراق يسعى لتعزيز دوره كوسيط إقليمي، وزيارة الشرع ربما تعكس تطور هذه العلاقات، لكن نجاحها يعتمد على التوازن بين الضغوط الدولية والمصالح الثنائية”.
وبخصوص استئناف تصدير النفط العراقي إلى سوريا، يجد أن “ذلك ممكن، إذا تحققت تفاهمات سياسية واقتصادية، خاصة مع حاجة دمشق للطاقة، لكن القرار يعتمد على الضغوط الدولية، وخصوصا العقوبات الأمريكية، فإذا تحسن التقارب العراقي السوري، فقد يتم إيجاد آليات غير مباشرة لاستئناف التصدير دون مواجهة عراقيل دولية كبيرة، أو ربما يكون إعادة للأنبوب العراقي السوري لتصدير النفط عبر بانياس”.
من جهته، يعد المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، زيارة الشيباني “بمثابة تأسيس لعلاقة جديدة بين بغداد ودمشق، طال انتظارها لأسباب معروفة، وعلى أساس الأمر الواقع بعد التغيير الدراماتيكي الذي شهدته سوريا، والذي لم يكن للعراق فيه أي دور سلبي أو إيجابي”.
ويذهب حيدر، إلى أن “العراق يرى مصلحته في وقوف سوريا بسرعة على قدميها من الناحية الاقتصادية وإعادة البناء والإعمار، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وهو ما سوف يخدم بدرجة كبيرة مصالح العراق، كون العلاقة بين البلدين كالعلاقة بين الأواني المستطرقة”.
وحول إمكانية زيارة الشرع لبغداد بعد زيارة الشيباني، لا يستبعد “حضور الشرع في قمة بغداد المرتقبة، فالدعوة الرسمية ستوجه له حسب البروتوكولات المعمول بها في الجامعة العربية، وبغداد ودمشق ستتفقان في النهاية على طبيعة المشاركة السورية في القمة”.
ويلفت إلى أن “السوداني أبدى استعداد العراق للمشاركة في إعادة بناء سوريا المدمرة خلال استقباله للشيباني، وأن قرار استئناف تصدير النفط الخام من العراق الى سوريا يصب في هذا المنحى”.
أما المحلل السياسي المقرب من رئيس الوزراء عائد الهلالي، فيتحدث خلال حديث لـ”العالم الجديد”، عن “دلالات متعددة تحملها زيارة الشيباني، على صعيد تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الإقليمي، فهي الزيارة الأولى لمسؤول سوري رفيع إلى بغداد منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول ديسمبر الماضي، مضافا إلى فتحها صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، كانت بوادرها قد بدأت بتلقي الشيباني دعوة رسمية لزيارة العراق في شباط فبراير الماضي بهدف”.
زيارة الشيباني ومقتل أبو خديجة
أما التعاون الأمني بين العراق وسوريا، وتوقيت مقتل أبو خديجة، القيادي البارز بتنظيم داعش، فيرى المحلل السياسي مجاشع التميمي، أن “التعاون الأمني بات أمرا ضروريا بين البلدين لتأمين الحدود، فسوريا تملك معلومات عن تحركات التنظيم، وقد يكون مقتل أبو خديجة، رسالة حسن نية لتعزيز التنسيق الأمني، خاصة وأن بغداد تسعى لاستغلال النفوذ السوري لضرب خلايا داعش، ما قد يعزز التقارب السياسي بين البلدين رغم التعقيدات الإقليمية والخلافات الداخلية العراقية بخصوص سوريا”.
لكن الهلالي، يستبعد ذلك بالقول: “لم تُشر المصادر المتاحة إلى وجود علاقة مباشرة بين مقتل أبو خديجة، وزيارة الشيباني، وبالتالي لا يمكن اعتبار ذلك عربون صداقة من قبل السوريين للعراق دون معلومات مؤكدة”.
أما التزامن بين الحدثين، فيذهب نزار حيدر، إلى أن “مقتل أبو خديجة حدث قبل أكثر من 10 أيام، إلا أن السوداني تحفظ على الخبر ليتم الإعلان عنه بالتزامن مع زيارة الشيباني إلى بغداد لتخفيف حدة الصدمة التي واجهت الرأي العام العراقي وتحديدا أسر ضحايا الإرهاب الذي نشط فيه الجولاني (أحمد الشرع) وقتها زعيما في الجماعات الإرهابية التي تورطت بدماء العراقيين”.
وتزامنت زيارة الوزير أسعد الشيباني مع إعلان رئيس الوزراء السوداني، أن قوات الأمن قتلت زعيما بارزا في تنظيم داعش (أبو حذيفة) الذي وصفه السوداني بأنه أحد “أخطر الإرهابيين”.
ويضيف حيدر، أن “ملف تنظيم داعش الإرهابي يعد واحدا من أخطر الملفات التي تثير مخاوف العراق، ولذلك فإنه أحد أهم الدوافع التي عجلت بقرار بغداد دعوة الشيباني، لزيارتها للاطمئنان على حجم التعاون والتنسيق بينها وبين دمشق للتأكد من أن البلد في مأمن من خطر داعش الإرهابي”.
أحداث الساحل السوري
وفيما يخص إثارة أحداث الساحل السوري خلال تصريحات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في المؤتمر الصحفي المشترك، فيعتقد مجاشع التميمي، أنها “رسالة مزدوجة، تهدف إلى إحراج غير مباشر للشيباني عبر تسليط الضوء على ملف حساس، أو محاولة لامتصاص الغضب الداخلي بتأكيد موقف العراق المستقل، وقد يكون أيضا تبريرا دبلوماسيا للاستقبال، لضمان توازن الموقف بين الضغوط الشعبية والمصالح السياسية للعراق”.
أما الهلالي، المحلل المقرب من رئيس الوزراء، فيرجح أن “تكون إثارة هذا الموضوع بهدف تبرير استقبال الشيباني وامتصاص الاحتقان الداخلي في العراق لو أن هنالك ضغوطا قد مورست على العراق من أجل ذلك، مع التأكيد على احترام حقوق الإنسان والتزام الحكومة العراقية بالقيم الإنسانية”.
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أكد خلال لقائه بنظيره السوري، أهمية “حماية المراقد الدينية”، حيث اتفق الجانبان على ضرورة دراسة مقترح إنشاء المجلس التنسيقي العراقي-السوري المشترك لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
وقال الوزير حسين، إن “ما يحدث في سوريا يؤثر على العراق، لا سيما أن المجتمع السوري، مثله مثل المجتمع العراقي، يتميز بالتعددية والتنوع”، معربا عن أسفه لما وقع في الساحل السوري من أحداث”، داعيا في الوقت نفسه إلى “تجنب خطاب الكراهية لما له من تداعيات خطيرة”.
وأكد الشيباني، أن ما جرى في الساحل “كان له أثر بالغ على الحكومة السورية”، وشدد على “أهمية احترام التنوع في سوريا ورفض أي أعمال عنف”.
والتقى الشيباني خلال زيارته للعراق، رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، ورئيس الحكومة، محمد السوداني، ورئيس البرلمان، محمود المشهداني، ووزير الخارجية، فؤاد حسين، ورئيس الاستخبارات العامة، حميد الشطري، ومستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية العراقية في بيان إن “الجانبين بحثا خلال اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والتطورات الجارية في المنطقة”.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، إنه “جرى خلال اللقاء التأكيد على موقف العراق الواضح والثابت في احترام خيارات الشعب السوري، بكل مكوناته وأطيافه”، كما أكد “الحرص على أمن واستقرار سوريا، الذي ينعكس على أمن واستقرار المنطقة، وبهذا الصدد تم التأكيد على أهمية استمرار المشاورات السياسية والأمنية بين البلدين”.
وأغلق العراق الحدود لأسباب أمنية في أعقاب إطاحة قوات المعارضة المسلحة بالرئيس السابق بشار الأسد في 8 كانون الأول ديسمبر الماضي.
ودعا الشيباني بغداد، خلال مؤتمره مع وزير الخارجية العراقي، إلى إعادة فتح الحدود بين البلدين. وقال الشيباني إن هدف الزيارة هو تعزيز التجارة بين البلدين، وإن إعادة فتح الحدود خطوة أساسية في هذا المسعى، مشيرا إلى أن دمشق مستعدة للتعاون مع بغداد في محاربة تنظيم داعش، مضيفا أن “الأمن في سوريا جزء لا يتجزأ من أمن العراق”.