ليس جديدا حدوث صراع ساخن جدا بين المعسكرين الشرقي والغربي على دولة تفصل بين المعسكرين بحدود طويلة مثل فنلندا التي تمتلك مع روسيا حدودا برية وبحرية تصل لحوالي 1300 كم، لكن الجديد أن تتكشف التفاصيل بالوثائق.. وهذا بالضبط ما أبرزه كتاب Operaatio Kekkonen للباحث الفنلندي “ميكو فيرتا” صدر بالتعاون مع جامعة هلسنكي.
عنوان الكتاب بالعربية يعني “العملية كيكونن”، وكيكونن هو رئيس فنلندا الأشهر الذي استمر بالحكم من 1956 الى 1982، وهي الفترة الأكثر حساسية في الحرب الباردة، يتحدث الكتاب ان الدوائر المخابراتية الغربية ارادت ان تطوق كيكونن بعدد جيد من العناصر المرتبطة بها بحيث يمكنها التأثير عليه وابعاده عن تأثير المخابرات السوفيتية. وفي هذا السياق يتحدث عن سلسلة من الأمثلة التي تخص ذلك الصراع.
ميكو فيرتا يخصص مساحة جيدة من الكتاب لـ”مهرجان الشباب الاشتراكي الدولي” الذي نظم في هلسنكي للفترة “27 تموز ـ 6 آب عام 1962” برعاية سوفيتية، بمشاركة 12 الف شابا قدموا من 137 بلدا بينهم العراق إضافة الى مشاركة 8000 شابا فنلنديا.
دارت حول المهرجان قبل انعقاده واثناء الانعقاد تحركات سياسية، ثقافية ومخابراتية واقتصادية كبيرة جدا بين المعسكر الغربي وبحضور واضح للمخابرات الامريكية والبريطانية وبين المخابرات السوفيتية على الساحة الفنلندية.
يذكر الكتاب ان بريطانيا وامريكا ضغطتا بقوة على فنلندا من اجل منع استضافة المهرجان.. وشنتا حملة دعائية كبيرة عن سلبيات ذلك المهرجان وخصوصا ما حصل في دورة فينا عام 1959.
وحينما فشلت الجهود بمنع الرئيس الفنلندي كيكونن المتحفظ على المهرجان من منع اقامته انتقلت الخطة الى خطوات أخرى، منها مثلا اقامة مهرجان مضاد يروج للبروباغندا الغربية في هلسنكي بدعم من المخابرات الامريكية واستقدم من اجله شباب من خارج فنلندا وبنفس الوقت قامت الدولتان بالتعاون مع جهات داخلية فنلندا بحجز اغلب الفنادق في هلسنكي واماكن الاقامة من اجل محاصرة مهرجان الشبيبة السوفيتي. ذلك ما دفع الشباب اليساريين الى فتح بيوتهم من اجل احتضان الضيوف.. كما استقدم السوفيت باخرة كانت بمثابة فندقا عائما في ميناء هلسنكي.
الشحن المتبادل بين المهرجانين دفع الشباب الى مصادمات في شوارع هلسنكي في بعض الأوقات مما اضطر الشرطة لاستخدام الغاز المسيل للدموع.
إن الأهداف المعلنة للمهرجان نبيلة جدا، حيث تولدت فكرة المهرجان من اجل معالجة تداعيات الحرب العالمية الثانية، الشباب الطاقة الفاعلة في كل مجتمع والتي تشكل نصف حاضره وتمام مستقبله يساهمون من مختلف البلدان بفعاليات مختلفة يعيشون هما انسانيا واحدا وبهذا الدافع اقيمت اول دورة للمهرجان عام 1948 في براغ. وتلتها الدورات اللاحقة في بلدان اخرى.
لكن اهداف المهرجان المعلنة وما يتحقق فيه من اجواء انسانية جميلة ليست كافية لعدم التشكيك بدوافع المهرجان سواء في دورته بهلسنكي او حتى فكرة المهرجان اساسا، ومع ان الجهة المنظمة للمهرجان هي اتحاد الشباب العالمي بالتعاون مع منظمات اخرى لكن ينظر اليه كثير من المتابعين من زاوية كونه اداة سوفيتية وظفت الفن، الرياضة والثقافة في خدمة الحرب الباردة وصراع النفوذ.