صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العنف الأسري في العراق.. الى أين؟

كثر الحديث في السنين الأخيرة عن قضية سوء معاملة الأب لأبنائه، ما يجدد دق أجراس الخطر، تجاه قضية ضرب الأبناء وإساءة الوالد في العقوبة، بعيداً عن حقه في أن يؤدب الابن إذا عصى أو أساء الأدب، وفق الضوابط الشرعية والنصائح التربوية. والملاحظ أن بعض الآباء قد يسيؤون جداً في استخدام هذه الوسيلة، كأن يضرب أحدهم على الوجه أو الرأس، أو الضرب بالعصا والحزام والأسلاك.

كثر الحديث في السنين الأخيرة عن قضية سوء معاملة الأب لأبنائه، ما يجدد دق أجراس الخطر، تجاه قضية ضرب الأبناء وإساءة الوالد في العقوبة، بعيداً عن حقه في أن يؤدب الابن إذا عصى أو أساء الأدب، وفق الضوابط الشرعية والنصائح التربوية. والملاحظ أن بعض الآباء قد يسيؤون جداً في استخدام هذه الوسيلة، كأن يضرب أحدهم على الوجه أو الرأس، أو الضرب بالعصا والحزام والأسلاك.

إن استخدام الآباء العنف ضد الأبناء يكسر الإنسان بداخلهم ويشعرهم بالمهانة وعدم تقدير الذات، وهو ما يؤثر في ثقة الشخص بنفسه وقدرته على النجاح، فضلاً عن تردده الدائم عن اتخاذ أي قرار، أو تبنيه لموقف، إيثاراً للسلامة أو خوفاً من الإيذاء، فينشأ الفتى عاجزاً عن إدارة حياته وبلا موقف، كما أن مشاعره تظل حبيسه بداخله لا ترى النور، وليس ذلك عن رغبة منه بل خوفاً ممن حوله، مما يسبب العديد من الأمراض النفسية مثل العزلة والانطواء أو عدم الثقة فيما حوله.

تجارب

دائما ما يصر أبي على معاقبتي بشدة وإهانتي بشتى الطرق؛ حتى ولو كان الخطأ الذي ارتكبه ليس فادحاً، هكذا يقول أنور علي، “12 عام”.

ويضيف علي،  كثيراً ما ألجأ إلى عمتي عند معاقبتي، فهي بالنسبة لي الصدر الحنون واعدّها عوضاً لي عن حنان والدي الذي أفتقده بسبب شدته معي وضربي دائماً، موضحاً، أن “لجوء والدي إلى ضربي يعود الى أنه كان يتعرض للضرب بشدة من قبل والده جدّي”.

آثار نفسية

يقول الطبيب النفسي، عماد حسين، إن تعرض الأطفال للإيذاء له تأثير نفسي عليهم، فقد يؤثر في نموهم أو توافقهم العاطفي والاجتماعي والسلوكي، ومثل هذه التأثيرات قد تكون قصيرة أو طويلة الأجل، وذلك بحسب شدتها وتكرارها.

ويضيف، لوحظ أن كثيراً من الأطفال الذين يؤذون من قبل والديهم يفتقدون الدفء والمحبة والعاطفة التي يشعر بها نظراؤهم الذين لم يتعرضوا لمثل هذه الأمور، بالإضافة إلى تعطيل تطور ونمو العلاقة الحميمية والمودة بين الوالدين وأطفالهم، مشيراً الى أن الضرب له آثاراً نفسية ضارة، فحوادث العنف التي يرتكبها الكبار ضد الأطفال مهما كانت صغيرة فإنها تترك أثراً نفسياً عميقاً يتراكم مع استمرار الاعتداء بالضرب على الطفل، خاصة إذا كان الضرب على الوجه.

ويُزيد، إن مثل هذا الضرب يدخل الأطفال في غضب عاطفي هائل يجعلهم غير قادرين على تعلم دروس الكبار والاستفادة منها، مع الجرح العميق الذي تتركه مثل هذه الضربات ولعلَّ ذكر بعض الآثار يعطي الآباء تصوراً لما يمكن أن يحدثه العنف مع الأطفال، وأول ذلك فقدان الثقة

عناد الأطفال

هدى محمد، باحثة أسرية تقول، ضرب الأبناء أسلوب يتبعه الكثير من الآباء في تربية أبنائهم، معتبرين ذلك الطريق الأفضل والأقصر للوصول إلى أبناء «جيدين»، لكنهم مع مضي السنين يكتشفون عظم الخطأ الذي ارتكبوه بهذا النوع من التربية التي تنعكس نتائجها بشكل سلبي على كل أفراد المنزل وحتى على التحصيل العلمي لدى الأطفال في المدارس.

وترى محمد، أن اعتماد الضرب وسيلة وحيدة في تربية الأبناء من شأنه أن ينتج في النهاية أطفالاً عنيدين وعدوانيين في الوقت نفسه، لافتة إلى أن الكثير من الأطفال الذين يتعرضون للضرب يحاولون ممارسة هذا السلوك على من هم أصغر منهم داخل المنزل، كما أن عادة ضرب الأبناء تعمل على إيجاد جو متوتر داخل المنزل، مضيفةً، “أثبتت الكثير من الدراسات أن هذا النوع من الأطفال انخفض أداؤهم التعليمي بشكل كبير جداً بفعل ما يتعرضون له من ضرب متواصل، كما أنه ينتج في النهاية أبناء ذوي شخصية ضعيفة، وغير قادرة على التعامل مع المجتمع، كما أنهم لن يكونوا قادرين على اتخاذ قرارات بمفردهم، وستكون حياتهم أشبه بالمعقدة”.

وتابعت، “بالإضافة إلى أن هؤلاء الأبناء قد يتحولون في مرحلة ما إلى أشخاص لا مبالين، فربما يلجأ الأب إلى ضربهم بهدف تربيتهم، لكن مع تكرار الضرب تنقلب الأمور، ويصبح الطفل غير مبالٍ، وهو يدرك أن أي خطأ سيقوم به ستكون نتيجته الضرب بالعصا أو بغيرها، وينتهي الأمر، ويكون الطفل قد اعتاد على ذلك”.

مستقبل قاسٍ

مصطفى رياض «وهو مواطن» يقول، ان “هذه الظاهرة (العنف الإسري) بالتأكيد هي ظاهرة مستهجنة وغير صحية، تدفع بالمعنفين الى مستقبل يفرض القسوة على لغة العقل، وممارستها من قبل الاهل لم تأتي من فراغ، هي نتيجة لتراكمات سابقة، ولعلاج هذا الامر نحتاج الى ثقافة قانونية مجتمعية تستند الى تشريع قانون العنف الاسري، الذي يماطل مجلس النواب بالتصويت عليه، بحيث يعرف رب الاسرة ان هناك ردعا لاستخدام العنف، واضف الى هذا دور منظمات المجتمع المدني المعنية بالاسرة، فهي مطالبة بنشر ثقافة منع العنف الاسري”.

حلول قانونية

قانونياً تؤكد سرى الشمري، إن “من الحلول الواجب إتّباعها للحد من العنف الأسري هو (الوعظ والإرشاد الديني فهو مُهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسرى، إذ أنّ تعاليم الدين الإسلامي تُوضّح أهمية التراحم والترابط الأسري، كذلك تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون الى الأسر التي ينتشر فيها العنف، نشر الوعي الأسري بأهمية التوافق والتفاهم بين الوالدين وأهمية دورها في قيادة الأسرة وسلامتها كذلك بأهمية إستخدام أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة ومضامينها المُناسبة في نمو الأطفال نموّاً سليماً من جوانب شخصياتهم النفسية والاجتماعية وضرورة تناسب تلك الأساليب مع خصائص مرحلة الطفولة المُتتابعة.

وتضيف الشمري، ويحبّذ توجيه طرائق التدريس في المدارس بمختلف مُستوياتها بشكل يُساعد على تكوين التفكير العلمي لدى التلاميذ وتدريبهم على الاستدلال الجماعي السليم، ترشيد زواج الشباب المُبكّر، تحسين الظروف المعيشية لكافّة الأسر وتوفير فرص عمل مُناسبة لجميع القادرين عليه وتوسيع نطاق الخدمات المُقدّمة للأسر وضمان صحّي للكبار وسكن مُناسب وذلك لتفادي وقوع أي نوع من المُشكلات الأسرية حتى تتمكّن الأسر من التكيّف مع المُتغيّرات التي تطرأ بفعل الزمن.

وتقول، كذلك يفضّل الاستعانة بوسائل الإعلام وقادة الرأي العام ومُنظمات المجتمع المدني لتحقيق ديمقراطية الأسرة وتوزيع السلطة لمُحاولة تغيير المفاهيم التقليدية كالسيطرة والطاعة العمياء وتوضيح آثارها السلبية الى جانب الآثار الضارّة المُترتّبة على الإهمال والتراخي”، مضيفةًً، “هنالك مكتب (العنف الأسري) الذي أستحدث في كل المحاكم العراقية والذي يستقبل يومياً عشرات النساء والأولاد المُعنّفين وهو بحاجة الى تفعيل أكبر ومدّه بمختصّين في علم الإجتماع وعلم النفس والذين يُشكّلون نواة إصلاح الأخطاء المُرتكبة والتي تُؤدّي للعنف”.

البرلمان يعترض

وعن دور البرلمان في التصدي لهذه الظاهرة، قالت رئيس لجنة الأسرة والمرأة والطفولة في البرلمان العراقي “لمى جواد الحلفي” في تصريح سابق، “إن قانون الحماية من العنف الأُسَري جاهز، وتمت قراءته مرتين في البرلمان، ويحظى بموافقة الكتلتين السنية والكردية، ولكنه يواجه معارضة من التحالف الوطني؛ بدعوى وجود أفكار غربية في القانون لا تتلاءم مع مجتمعنا الشرقي”.

وتابعت الحلفي، أنهم قاموا بإشراك لجان برلمانية، منها القانونية، والأوقاف، وحقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني، في دراسة وتعديل القانون، حتى وصلت عدد هذه التعديلات إلى خمسة جرت مع مجلس شورى الدولة، ولكنها لم تصل إلى الصيغة التي يوافق عليها التحالف الوطني.

وبخصوص الخلافات على القانون من قِبَل التحالف؛ بينت، أنها تتمحور على توصيف مراكز إيواء النساء، وهل يتم وصفها بهذا؟ أم بتسمية “الملاذات الآمنة”؟، وهل تكون تبعيتها لوزارة العمل؟ أم لوزارة الداخلية؟، لافتة إلى أن الخلافات طالت حتى تسمية القانون بين المكافحة؟ أم المناهضة؟.

ومع يقينها بأهمية القانون، وحاجة المجتمع العراقي في الفترة الراهنة إليه إلا أن «الحلفي» تبدو غير متفائلة بإمكان إقراره خلال الدورة البرلمانية الحالية؛ بسبب الاعتراض عليه وعدم حصول التوافق بشأنه، وهو أمر تؤكد أنه لابد من توفيره، حتى يرى أي قانون النور داخل قبة البرلمان.

تحذير دولي

جدير بالذكر، أن منظمةُ “هيومن رايتس ووتش” طالبت في وقت سابق، البرلمانَ العراقي بتحديد عقوبات خاصة بـجرائم العنف الأُسَري، وإلغاء البنود التي تقدّم الصلح على العدالة، مع تعزيز تدابير الحماية الخاصة بالضحايا في مشروع قانون مناهضة العنف الأسري.

وحذرت المنظمة في مذكرة أرسلتها إلى رئيس البرلمان العراقي وقتذاك، من أن العنف الأُسَري مازال يمثل مشكلة كبيرة في العراق، الذي عليه التزامات تتصل بالقانون الدولي لحقوق الإنسان بمنع هذه الانتهاكات والتعامل معها، مشيرة إلى أن الإحصاءات المثبتة تُظْهِر تعرض واحدة من كل خمس نساء عراقيات للعنف الأُسَري والبدني.

وتابعت المنظمة، إن وجود قانون قوي خاص بـالعنف الأُسَري من شأنه المساعدة على إنقاذ أرواح النساء العراقيات، مشددةً أن على البرلمان العراقي أن يضمن إدراج بنود أساسية في النصّ النهائي للمشروع، لمنع العنف الأُسَري وحماية الناجيات وملاحقة الجناة.

وأخيراً، يبقى إتّساع ظاهرة العنف الأسري في العراق بتدهور الوضع الأمني والاقتصادي والقوّة المُحرّكة لذلك العنف، صورة مُصغّرة لمشهد أوسع يكاد يضع تلك القوى الأساسية في المجتمع تحت ضغط من ضرورة المُراجعة ودق ناقوس الخطر.

إقرأ أيضا