بات العنف الإلكتروني أكثر وطأة على المرأة في العراق، حتى أصبح يشكل النسبة الأعلى من مجمل أنواع العنف الذي تتعرض له، مع غياب الحلول والمعالجات، سواء من قبل الجهات المعنية أو المنظمات النسوية، فيما أرجع متخصصون ما يجري لأسباب اجتماعية وغياب رقابة الوالدين وعدم وجود ثقافة قانونية لدى النساء والفتيات.
ويقول مدير قسم العلاقات العامة في الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية عبد الحافظ هادي الجبوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العنف الرقمي أو ما يسمى بالابتزاز الإلكتروني، يعد من أكثر أنواع العنف شيوعاً في الوقت الحاضر، حيث تبلغ نسبة الفتيات والنساء المتعرضات للتعنيف الرقمي أكثر من 90 بالمئة من نسبة ضحايا التعنيف”.
ويضيف الجبوري، ربت تلأن “سبب تزايد العنف الرقمي، يعود إلى سوء استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي ما تعرف بالأمية الإلكترونية، وكذلك تعويل الكثير من المواطنين والمراهقين على العلاقات الشخصية عبر الفضاء الإلكتروني، وانعدام وضعف رقابة أولياء الأمور، فكل ذلك أدى إلى ازدياد حالات الجرائم الإلكترونية”، مبينا أنه “رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات الامنية المختصة كالشرطة المجتمعية ومديرية مكافحة الجرائم الإلكترونية وجهاز الأمن الوطني للحد من هكذا جرائم، لكن يبقى وعي المواطن وتعزيز ثقافة الإبلاغ، كفيلان بتحصين المجتمع وحمايته ضد هذه الظواهر الاجتماعية السلبية”.
ويلفت إلى أن “الشرطة المجتمعية تمكنت خلال الأشهر العشرة من العام الحالي، من إيقاف ومعالجة أكثر من 1350 حالة ابتزاز إلكتروني، وكان 90 بالمئة منها ضحاياها هم من النساء والأطفال”.
وكان رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي، أصدر أمس الأول الثلاثاء، بيانا أكد فيه أن العنف الرقمي الذي تتعرض له النساء ينتشر على مختلف منصات التواصل، إلا أن التطبيق الذي يحتل المرتبة الأولى في انتشار العنف الرقمي حسب تقرير لمنظمة أنسم الرقمية، كان الفيسبوك بنسبة 18.3 بالمئة، والماسنجر الخاص فيه بنسبة 8.5 بالمئة، يليهما تطبيق انستغرام بنسبة 17 بالمئة، وبعدها كانت النسب متقاربة في التطبيقات الأخرى مثل واتساب بنسبة 7 بالمئة، ثم تليجرام وتويتر بنسبة 5.6 بالمئة لكل منهما.
وبحسب بيان الغراوي أيضا، الذي كان سابقا، عضو مفوضية حقوق الإنسان، فأن معدلات العنف الرقمي والتنمر الإلكتروني والابتزاز والاتجار بالبشر ضد النساء في العراق ارتفع بشكل كبير في عامي 2022 و2023، محذرا من زيادة كبيرة جدا في مؤشراته.
وكانت الشرطة المجتمعية، أعلنت في شهر أيلول سبتمبر الماضي، عن إيقاف 14 حالة ابتزاز خلال عشرة أيام فقط.
وخلال العام الماضي، سجل العراق وفق إحصاء كشفت عنها مديرية الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، 1950 حالة ابتزاز إلكتروني معظم ضحاياها من النساء، من بينهن فتيات في سن المراهقة وأطفال دون سن 14 عاما.
من جانبه، تبين عضو رابطة المرأة العراقية سهيل الأعسم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البلد حاليا في حملة الـ16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة، ورغم هذا نجد هناك إجحافا كبيرا للمرأة العراقية على صعيد العنف الرقمي والابتزاز الإلكتروني والعنف الجسدي والاقتصادي والنفسي، فهي ما تزال المتضررة الأولى من الأحداث المتسلسلة من الحروب والانتهاكات”.
وتلفت إلى أن “الناشطين ومنظمات المجتمع المدني، يسعون منذ عام 2011 لتمرير قانون نافذ يضمن حقوق النساء، لكن بصريح العبارة جاء الرد من قبل الجهات المعنية: ماذا تريد المرأة بعد كل هذه الحقوق، فهل تريد قانون خاص بها”، مبينة أن “المرأة العراقية شغلت في الدورة الاخيرة من البرلمان نحو 93 مقعدا، ومنذ عام 2005 وللآن لم تحدث أي مناهضة للعنف الأسري، فما يجري هو اختيارها في البرلمان لسد فراغ فقط دون أن يتم الاستعانة بنساء يتمتعن بالكفاءة والخبرة”.
وتجد الأعسم أن “الحل الأمثل لمعالجة المسألة، هو أن يتم الاسراع بتشريع قوانين للحماية من العنف الأسري والقضاء على البطالة المتعلقة بجعل الفرد يتخبط للبحث عن عمل، وأن كان بطريقة غير مشروعة مثل المتاجرة في بالأعضاء البشرية أو المخدرات”.
وكانت رئاسة الجمهورية قد ارسلت في ايلول 2019 قانون مناهضة العنف الاسري الى مجلس النواب لغرض تشريعه، لكن تم تأجيله لاكثر من مرة.
ويعود سبب تأجيل اقرار القانون الى اسباب تتعلق بالشريعة الاسلامية، حيث اعترضت بعض القوى السياسية “الاسلامية” على بنود القانون، في وقت شهد تأييد القوى العلمانية في المجلس.
ومن وجهة نظر إسراء طارق، رئيسة مؤسسة هي للتنمية الثقافية والإعلامية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، فأن “العنف تجاه النساء ما زال في تزايد، وذلك لضعف تنفيذ القوانين الضامنة لحقوق النساء وجهل النساء بالقوانين والإجراءات القانونية”.
وتفصح طارق، أن “البيئة المجتمعية هي أيضا سبب في تحجيم النساء ودورهن وارتفاع حالات العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبطبيعة الحال، فأن النساء هن الأكثر تضررا من العنف، ولا ننسى أن العراق بلد حديث الديمقراطية، ويحتاج إلى تأهيل وتدريب وبناء قدرات حول كيفية التعامل مع متطورات العصر”.
وتؤكد على ضرورة “نشر التوعية القانونية من خلال استخدام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وتسهيل الاجراءات عند الإبلاغ عن حالات العنف، وتقليل ذهاب النساء إلى مراكز الشرطة وغيرها، هي من الأمور التي تساهم بالحد من هذه الحالات”، مضيفة “هناك ضرورة للضغط على المشرع العراقي لتشريع قانون الجرائم الإلكترونية بصيغة معتدله تتماشى مع حقوق الإنسان والمعاهدات والمواثق الدولية وتكون العقوبات تعادل الجرم المرتكب”.
وما زالت المرأة في العراق تعاني من ضغوط اجتماعية كبيرة، إذ أن نسبة كبيرة من النساء لا يملكن حق اختيار الزوج أو إكمال الدراسة أو العمل، بموجب الأعراف والتقاليد السائدة، ما يوقع كثيرا منهن في ظروف عائلية ونفسية صعبة للغاية تدفعهن أحيانا إلى الهرب، بحثا عن حياة أفضل.
إلى ذلك، تفسر الباحثة الاجتماعية شهرزاد العبدلي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، سبب تفاقم الجرائم الإلكترونية بـ”إتساع الفجوة والصلة بين أفراد العائلة، وخاصة البنات ما يعرضهن للإبتزاز”.
وتؤكد أن “عدم إبلاغ الفتيات عند تعرضهن لهذه الجرائم، هو بسبب خوفهن من عقوبات الأهل، والتي قد تصل إلى القتل أحيانا”، مبينة أنه “لا يمكن السيطرة أو الحد من الابتزاز من خلال غلق مواقع التواصل الاجتماعي، بل يجب الاستعانة بالشرطة المجتمعية وبسرية تامة للحد من هذا الأمر”.
يذكر أن “العالم الجديد” سلطت الضوء على الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في أماكن العمل، وخاصة في المعامل التي تقع بأطراف المدن، حيث تعمل نساء وفتيات بمختلف الأعمار وبمستويات ثقافة وتعليم متدنية، ما يشجع أرباب العمل على استغلالهن جنسيا.