يتم تقويض الديمقراطية الهشة في العراق، بأحكام الإعدام الصادرة ضد العشرات بعد الاعترافات المنتزعة منهم بالإكراه.
بهذه الأحكام الجزمية، يبدأ الباحث سمير جوسوامي، مقاله في صحيفة الغارديان البريطانية عن ارتفاع نسبة الاعدامات في العراق، التي يرى أنها أصبحت عنصرا رئيسا في استراتيجية مكافحة الإرهاب ببغداد، معتبرا ذلك أمرا خاطئا، لأن العنف في نظره تدابير يائسة، سرعان ما تزدهر في ظلها أصداء الجريمة بسبب تراجع العدالة والإجراءات القانونية الواجبة ومبادئ حقوق الإنسان التي بدأت بالتآكل.
يقول جوسوامي \”في ظل الموجة الدامية التي تمر بالعراق في الآونة الأخيرة من أعمال العنف، تظهر إحصائية أخرى مقلقة في هذا العام، حيث نفذ العراق الشهر الماضي فقط، ما يقارب الـ70 حالة إعدام لأشخاص متهمين بأنشطة ذات صلة بالإرهاب، بما في ذلك 17 من النساء\”.
ويذكر \”ينبغي إلغاء عقوبة الإعدام في كل مكان، بما في ذلك في الولايات المتحدة، خصوصا في العراق، إذ يبدو أن عقوبة الاعدام أصبحت عنصرا رئيسا في استراتيجية مكافحة الإرهاب ببغداد، وهذا الاتجاه خاطئ\”.
ويشير الباحث الغربي الى أن \”تقرير منظمة العفو الدولية أظهر مؤخرا، أنه في العام 2012، نفذ الجلادون العراقيون الحكم بحق 129 شخصا على الأقل، أي ضعف العدد الذي سجل في هذا العام تقريبا، ما يضع العراق في المرتبة الثالثة بين البلدان التي تستخدم عقوبة الإعدام، لتأتي الولايات المتحدة خامسة\”.
ويلفت الى أن \”احصائيات التقارير تبين أن أكثر من 1000 شخص قتلوا في الهجمات الطائفية والإرهابية في تموز يوليو الماضي وحده، فمن السهل أن نفهم لماذا السلطات العراقية قد تسعى الى تدابير يائسة، لكن العنف يزدهر في ظل تراجع العدالة والإجراءات القانونية الواجبة، وحقوق الإنسان التي بدأت بالتآكل فعلا\”.
ويقول العضو المنتدب في منظمة العفو الدولية في مقاله أيضا إن \”استمرار دوامة العنف التي تنص على إعدام الناس لا تؤدي إلا لمزيد من تآكل الثقة في قدرة الحكومة على حماية مواطنيها، وخصوصا ان مؤسساتها لا ترقى إلى المعايير الخاصة بها\”.
ويردف \”ببساطة فان الالتزام بسيادة القانون يرتكز على مبادئ حقوق الإنسان التي يمكن أن تساعد في منع العنف، خاصة بالنسبة للحكومات الهشة التي تحاول زرع الثقة في مسؤولياتهم\”، مشيرا الى أن \”صراع الحكومة العراقية مع هذه المعضلة في نظام العدالة الجنائية، إنما يتجلى بشكل معيب للغاية، حيث أن أحكام الإعدام أصبحت شائعة، وانتهاكات حقوق الإنسان والعقوبات الشديدة من جميع الأنواع أصبحت القاعدة السائدة\”.
وينوه كاتب المقال في الغارديان بالقول \”في مايو العام الماضي، قدمت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، وكشفت عن تحفظات جدية حول نزاهة نظام العدالة الجنائية في العراق، بما في ذلك انتهاكات إجراءات التقاضي السليمة، والإدانات بناء على اعترافات بالإكراه، وضعف القضاء وتفشي الفساد مع وجود إجراءات المحاكمة التي لا ترقى بالمعايير الدولية\”.
ويقول سمير جوسوامي \”من خلال شبكة التحرك العاجل خلال 40 عاما، والتابعة لمنظمة العفو الدولية، تابعت مثل هذه الحالات، والتي ساعدت النشطاء المناهضين للفصل العنصري في جنوب أفريقيا والطلاب في سورية، ودعاة الحقوق الإنجابية في الصين، حيث توفر آلية للضغط على الحكومات في جميع أنحاء العالم إضافة الى وقف عمليات الإعدام ودعم المحاكمات العادلة، وتسعى شبكة التحرك العاجل لتسليط الضوء على حالتين حادة بشكل خاص في العراق\”.
ويضيف \”ففي ديسمبر 2011 وبعد محاكمة جائرة، حكم على أسامة جمال عبد الله المهدي بالاعدام بعد \”اعترافه \” الذي يزعم انه انتزع منه تحت وطأة التعذيب، وهناك بعض الدلائل على أن السلطات قد نقلت الآن هذا الشخص وهو أب لطفلين إلى سجن الأمن الأقصى والمعروف عنه سجن تنفيذ أحكام الإعدام، ولا يزال مصيره غير مؤكد\”.
ويشير الى أن \”هناك عبد الله القحطاني الذي حكم في وقت سابق من هذا العام وكان يبلغ من العمر 22 وهو مواطن سعودي، اعتقل في البداية في العراق لانتهاكه قوانين الهجرة، و تدعي السلطات أنه اعترف بارتكاب الجريمة من سرقة وقتل صائغ لتمويل الأنشطة الإرهابية، ولكن محامي عبد الله لديهم أدلة دامغة على أن هذا \”الاعتراف\”، أجبر عليه من خلال التعذيب الوحشي، ويذكر انه كان في الواقع محتجزا بسبب انتهاك قوانين الهجرة في الوقت الذي يزعم فيه عملية السطو والقتل التي حدثت\”.
ويتابع العضو في منظمة العفو الدولية، بالقول \”من خلال شبكة التحرك العاجل لمنظمة العفو الدولية، انضم النشطاء في شتى أنحاء العالم، وأرسل أكثر من 60 ألف خطاب إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، مطالبين فيه بإنقاذ حياة عبد الله، وحصوله على محاكمة عادلة، ولا يزال على قيد الحياة – في الوقت الراهن\”.
ويذكر ان \”كلا من أسامة وعبد الله هي حالات يعج بها العراق، وتشير إلى العيوب العميقة في نظام العدالة الجنائي في العراق، وإظهار مدى خطورة الوضع هو سماح الدولة بالقدرة على إلحاق العقوبة التي لا يمكن التراجع عنها\”، مردفا \”بعد عقود دائمة من حكم صدام حسين الوحشي، والحروب، وسنوات من العقوبات القاتلة، أصبح للشعب العراقي بالتأكيد الحق بنظام عدالة نزيه، وعبد الله وأسامة يستحقون الافضل كذلك\”.
ويخلص الكاتب الى القول \”إذن فان القضاء بحاجة الى متدربين تدريبا جيدا، للوصول إلى أنظمة عدالة شفافة، وآليات قانونية لإجراءات واجبة تشير إلى التزام الحكومة بحماية حقوق الإنسان وهي اللبنات الحاسمة التي يمكن أن تقلل من التعرض لجميع أشكال العنف\”، مختتما مقاله بالقول إن \”لدى العراق طريقا طويلا لابد من تأمين السلامة الأساسية له ولسكانه، وأول خطوة هي إلغاء عقوبة الإعدام وضمان أن الأفراد مثل أسامة وعبد الله، لا يجوز تعذيبهم لغرض الاعتراف بجرائم ربما لم يرتكبوها، وهذه بداية جيدة للبدء\”.
الغارديان: الاعدامات في العراق تدابير يائسة تؤدي الى ارتفاع العنف بسبب تراجع العدالة والقانون
2013-09-19 - تقاريرنا