كل ما قلناه طيلة السنتين المنصرمتين، يتبلور على هيئة حقائق اليوم، حقائق تتسلق بعض التقارير الاستخبارية، والبرقيات الدبلوماسية، والكثير من التسريبات.. إذ يبدو ان العالم اليوم يعيد النظر بالخارطة الإقليمية، بشكل أكثر شراسة من كل ما جرى في السنوات الماضية. وهذا يحتم صعود قوى وهبوط أخرى، واستمرار عمليات السطوع والأفول على كامل الجغرافيا الإقليمية. ويبدو أن المثلث المحصور بين دمشق والرياض وبغداد، هو المثلث الأكثر فاعلية في هذا الحراك. فـبحسب خبراء كان الحائط السوري، هو المتسبب في الصدمة الإقليمية، وهو من يعيد اليوم تشكيل المعادلة القادمة، حسب نتائج الصراع الدموي السوري/الجهادي.. حيث أخرج هذا الصدى \”الدوحة\” من حلبة الصراع، الى حلبة التبادل، والرسائل السرية، وربما الى الإعتراف قريبا، بانسحاب قطري من المحور المجاهد، باتجاه دور أكثر نعومه، وهكذا الحال في تركيا، التي تشهد استعادة العسكر لأوراق اللعبة، وسعي حثيث للجنرالات باتجاه السيطرة على القرار السليب، فيما تشهد السعودية، لأول مرة تقسيما إداريا غريبا.. أدى الى تقسيم الجغرافيا السعودية سرا \”حتى الآن\” الى خمس مناطق إدارية، هي الشرقية، والغربية، والوسطى، ونجران الكبرى، إضافة الى منطقة جده..\” وهو الأمر الذي يفضح طبيعة الصراع داخل البيت السعودي، واشتداد أوراه، بعدما ظهرت علامات اقتراب موت الملك السعودي، وبداية إنهيار \”ولي العهد\” الذي تقول التسريبات بعزله قريبا، فيما يغيب سعود الفيصل عن المشهد، وربما ستشهد الأيام المقبلة إزاحة بندر بن سلطان، مما يعني تحولا سعوديا كاملا في الإدارة، الأمر الذي سيفرض ولادة قوى مختلفة ربما ستنتهج نهجا مغايرا، الأمر الذي سيفضي بالتأكيد الى عزل السعودية في المشهد السوري، وضمور جبهتها بعدما تداعت الجبهة التركية/القطرية… وهذا يعني، انفراد قوى الممانعة في المشهد السوري، وانهيارات بالجملة في جبهة الحرب للقوى الأصولية، وربما سنشهد قريبا، تداعيات هذه الجبهة بشكل يحدث صدى مدويا في الأوساط الدولية، مما يعني انهيارا مقابلا لجبهة الائتلاف السوري، وتبددا لأحلام ساستها.. سيما بعدما شملتهم \”هيومن رايت ووتش\” بسلسلة من الاتهامات في تقريرها الذي تجول في كل العواصم الغربية، قبل صدوره مجردا من هذه الاسماء، لكن أصل التقرير بقي في \”واشنطن\” ليشكل ضغطا أمريكيا ودوليا على هؤلاء الساسة، ومنهم \”ميشيل كيلو، جورج صبرا، أحمد الجربا.. وغيرهم\” وهذا يعني، استبعاد هؤلاء من المشهد باعتبارهم ارتكبوا جرائم حرب أو مولوها، أو اصدورا الأوامر للقيام بها/ والمرتكز هنا \”معركة اللاذقية\” التي راح ضحيتها المئات من المدنيين العزل… وهكذا ستدوي نتائج الميدان لتحدث صدى في الرياض، قد يؤدي في المستقبل الى انهيارات أمنية محدودة، قبل القيام بانقلاب أبيض، تكون نتيجته تداعي الجغرافيا السعودية الموحدة أول الأمر.. وحتما ستكون لهذا التداعي نتائج مدوية في منطقة الخليج، سيما في \”البحرين\” التي ستكون مجبرة على القيام بخطوة تأخرت باتجاه المعارضة، وربما باتجاه تغيير عناوين النظام.. فيما ستشهد الكويت حصارا للقوى السلفية، واضطرارا لاجراءات تأخرت كثيرا في محاسبة القوى الجهادية، لتحجز مقعدها في مستقبل المعادلة،… في بغداد يبدو المشهد أكثر تعقيدا.. فالقوى العراقية ما تزال غير مستوعبة للتداعيات القائمة، ولا توجد خارطة طريق موحده لركوب الموجة، سيما أن العراق سيعد مستقبلا كأحد أهم القوى الأقليمية، شريطة أن يعي الساسة هذا الدور.. ويتجاوزوا حسابات \”الانتخابات التي ستحكم بالتأجيل حتى ينجلي غبار المعادلة القادمة\” وهو اشتراط دوليا قبل أن يكون اشتراطا محليا.. فـ المهم اليوم هو وعي المعادلة، واعادة صياغة المشهد، والتقدم باتجاه المبادرة لا انتظار التداعيات، لأن أي تأخير في خلق تفاهمات مستقبلية على صعيد الخارطة الدولية، وأقصد بها \”موسكو/واشنطن/طهران\” سيكون له أثرا سلبيا في موقع العراق القادم.. وهذا السعي سيكفل هدوءا أمنيا إذا ما أستطاعت السياسة الخارجية العراقية، تحديد موقع العراق في المعادلة القادمة…
إذن .. إننا أمام مشهد مغاير تماما لما ألفناه.. مصر الذاهبة الى الانتخابات، تركيا المترنحة بين أخطاء الاسلمه وطموحات العسكر، والمشغولة بلملمة التداعيات الأمنية، سوريا الذاهبة الى استقرار من نوع أخر، ونظام سياسي مختلف نسبيا، عما ألفناه، مع اشتراط \”بقاء الأسد لسنوات أخرى\”.. والرياض المتعبة من اصداء الخسارات، والدوحة المخلوطة بغبار الندم.. وإيران ومحورها التي سيشهد تألقا من نوع لم نألفه، ونزولا عن الخطاب الديني الى الخطاب السياسي المعتدل، وبغداد الحائرة.. والسؤال هل ستلتقط بغداد مكافأة دمشق لها على دورها المساند…؟ حتى الآن لا أرى بوادر واضحة لإجابة قاطعة.. فهل سيقوم \”بايدن\” نيابة عن العراقيين بالإجابة على هذا السؤال في رحلة المالكي الى واشنطن، أظن ذلك.