لطالما سمعتُ الناس والقنوات الفضائية تتحدث عن الفرقة الذهبية التي يسمونها (الفرقة القذرة) وتسميها بعض القنوات الفضائية المعارضة (ميليشيات) وتسمي عمليات الاعتقال التي تقوم بها بعمليات (اختطاف) ما كونت صورة مرعبة في عقول الناس عن قسوة أفرادها وبذاءتهم. وكل هذا الكلام كنت أعتبر جزءا منه مبالغة وشائعات لأن ما تقوله الناس والقنوات الفضائية المعارضة ليس دليلا بذاته، لكن الصورة اختلفت تماما حين حدثني أحد الأصدقاء الثقاة، وهو موظف في وزارة العدل بدائرة الإصلاح العراقية، عن ممارساتهم حين استقرُ في سجن الكرخ المركزي، فأول ما بدر منهم أنهم تشاجروا مع الشرطة الاتحادية لأنهم يرفضون الخضوع للتفتيش، وهم أصلا ملثمين بالأسود! فصوبوا أسلحتهم على الشرطة وأركعوهم أرضا وشتموهم! وحين استقروا بالسجن عزلوا منامهم عن بقية الحراس بالخرسانات دون السماح لأي احد بالدخول عليهم، ثم بدأت دورياتهم بالدخول للسجن مع الحراس للتفتيش الأمني للنزلاء، فإذا بهم يهينون الحراس ويشتمونهم لأي خلل بسيط أو جدل معهم أو مجرد النظر إلى وجوههم حتى أنهم ضربوا حارسا لدرجة أنه أدخل صالة الإنعاش من الكدمات التي سببت أحدها كسر فكه!! ويشتمون الحراس بكلمات بذيئة مثل (قشامر، اندوسكم بالقندرة، انكسّر روسكم، يلّه ولو، خوات ال…) ويقومون بأمر الحراس بقصاص البروك والاستدارة صوب الحائط وسحب الأسلحة من الأبراج! وإذا رد عليهم أي حارس مستنكرا تصرفاتهم فسيشتمونه ويضربونه ضربا جماعيا مبرحا (واغلب مناطق ضربهم الخصي!) وليس لديهم غير هذه العقوبة تجاه أي منتسب أو نزيل! وهم يتحدثون بافتخار أمام الحراس عما فعلوه بحراس سجن (أبو غريب) وكيف أشبعوهم ضربا وأذلوهم حتى أن بعضهم استقال من الوظيفة وغاب الآخر عن الدوام! وكيف أهانوا الشرطة الاتحادية حتى أصبحوا يهربون من أمامهم حين يدخلون! ويختمون بطولاتهم (لأنهم مو خوش اوادم)! ويتبجحون بأنهم أعلى جهة أمنية بالبلد كله ولا يخافون حتى رئيس الوزراء (نوري المالكي) عرّابهم، ويستطيعون اعتقال أي وزير أو برلماني ويسخرون من منظمات حقوق الإنسان الذي سماها أحدهم (جماعة حقوق الحيوان)!! وكأنهم ليسوا عراقيين؟ أما حين يعاملون السجناء فهم يشتمون السجناء بأعراضهم، ويضربونهم ضربا حدا التورم في أجسادهم، لأي سبب بسيط بعد أن يسألوا النزلاء عن دعاواهم القضائية! دون أي اعتبار للقانون وحقوق الإنسان؟ إذ لا توجد أي جهة قانونية تحاسبهم وهم مدعومين من (نوري المالكي) مباشرة! زعيم دولة القانون!
وحين سألت صديقي بشأن رد فعلهم كحراس على هذه الانتهاكات ولماذا لم يتخذوا موقفا جماعيا احتجاجيا؟ قال إن كل واحد منهم يقول (آني شعليه، خل اسكت أحسن وداري خبزتي بدون مشاكل)! وكل ما قالوه إنهم اتهموا الفرقة الذهبية بالجبن مع الإرهاب الذي يصول ويجول بالشوارع في حين يتنمرون على المنتسبين الذين لا حول لهم ولا قوة، ووصل الخوف بهم أنهم حرّفوا كلمة (سوات) إلى (بيت سوادي) بدل الاسم الصريح تجنبا للكشف أمامهم؟ وراح بعضهم يمزح باستعداده لتلقي الضربات مع شكرهم!! وهذا استعداد نفسي لا شعوري لقبول الظلم والمهانة والإذلال والتنازل عن الحقوق؟ عندها أدركت من كلام صديقي أن الشعب العراقي ما زال لا يدرك قيمة التحرك الجماعي والشعبي الموحد كما فعل الشعب التونسي والمصري، وبالتالي ما زال يحكمه الخوف والرضوخ والتسلط الذي يكون شرطا أساسيا لحكم الاستبداد؟ وجزاء الخوف والسكوت هو الظلم والمهانة وهدر الإنسان كقيمة وحياة ووجود، فالشعب الذي لا يحترم حقوق الإنسان هو شعب لا يحترم نفسه، والقوانين التي لا تحمي الإنسان المظلوم لا تحمي الإنسان الظالم حين تدور الأيام ويكون ضحية، فالبلد الذي ليس فيه حقوق إنسان تتبادل الأدوار فيه بين الجلاد والضحية.
بعد هذا العرض أنتقل إلى تفسير ما حدث ويحدث لأدرس نفسية الفرقة الذهبية ونفسية الحراس، وأبدأ بالفرقة الذهبية ومن زيهم ولثامهم الأسود وأسلحتهم الأمريكية التي لا تفارق أكتافهم واعتزالهم في مناماتهم عن بقية المنتسبين كما كان يفعل الجنود الأمريكان ما يدل على أن هذه الفرقة تكونت بإشراف أمريكي وكلها ذات دلالة نفسية، فاختيار اللون الأسود هو رمز الموت من جهة ويمنحها التمويه كالأشباح بالليل مثيرة الرعب والخوف في نفوس الناس في مداهماتها وتحركاتها، أما اللثام فوظيفته أمنية وقانونية، فهو حماية هوية الفرد وشكله أمنيا من الاغتيال أو الثأر الشخصي، وحمايته من أي مسؤولية قانونية لكونه مجهول الهوية؟ وهو يذكرنا بزي العصابات في أفلام هوليوود؟ لهذا يرفضون التحديق في عيونهم حتى لا يتعرف إليهم أحد، ويعزلون مناماتهم عن الآخرين، ويستخدمون أسماء رمزية بينهم أثناء الواجب مثل (تمساح، بدي، ريّس) لأنهم يعرفون أن ما يقومون به يخلق لهم ثارات وأعداء كثيرين، لهذا لا يفارق السلاح أكتافهم أبدا لعدم ثقتهم بأي شخص، ويفتحون الأمان ويسحبون رصاصة بالحجرة لإطلاق النار مباشرة! وهم يمنعون الكلام مع المنتسبين أيضا لمنع نشوء صداقة أو تعاطف أو تآلف مع أي احد بالكلام يفضي لتسريب معلومات أو الثقة بشخص والانحياز والتهاون معه؟ لكن إذا كان اللثام مبررا في الشارع خوفا من الجماعات المسلحة فهو غير مبرر مع المنتسبين أقرانهم في الحكومة؟ الجواب هو لخرق القانون دون محاسبة باسم القانون؟ فلا يرتدي اللثام إلا الذي يريد أن يخرق القانون، وإن هذه المشابهة بين العصابات والفرقة الذهبية ليست مجرد صدفة بل ذات غاية نفسية مدروسة وهي إن هذه القوات عصابات خاضعة للحكومة لكنها لا تسرق وإنما تثير الرعب وترتكب الخطف والقتل ضمن القانون وليس خارج القانون كما تفعل العصابات؟ لأنها برواتب شهرية من الحكومة فهي عصابات قانونية!! هي مخولة بالقتل والاغتيال وهم يرفعون على بابهم لافته (قوة مخولة بالقتل)! ويرتدون لثاما مرسوما عليه الفك السفلي للجمجمة التي هي رمز الموت! فهي عصابات ضمن القانون لخرق القانون! عصابات محمية من أي محاسبة قانونية أو ملاحقة قضائية! الغرض منها فرض سيطرة المالكي خارج سياق القانون على مفاصل الحكومة وأجهزتها ومؤسساتها الأمنية وإخضاعها لأجندته السياسية والحزبية، للتفرد بالسلطة بالخوف والقمع والتعسف، وهي تعود للمالكي شخصيا وليس لوزارة الداخلية أو الدفاع حسب علمي.
وهنا لابد لنا من معرفة الذهنية التي يفكرون بها فهي ضرورية جدا لتبرير أفعالهم وفهمها، ليكونوا جنودا مطيعين قساة ينفذون أي شيء وكل شيء! إنهم بحكم اختيارهم المدروس للقبول في هذا الجهاز يكونون أميين وأنصاف أميين، أي لا يعرفون سوى القراءة والكتابة، ومن صغار السن المندفعين، إذ تسهل صناعة أفكارهم تناسبا مع أميتهم وعمرهم، ليلقنوهم أن المنتسبين كلهم فاسدون كسالى يأكلون وينامون فقط وجميعهم (موخوش اوادم) لأن الشعب العراقي لا يأتي إلا بالقوة والخوف، ولا يفيدهم إلا القائد القوي العنيف، وإن الإرهاب يحارب الحكومة لكونها (شيعية)! وفق هذه الأفكار يفكر أفراد الفرقة الذهبية! ويندفعون بها بقناعة معتبرين أن ما يفعلونه صحيح تماما! وفي صالح الحكومة، وهي ثقافة اجتماعية للأسف تسيطر على تفكير أغلب الناس، ورثناها من الأنظمة المتسلطة السابقة، ثم ماذا تنتظر من شاب مندفع وأمي تعطى له سلطة مطلقة غير التسلط والاعتداء والتجاوز؟ بل سيكون من غير الطبيعي لو تصرف عكس ذلك؟ مثل طفل تعطيه مسدسا محشوا بالرصاص ليلعب به كما يشاء ويقتل من يشاء؟ إن العتب والمسؤولية لا تقع على هؤلاء الشباب الذين قد يكونون في حياتهم العامة بسطاء مثل أقرانهم، متطبعين بإرث التسلط الاجتماعي والسياسي، لكن العتب والمسؤولية تقع على الذي منح هذه السلطات المطلقة لهؤلاء الشباب الأميين ضحايا جهلهم.
إن التسلط يأخذ شكل الهرم في مجتمعنا، فكل من هو أعلى يتسلط على من هو أدنى منه وينتهك حقوقه وكرامته، وهذا الأدنى يتقمص الأعلى على من هو دونه حتى نصل إلى الأسرة؛ الأب مع أطفاله وزوجته والأخ الأكبر مع أخيه الأصغر وأخته، حتى تترسخ ثنائية التسلط والرضوخ فينا التي تحدث عنها (مصطفى حجازي) وكما قيل (إن مجتمعا من الخراف ينتج حكاما من الذئاب). وفق هذا النظام الاجتماعي يعيش الشعب العراقي الذي لم يتطبع بثقافة العمل الجماعي المدني ووسائل الضغط السلمية والقانونية بسبب الاستبداد والحروب والحصار الاقتصادي والانغلاق الثقافي. والحارس الإصلاحي هو جزء من هذه الثقافة، لهذا اتخذ ضد هذه القوات موقفا سلبيا نائيا بنفسه وسلامته الشخصية! رافعا شعار (آني معليه بغيري)!
وما لم نتثقف ونتشبع بضرورة احترام حقوق الإنسان ووجوب العمل الجماعي المدني، وثقافة الاحتجاج والتظاهر والعصيان المدني فسيعود الاستبداد والتخلف لا محالة، ولن نرتقي ونتقدم ونتطور لو بقينا بعقلية الخوف والسكوت وعبارات مثل (آني شعلية)، أو (اسكت وملك علاقة)، و(داري خبزتك بدون مشاكل)، أو (باب اللي تجيك منه ريح، سده واستريح) فلن تقوم لنا قائمة أبدا.
وأخيرا أنصح شباب الفرقة الذهبية نصيحة عراقي لعراقي؛ لا تقسوا على إخوانكم العراقيين فإن النظام السياسي لن يدوم كغيره من الأنظمة السابقة، خصوصا وهو يعيش صراعات داخلية وتناحرات إقليمية، وسقوطه سيجعلكم ملاحقين كالبعثية يهددكم القتل والاغتيال وسيتبرأ منكم قادتكم الذين وفيتم لهم، وسيثأر الناس منكم دون تمييز، وسيقسون عليكم مثلما قسوتم عليهم، ومثلما هدرتم حقوق الإنسان ستهدر حقوقكم كذلك، وتذكروا لقد كان (صدام حسين) قبلكم يفعل ما يشاء مثلكم ورأيتم كيف انتهى، هي صيحة أيضا لعلها تصل كل من له قدرة سواء بالحكومة أو منظمات المجتمع المدني أو الإعلام الحر ليفضح ويوقف الذي يجري من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وكرامته للسجناء والمنتسبين على يد الفرقة الذهبية المدعومة من المالكي دون رادع أو محاسبة.
* كاتب عراقي