صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الفساد في دوائر المرور.. مورد مالي كبير يذهب لـ«جيوب الفاسدين»

ما أن ينوي المواطن العراقي التوجه لإنجاز معاملة في إحدى دوائر المرور المنتشرة في العاصمة بغداد، إلا ويفكر أولا بالمبلغ المالي الذي عليه أن يضعه في جيبه كرشى لإتمام المهمة، فلا طوق نجاة من يد تترقب فريستها صباحا لتنقض عليها عبر أكثر من وسيلة متبعة، فالمزاجية أصبحت عرفا لدى العاملين في هذا المفصل الذي تحول إلى سرطان غير قابل للعلاج حتى عبر المضادات الكيمياوية.

وسبق لمئات الشكاوى أن صدرت من مواطنين يراجعون دوائر المرور لما يتعرضون له من منغصات روتينية تجعل إنجاز معاملاتهم يمتد لساعات طويلة وأحيانا لأيام، بالإضافة إلى الرسوم الكثيرة والرشاوى التي عليهم دفعها، وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية بهذا الصدد إلا أن المشكلة ما زالت قائمة.

ويقول صفاء مزهر “33 عاما”، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “سوء المعاملة في دوائر الدولة الرسمية، والفساد المستشري ببعض مفاصلها أصبح مشكلة كبيرة، فعند مراجعتي لمديرية مرور التاجيات في بغداد لغرض الحصول على إجازة السياقة أخبرني بعض موظفي الدائرة بأن استمارات الإصدار قد نفدت”.

ويضيف “وحين خرجت عائدا إلى المنزل صادفني بعض الأشخاص المدنيين في باب الدائرة ليخبروني أن هناك استمارة خاصة بإصدار الإجازة إلا أن سعرها يتراوح بين 35 – 50 ألف دينار، بينما هي توزع مجانا في الداخل”.

ويكمل “حاولت التفاوض معهم لمعرفة الآلية التي حصلوا بها على الاستمارة إلا أنهم رفضوا التحدث، فتوجهت إلى أحد الضباط في المديرية وأخبرته بما يحصل في الخارج، وأكد لي أنه سيقوم بإجراء اللازم ومحاسبتهم والتحقيق معهم عن كيفية حصولهم على تلك الاستمارات”.

وكانت مديرية المرور العامة قد أوضحت في 17 نيسان أبريل 2023، في بيان تلقت “العالم الجديد” نسخة منه، سبب التباطئ في عمل نظام المشروع الوطني في مجمعات التسجيل، داعية المراجعين إلى التفاوت في أوقات مراجعتهم لكي لا يكون هناك زيادة وضغط على منظومة المشروع الوطني حيث أن الزخم الحاصل تسبب بتباطئ في عمل النظام وليس توقف.

بدوره يؤكد محمد الدليمي من محافظة الأنبار (40 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مراجعة دوائر المرور في بغداد معقدة إلى حد كبير وفيها رشاوى بشكل لا يطاق، وقد جئت من مدينة الرمادي إلى بغداد ثلاث مرات ولم أتمكن من تحويل السيارة بسبب صعوبة الحصول على استمارات وأرقام التسجيل”.

ويتابع “في المرة الثالثة أخبرني أحد السماسرة في الدائرة بأنه سيكمل معاملتي ولكن علي دفع مبلغ 200 ألف دينار، وبالفعل دفعت له المبلغ وأنجز المعاملة في اليوم نفسه”.

ويتهم الدليمي “بعض الضباط والمنتسبين في دوائر المرور بالاتفاق مع السماسرة الذين يقومون بدورهم بتسهيل مهمة المراجعين مقابل نسب معينة من الأرباح التي يستحصلون عليها من المراجعين”.

وتشهد غالبية دوائر الدولة والمؤسسات الحكومية زخما بشريا كبيرا وتأخيرا في إنجاز المعاملات التي قد تصل إلى أسابيع، وهذا ما يدفع البعض للبحث عن بدائل تسهل لهم مراجعة هذه الدوائر.

إلى ذلك، يؤكد أحمد اللامي وهو ضابط في مديرية المرور العامة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “دوائر المرور عملت طيلة السنوات السابقة على إدخال النظم الحديثة في إنجاز المعاملات واتخذت سلسلة إجراءات من شأنها تسهيل العمل وإنجاز معاملات المواطنين في اليوم نفسه، خاصة فيما يتعلق بدفع الرسوم التي باتت تدفع من خلال البطاقات الإلكترونية وغيرها من الإجراءات البسيطة”.

ويشير إلى أن “مديرية المرور تقوم بين فترة وأخرى بضبط مجموعة من هؤلاء الذين يمكن تسميتهم معقبين ويوهمون المراجعين بسرعة إنجاز معاملاتهم، إلا أنهم في الحقيقة يمارسون النصب والاحتيال، وتجري مراقبتهم بشكل مستمر وحتى من يتعاون معهم من داخل الدوائر الرسمية أيضا يعاقبون وفقا للقانون”.

يذكر ان عدد سيارات العراق يفوق استيعاب الشوارع لها، وسبق للناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أن أعلن في تصريح سابق عن وجود أكثر من 7 ملايين سيارة في أرجاء البلاد، منها أكثر من مليوني سيارة في العاصمة وحدها، وفق بيانات عام 2021.

وفي آخر إحصائيات لضحايا الحوادث المرورية في العراق، فقد سجلت سنة 2022 النسبة الأعلى للحوادث بعدد بلغ 11 ألفا و523 حادثا راح ضحيته 3021 ضحية و12 ألفا و677 جريحا، بينما سجلت سنة 2007 النسبة الأقل للحوادث بعدد 3135 حادثا أدت إلى 1210 آلاف حالة وفاة و3252 جريحا.

من جانبه، يتفق النائب باقر الساعدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بـ”وجود فساد كبير في بعض دوائر المرور ونحن بدورنا نعمل على اجتثاث هذه الظاهرة ومحاسبة الفاسدين وإحالتهم إلى القضاء”.

ويوضح أن “هناك لجانا برلمانية مشكلة لمتابعة هذه الملفات المتعلقة بفساد المرور وأجرينا العديد من الزيارات الميدانية لمراقبة ومحاسبة هؤلاء”.

هذا وتتفاقم ظاهرة الرشى في العراق بشكل كبير حيث لا تقتصر على دوائر ووزارات معينة بل شملت غالبية المؤسسات الحكومية، وبين حين وآخر تعلن هيئة النزاهة والجهات المعنية عن إلقاء القبض على موظفين مدنيين ومنتسبين أمنيين وعسكريين متلبسين بمساومة المواطنين على مبالغ مالية مقابل إنجاز معاملاتهم أو استعادة حقوقهم.

إقرأ أيضا