صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الفوضى الخلاقة

متى سيعي العراقيون هول الهِوَة التي وقععوا فيها، ويتخلصون من هذا الوباء المخيف الذي أخذ مأخذا كبيرا ومميتا بالجسد العراقي، ونال من هيبة الدولة ومن ثروتها البشرية والاقتصادية. فليس أشد فتكا وايلاما من أي وباء مرضي مر على الخليقة أكثر من (الفوضى الخلاقة) التي اتخذتها الولايات المتحدة الامريكية شعارا لها في احتلال العراق، وهدمت كل أسس الدولة فيه.

وبعد أن قام الامريكان بأكبر عملية نهب وسلب وتخريب وسرقة ثروات حضارية واقتصادية هائلة، وبعد وضعهم أسس المحاصصة الطائفية والقومية، سلموا العراق لطبقة من السياسيين كانوا أهلا لثقة الأمريكان في تنفيذ ما تبقى من فوضى، عن قصد أو عن غير قصد منهم. فإن الأمريكان قد قسموا الكعكة بين هؤلاء السياسيين حسب قومياتهم وطوائفهم وباغراءات كبيرة حتى سال لعابهم امام هذه المغريات الخرافية. ويوما بعد يوم أثبت هؤلاء الحكام الجدد أنهم أهل لها، وأصبحوا في سباق مع الزمن لترسيخ المحاصصة الحزبية والطائفية، وتسارعوا لإتمام الدستور بفترة قياسية رغم العيوب الصريحة والواضحة فيه. مثلا في بعض المواضع أي خلاف بين المركز والاقليم ترجح فيه كفة الاقليم على كفة الحكومة المركزية. وهذا مثال واحد فهناك عيوب كبيرة واخطاء لا تغتفر، وكلها تصب في مصلحة إقليم كردستان الذي كان آنذاك يحظى بدعم من بعض الصقور في إدارة بوش، فأصبح الإقليم دولة كاملة السيادة ولا ينقصهم سوى الإعلان الرسمي الذي أجل لحين استكمال البنية التحتية وبناء الدولة الكردية، ما داموا جزءا من العراق، ليستفادوا من خيرات العراق الى اقصى مدى، وهذا ليس كلاما ابتدعه من مخيلتي، ولكنه قول السيد الطالباني عندما سُئل عن الاستقلال فقال (ليس هذا وقت الاستقلال فأننا سنموت من الجوع إن أعلنا استقلالنا الآن). وبالرغم من أني أشد المؤيدين لقيام دولة كردية كبرى ومتضامن معهم في هذا الطموح المشروع، لكن ليس بهذه الطريقة التي يتبعها السيد بارزاني في التعامل مع المركز، واستغلال الخلافات والتشرذم الحاصل بالمركز لكسب ما يستطيع من مكاسب هائلة، حتى اصبح شعار الساسة الكرد مع المركز (مالنا لنا ومالكم لنا ولكم). فصادرات النفط من الاقليم والواردات الاخرى لا يذهب منها للمركز شيء، وعليه، اي المركز، ان يعطي الاقليم حصته من الموازنة، وكذلك دفع أجور الشركات النفطية العاملة بالاقليم، دون أي رد من الطرف العربي سوى بعض ثورات الغضب من المالكي والشهرستاني التي قوبلت بردود كردية غاضبة واستنكارات واسعة من باقي الأطراف العربية الأخرى، الى أن تولدت قناعة لدى المالكي أن طريق السلامة الى الولاية الثالثة يأتي من أربيل، مستندا الى قول مأثور أن العرب لا يمكن ان يتفقوا يوما من الأيام، حتى تعدى هذا القول الى الطوائف العربية، وباتت كل طائفة مقسمة الى ملل متناحرة. إلا الارهابيين التكفيريين كل يوم يزدادون عددا وعتادا، ويصيبونا بين الفينة والاخرى بمقتل كبير، وساسة الفوضى الخلاقة يعيثون فسادا في بلدنا. وكل الأمل يبقى والرهان أن الوقت قد حان على الشعب العراقي ليفرز هذه الشلة من السياسيين الذين لم نر منهم طوال الاعوام الماضية غير الخراب والموت، ليخرج جيل جديد يصنع الحياة من جديد.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا