\”الفيسبوك\” في بغداد: موقع للقطيعة الاجتماعية.. حالات تحرش وطلاق وعنف أسري

تستخدم فئات واسعة من العراقيين موقع \”فيسبوك\”، ويقضي كثير منهم، ذكورا وإناثا، ساعات طويلة أمام الموقع الأزرق.. يتبادلون الرسائل ويدردشون، كما يتشاركون نصوصا وروابط الكترونية وصورا وفيديوهات، بل ينشئون صفحات شخصية وأخرى لمؤسسات، ومجموعات بعضها سرية.

ومع أن استخدام العراقيين، كما غيرهم، لفيسبوك يهدف إلى الاتصال والتواصل والتعارف حتى أن بعضهم تزوج بواسطته، إلا أنه، أصبح هذه الأيام، سببا في \”القطيعة الاجتماعية\” مثلما حدث مع بان حاتم.

وبان (33 عاما) تسكن منطقة الشعب في بغداد، انفصلت عن زوجها قبل حوالي 20 يوما اثر مشكلة سببها \”فيسبوك\” بحسب ما ذكرته لـ\”العالم الجديد\”.

وتقول بلهجة عراقية \”طليقي كان يتعبني ويراقبني يخاف تكون عندي علاقة بغير شخص\”. وتعقب \”أنا شابة محترمة وما تربطني علاقة بغيره لكن الشك والوهم دفعاه لاتخاذ القرار (الطلاق)\”.

وتسرد بان قصتها \”في الشتاء الماضي فزيت وكنت شابعة نوم.. فكرت افتح فيسبوك وكان طليقي نايم وكنت أتواصل مع أحد الأصدقاء وكانت المحادثة عامة عن الوضع والأمن.. حين فز طليقي كسر جهاز الحاسوب واتهمني بالتواصل مع الصديق بغير هدف، ومن وقتها رحت لبيت أهلي وقبل 21 يوما تطلقت\”.

قصة بان واحدة من قصص مماثلة معظمها يبقى طي الكتمان خشية \”الفضيحة\” وبعضها يخرج للعلن بعد وصوله المحاكم.

ويخبر علي جابر، قانوني، \”العالم الجديد\” بأنه \”قبل شهرين رفع شاب يبلغ من العمر 20 سنة قضية تفريق على زوجته وهي بنفس عمره\”. ويتابع \”القضية قائمة حتى اليوم وهي دعوى لخسر الزوجة المهر أو الحقوق\”.

وبشأن كيفية تعامل المحاكم العراقية مع هكذا قضايا يبيّن جابر أن \”المحكمة والقاضي يقومان بالتحقيق مع الزوجة وحتى أخذ كلمة السر لحسابها الفيسبوكي حتى يتعرفون على طبيعة التعامل مع أصدقائها في الفيسبوك\”.

ويؤكد القانوني أن \”هناك الكثير من المشاكل مرت بي بسبب الفيسبوك\”. ويستذكر \”قبل فترة كنت ضيفا في برنامج تلفزيوني وفتح المقدم اتصالات هاتفية بشأن مشاكل المرأة والمجتمع فاتصلت شابة وقالت إنها تريد رفع دعوى طلاق بسبب الفيسبوك لأن زوجها يستخدمه بشكل عجيب ويسهر حتى الصباح ولا يستطيع الذهاب إلى عمله\”.

ويتولى محامٍ في بغداد، طلب عدم الكشف عن هويته، قضيتي طلاق بسبب علاقة الكترونية لرجلين متزوجين، بفتاتين.

ويقول المحامي إن \”القضية الأولى تخص موظفا مرموقا يحمل شهادة عليا، وهي تحمل شهادة أولية ويعملان في المكان ذاته، ادعت أمام القاضي أنه يقضي أوقاتا كثيرة أمام كومبيوتره، وأنها ذات مرة أحست بان لديه علاقة مع امرأة أخرى، فأنكر ذلك، وأصر على أنه يلبي متطلبات وظيفته التي تفرض عليه ذلك\”. ويستطرد \”كبرت الخلافات، فتركت الزوجة دار الزوجية. حاول مرارا وتكرارا ثنيها عن قرارها، ففشل، وأقامت ضده دعاوى تطلب حقوقها تارة، والانفصال أخرى، أخفقت في بعضها، ونجحت في أخرى حتى كان لها ما سعت جاهدة لنيله، الطلاق\”. ويكمل \”سافر خارج العراق وتزوج من ثانية ويعيش الآن بسعادة رغم ما أثقلت به كاهله من مسؤوليات مادية، أما هي فبقيت هنا تحاول السفر خارج العراق أيضا، بعد أن تبين أنها لم تكن تسعى سوى للتخلص منه لأجل مستقبلها الوظيفي خارج العراق\”. ويشير إلى أن \”هناك من بقي يدفع أبهظ الأثمان، كما يحصل دائما، الطفل الذي أنجباه\”.

ويسرد المحامي تفاصل القضية الثانية \”هي طالبة، من عائلة محترمة، وهو طالب في الدراسات العليا، تركت الدراسة لأجله، فأعطاها طفلا، ابتدأ يطيل الجلوس إلى الانترنت، فحامت حوله الشبهات\”. ويردف \”صارحته بعد أن انكشف لها اتصاله بفتاة في أميركا، تهرب منها، أصبح يضربها ويشتمها ويهينها، لا بل أصبح يطلب رجولته منها في غير مواضعها الصحيحة، فأقامت ضده دعوى تفريق\”. ويستطرد \”ردت عليها دعواها، وهي الآن بانتظار دعوى أخرى تخلصها من هذا الذي حوله الانترنيت إلى وحش بارد، ساومها على جميع حقوقها فقبلت بالتخلي عنها، ساومها على ابنها، فرفضت أن تستبدله بحريتها منه، وهي تنتظر الآن أن تجيبها المحكمة وتطلقها منه حفاظا على ما بقي من ماء وجهها.. ومن يدفع الثمن كالمعتاد الطفل طبعا\”.

ويبدو أن مشاكل المتزوجين بسبب أحد أشهر المواقع التواصلية في العالم تبدأ من التحرش في مرحلة تسبق الزواج وقد تستمر بعده.

وتقول مينا عبد الوهاب، طالبة تاريخ في كلية الآداب بجامعة بغداد \”أصبح موقع التواصل الاجتماعي موقعا (للتلطيش) ولتكوين العلاقات الغرامية وليس للتعارف والاطلاع على المعلومات التي تخص حياتنا والعالم بصورة عامة\”. 

وتعاني مينا من طلبات الإضافة العديدة التي تتلقاها من أشخاص ليست على معرفة شخصية بهم، وتلفت \”إذا رفضت طلباتهم فسيبعثون لي رسائل تحتوي على شتائم أو صور إباحية\”. 

وتتحدث الطالبة الجامعية عن \”وجود بيجات (صفحات) غبية أصبحت تتناول الأمور المقدسة كالزواج\”. وتضرب مثالا \”هناك لعبة الزواج التي يقوم بها مدير صفحة بتزويج معجبي ومعجبات الصفحة بصورة منحطة متغاضين عن مجتمعنا الشرقي أو عن قدسية الزواج بشكل خاص\”.

علي إبراهيم صافي، وهو ناشط مدني عراقي يقيم في النرويج ويستخدم فيسبوك منذ 2007 بشكل منتظم، يعزو التحرش في الموقع إلى وجود \”أشخاص لديهم مشكلة كبيرة في التواصل الصحي الطبيعي مع الآخرين\”. ويردف \”هذا النوع موجود طبعا في عالم الواقع، وهنا في فيسبوك لا يختلف الأمر، فتراهم ينشرون ويكتبون بدون أي وازع أخلاقي أو أدنى حد لشروط النشر\”.

"الفيسبوك" في بغداد: موقع للقطيعة الاجتماعية.. حالات تحرش وطلاق وعنف أسري

علي إبراهيم (العالم الجديد)

وتعود مشاكل فيسبوك في بعض الأسر لسنوات انقضت. 

محمد فرج، (37 عاما) يعمل حارسا في مخازن للثلج، يقول لـ\”العالم الجديد\” إنه \”منذ 2009 وحتى اليوم زوجتي مدمرة حياتي حتى وصل بها الحال أن تترك البيت وتروح لبيت أهلها\”. ولكن ارتباط محمد بالموقع تحول إلى ارتباط عضوي، فيبيّن، وهو حارس كما أشرنا، \”يأخذني النوم إذا بقيت جالسا دون أن أفتح فيسبوك\”.

وبخلاف محمد، أراح مهدي جاسم (40 عاما) باله واستراح من موقع للتواصل يسبب له الصداع حين أقدم على غلق حسابه منذ سنة \”بسبب مشاكل زوجته\” ويرى أن \”المرأة العراقية لا تستطيع أن تفهم حجم العلاقة عبر التواصل بالنت لأنها من مجتمع متأخر على هذه التطورات لهذا صعب عليها تقبلها\”.

ويفسر واثق البيك، باحث اجتماعي، مشاكل الزوجية التي جلبها فيسبوك معه لمجتمع مثل المجتمع البغدادي بأن \”تسارع وتيرة التقدم المادي على حساب التقدم الاجتماعي يخلق فجوة هائلة في النسيج الثقافي والاجتماعي لذلك المجتمع، وهنا، يمكن القول إن أول وحدة اجتماعية ستتأثر بدءا بهذا التفاوت بين المستويين هي الأسرة\”.

"الفيسبوك" في بغداد: موقع للقطيعة الاجتماعية.. حالات تحرش وطلاق وعنف أسري

واثق البيك (العالم الجديد)

ويقول البيك لـ\”العالم الجديد\” إن \”أبسط نظرة لحجم دعاوى الطلاق والخلافات الزوجية المقدمة في المحاكم الشخصية، يمكن أن تعطينا مؤشرا خطرا على حجم المشكلة في الواقع العراقي\”.

ويرى أن هذه المشكلة \”لا تخص الطرفين (الزوجين) فحسب، بل مشكلة عامة تتعلق بوعي أفراد المجتمع جميعا تجاه التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، فقد يكون المتنفس للزوج غير المتناغم مع وضعه العائلي أن يهرب إلى هذا العالم الافتراضي من دون أن يدرك أن من نتائجه اتساع الهوة بينه والزوجة\”.

ويبدو أن تلك الهوة اتسعت كثيرا بالفعل حتى أصابت من يسقط فيها بكسور خطيرة، أو الموت مع بعض الحالات التي لم تتثبت \”العالم الجديد\” منها بعد. ويؤكد هذا ما ترويه ممرضة تعمل في مدينة الطب، وهي تقول \”وصلت حالة طارئة لامرأة في قسم العمليات وكنت هناك صدفة.. سألت عن وضعها الصحي فأخبرتني الطبيبة بابتسامة أن زوجها كسر أنفها بسبب صورة نشرتها بالفيسبوك\”.

إقرأ أيضا