حفر الفساد خلال العقدين الماضيين جذورا عميقة لا يمكن السيطرة عليه، إذا لم تكن هناك إرادة سياسية وإجماع على ذلك، إذ لا يزال الفساد مستشريا ومنهجا واسع الانتشار.
ففي مشهد يعكس التوتر والغضب، أعلن رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون، اليوم الأربعاء، عن بدء المعركة الحقيقية ضد الفساد،خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في اربيل والمخصص للكشف عن خفايا “سرقة القرن”.
وهزت قضية “سرقة القرن” الأوساط السياسية في البلاد، لاسيما بعد الإعلان عن متهمه الرئيسي نور زهير، ثم خروجه من البلاد بالرغم من قرار منعه من السفر للمثول أمام المحكمة، ثم ظهوره في لبنان وقبلها على فضائيات يهدد “بالتحدث عن أسماء والكشف عن كل شيء”، في حال تمت محاكمته علنياً.
إذ أبدى رئيس النزاهة، غضبه العارم وهو يصرخ بسبب ما وصفه بـ”استضعاف الهيئة اختفاء ملفات من قضية المتهم نور زهير لدى القاضي ضياء جعفر”، مؤكدًا أن “هذه التطورات تشكل تحديًا كبيرًا لجهود مكافحة الفساد واستعادة أموال الدولة المنهوبة”.
وأوضح حنون خلال المؤتمر، الذي تابعته “العالم الجديد”، أن “ملف نور زهير، الذي تم إحالته إلى محكمة الجنايات المركزية، يحتوي على 114 صكا ماليا”، مشيرا إلى أن “القانون يقتضي فتح 114 قضية منفصلة، إلا أنه تم التعامل معها كقضية واحدة”.
وكشف حنون أن “نور زهير متورط في سرقة الودائع الجمركية بما يزيد عن تريليون دينار”، مطالباً بـ”عقد جلسة بحضور القاضي ضياء جعفر لكشف الحقائق كاملة أمام العلن”.
وأضاف قائلا: “أريد من البرلمان أن يسألني لماذا تم فتح قضية واحدة فقط، رغم وجود جرائم أخرى لنور زهير، منها التلاعب بـ420 دونمًا من الأراضي في البصرة، والتي تم تسجيلها بأسماء وهمية”، مشيرا الى أن “هذه القضية تم نقلها إلى بغداد بناءً على قرار القاضي ضياء جعفر لفتة”.
وتابع حنون بأن “هناك قضايا فساد أخرى تم الكشف عنها، بما في ذلك سرقة سكك حديدية تقدر قيمتها بـ18 مليار دولار، حيث تم بيع السكك بالكامل ولم يتم اتخاذ أي إجراء من قبل القاضي ضياء جعفر منذ شهرين”.
ووجه حنون اتهامات للقاضي ضياء جعفر، مؤكدًا أن “الأخير أصدر أمر قبض بحقه، وأنه يلاحقه بشكل شخصي”.
كما طالب مجلس النواب بـ”إثبات ما إذا كانت هيئة النزاهة تجامل الفاسدين أو تتستر على أموال الشعب المنهوبة”.
وأيضاً طالب حنون، مجلس القضاء الأعلى بـ”استبدال قضاة هيئة النزاهة سنويًا لضمان النزاهة والشفافية في التعامل مع ملفات الفساد الكبرى”.
وأكد على أنه “يفضل السجن بشرف على التستر على المتهمين في قضية “سرقة القرن”.
وأشار إلى أن “الجهود مع هيئة النزاهة في إقليم كردستان تم توحيدها على أساس النجاح”، مؤكدا أن “وجودنا في أربيل من أجل إصدار الاتفاقية المشتركة لمكافحة الفساد”.
وأوضح حنون: “لم أملك في محافظة ميسان غير قطعتي أرض وما تم تداوله عن ابتزازي للدوائر غير صحيح”،كما طالب مجلس القضاء الأعلى بـ”استبدال قضاة هيئة النزاهة سنوياً لضمان النزاهة والشفافية في التعامل مع ملفات الفساد الكبرى”.
وأصدر القضاء العراقي، في 27 آب أغسطس الماضي، مذكرتي قبض بحق المتهم الأول نور زهير والمتهم الثاني هيثم الجبوري، على خلفية اتهامه بالاشتراك في سرقة الأمانات الضريبية.
يذكر أن الكشف عن سرقة القرن، يعود إلى عهد وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، عام 2022، حيث كشف خلال إعلانه استقالته من منصب وزير المالية وكالة، عن سرقة 2.5 مليار دولار (3.7 ترليون دينار) من أموال الضريبة في مصرف الرافدين الحكومي.
وأعلن رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون، مطلع آب أغسطس الماضي، استرداد أحد كبار المتهمين بـ”سرقة القرن” من تركيا بالتعاون مع السلطات في اقليم كردستان العراق، مؤكدا أنها قضية لن تموت مهما حاول ذلك الفاسدين.
وفي منتصف تموز يوليو الماضي، عدّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، موضوع سرقة الأمانات الضريبية المعروفة باسم “سرقة القرن”، نقطة سوداء في تاريخ الدولة العراقية، وأشار الى أنها نُفذت بغطاء رسمي، وكشف عن تهريب نصف أموالها الى خارج البلد.
وفي 15 آذار مارس الماضي كشف رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون، عن مصير المتهمين بقضية سرقة القرن، فيما أكد أن المتهم الرئيسي نور زهير و30 آخرين سيحاكمون قريباً، مبيناً أن قضية نور زهير حاليا لدى القضاء لاستكمال إجراءات الدعوى وان محكمة التحقيق تعمل على استكمال بعض الأموال، ومن ثم الذهاب الى محكمة الموضوع لمحاكمتهم وفق القانون.
يشار إلى أن الحكومة العراقية أعلنت في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي، عن تسوية ملف “سرق القرن” عبر مبدأ الإفراج المشروط مقابل استرداد الأموال المنهوبة وذلك خلال مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء محمد السوداني.
وكانت القوات الأمنية اعتقلت المتهم الأبرز بسرقة القرن، نور زهير، في 24 تشرين الأول أكتوبر من 2022، قبيل فراره لخارج العراق بطائرة خاصة من مطار بغداد الدولي، حيث جرى منع الطائرة من الإقلاع بعد صعوده على متنها واعتقاله.
وأثارت القضية سخطا شديدا في العراق الذي شهد في السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد، حيث باتت حديث الشارع العراقي والأوساط السياسية وغيرها حتى انتقل صداها إلى خارج العراق لتتناولها وسائل إعلام عربية وغربية.
يشار إلى أنه جرى الإعلان أكثر من مرة عن استعادة أموال مجمدة من بعض الدول الأوروبية، وتراوحت بين 20 – 40 مليون دولار، وهي لا تمثل نسبة عالية من مجموع المبالغ التي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
وما زال ملف قضية “سرقة القرن” مفتوحاً لدى القضاء العراقي للتوصل إلى جميع خيوطه، وكذلك سبل استعادة الأموال التي تم تهريبها خارج العراق بحسب ما صرح عدد من النواب والسياسيين.