القاعدة تسيطر على (المبازل) في اللطيفية.. وخطة الحكومة لتوطين \”شيعة\” فيها تفشل

تحاول الحكومة العراقية بيأس لجم الجماعات الشبحية التي تهدد العاصمة بهجمات دموية ومؤلمة على الدوام، ازدادت قوتها بشكل غير مسبوق بعد هدنة غير معلنة، منذ آذار الماضي، تكللت بتنفيذ عملية نوعية بـ\”كسر أسوار\” سجن أبو غريب أواخر تموز الماضي، حينها أطلقت -الحكومة- عملية واسعة أسمتها بـ\”ثأر الشهداء\” في أول آب الماضي، لكن يبدو أن تلك العملية أيقظت ماردا من غفوته الحذرة، ودخلت في صراع غير محسوب مع جبهات عدة.

تنظيم القاعدة بات يمتلك زمام المبادرة، بعد أن انتزعه من القوى الأمنية العراقية التي تفتقر إلى خطط ناجحة في مواجهته. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء نوري المالكي يشيد على الدوام بقدرات تلك القوى، غير أن فعاليتها على الأرض تبدو محبطة.

ومن النتائج غير المحسوبة لعملية \”ثأر الشهداء\” التي لم يعلن انتهاؤها رسميا حتى الآن رغم الإشارة الواضحة التي أطلقتها وزارة الداخلية بفتور تلك الحملة وبدء حملة جديدة داخل العاصمة، أنها سببت أزمة اختناقات وتذمرا واسعا بين البغداديين، سرعان ما انحسرت لكنها أبقت على قرار \”الفردي والزوجي\” لصد مزيد من الهجمات، والنتيجة الأهم أنها حفزت الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة على بسط نفوذها في المناطق التي كانت مجرد حواضن لها ولاسيما في حزام بغداد الجنوبي، ما أحرج الجهد الأمني الحكومي.

البغداديون باتوا يستذكرون بدايات نشوب الاقتتال الطائفي المر الذي عاشوه بين عامي 2006 و2007، فالشرارة بدأت بالتصفية على الهوية، كما بات يحدث الآن. إنها صورة معكوسة لحدث قديم ومؤلم في الذاكرة.

ولم تتمكن الأمم المتحدة والحكومة العراقية من إصدار إحصائية بعدد القتلى الذين قضوا في الاقتتال الطائفي، لكن وزارة حقوق الإنسان أعلنت نهاية العام 2011 وقوع 70 ألف قتيل وأكثر من 250 ألف جريح منذ العام 2003 حتى تاريخ صدور الإحصائية. ويرجّح مراقبون أن تكون نسبة المدنيين هي الأكبر بين عدد القتلى.

الشهر الحالي شهد حوادث قتل طائفية متبادلة في مناطق اللطيفية واليوسفية والمحمودية والدورة، ما زاد من حدة التوتر ورفع من منسوب قلق الشارع إلى المستويات التي سبقت اندلاع الحرب الأخيرة، ما يعني أن إحصائية قتلى هذا الشهر ستكون مرتفعة، وما سيجعل يونامي بالتأكيد تطلق تحذيرا جديدا عن قرب إعلان الحرب.

شرارة القتل الأولى كانت في اللطيفية، حين قتل مسلحون يتبعون لتنظيم القاعدة 18 شخصا بينهم نساء وأطفال، وأصابوا أكثر من 10 بتفجير منزلين لعائلة شيعية بعد منتصف ليل الرابع من أيلول الحالي.

وبحسب مصدر أمني، وهو ملازم أول في الجيش العراقي، فان \”الحادث وقع في منطقة الشاخات (مبازل اللطيفية)\”.

وتعد ناحية اللطيفية، التي تبعد 40 كلم جنوب بغداد، معقلا رئيسا لتنظيم القاعدة، لاسيما في منطقة المبازل التي تعرف محليا بـ \”الشاخات\” وهي مشاريع إروائية أقيمت في ثمانينيات القرن الماضي، ولا تفصلها عن منطقة شمال بابل سوى 18 كلم بمناطق مفتوحة شاسعة وبساتين نخيل.

ويقول مصدر أمني محلي لـ\”العالم الجديد\” إن \”عدد مبازل اللطيفية يبلغ حوالي 22، تفصل بين كل واحد مساحة غير قليلة\”، وتوجد فيها أبنية قديمة مهملة لمشاريع حكومية مندثرة.

ويلفت المصدر إلى أن \”المبزل 13 هو الأخطر، ووزير الصحة في الدولة الإسلامية في العراق والشام يتمركز في المنطقة، ويدير الأعمال المسلحة هناك\”، معقبا بأن أن \”الأهالي يخافون سطوته\”.

ويبين أن \”الوزير، هو موظف على ملاك وزارة الصحة العراقية بصفة سائق إسعاف\”.

وفي سني الاقتتال الطائفي كان المحيط الجنوبي لبغداد، عبارة عن مذبح دائم، فيما كانت منطقة اللطيفية الأخطر.

الحكومة التي غالبا ما تنعت بـ\”الطائفية\” ولاسيما من طرف خصومها السنة المتشددين، حاولت منذ أشهر سابقة إعادة توطين عائلات شيعية في منطقة اللطيفية، وصل عددها 40، وفقا لمعلومات خاصة بـ\”العالم الجديد\” لإحلال نوع من التوازن في المنطقة التي باتت مقفلة سُنيا بعد العام 2006 اثر التهجير الطائفي المتبادل.

وطبقا لـمصدر محلي في المنطقة الساخنة، فان \”تلك العائلات منحت مبالغ مالية من أجل تأجير أو شراء منازل، وبعض منها عائلات كانت قد هجرت سابقا من المنطقة، على أمل أن تتسع رقعة الاختلاط والتنوع لتجفيف منابع حواضن الإرهاب\”.

وينوه المصدر، الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه في حديث لـ\”العالم الجديد\”، بان \”الطريق المحوري المحاذي لقضاء المحمودية، تتوزع على جانبيه مساحات زراعية حولت إلى أراض لبناء مجمعات سكنية، تريد الحكومة أن يقطنها شيعة لخلق حزام توازن ديموغرافي في المنطقة\”.

ويستدرك \”الخطة تقتضي إقامة بناء عمودي أو أفقي، لإسكان ذوي الشهداء أو السجناء السياسيين والمهجرين\”. لكن حتى اللحظة لم تستقطب الخطة الكثيرين، مخافة اندلاع صراع طائفي شرس يكونون وقوده.

ويعلق عنصر متشدد في ميليشيا شيعية نافذة جنوب غرب العاصمة، يعرف بـ\”أبو كرار\”، لـ\”العالم الجديد\”.. \”لا نريد أن تقوم الحكومة بإسكان مثقفين هناك، كأن يكونوا أطباء أو مهندسين أو معلمين، نريد عائلات فقيرة ومتعصبة للمذهب، قادرة على القتال إن استدعى الأمر ضد الإرهابيين\”.

الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة تنتشر بشكل كثيف في حزام بغداد الجنوبي المحاذي لمنطقة شمال بابل، والتي غالبا ما توصف بالمنطقة الأكثر خطورة، ولاسيما منطقة جبلة. ويطلق عناصر من تنظيم عصائب أهل الحق تسمية \”السعودية\” على مناطق شمال بابل، في إشارة إلى انتشار الجماعات القاعدية في المنطقة.

عنصر المبادرة الذي باتت جماعات القاعدة تتمتع به على حساب القوات الأمنية الحكومية التي تقتصر فعالياتها على ردود الفعل، ومحاولة احتواء الموقف المتفجر، بدا واضحا في 11 أيلول الحالي، حين كشف مصدر أمني في شرطة بابل، عن تعرض أكثر من 200 عائلة إلى التهجير في منطقة اللطيفية بعد سيطرة تنظيم القاعدة على محيط المنطقة.

وبحسب رواية المصدر الأمني التي نقلتها وكالة \”أوان\” الإخبارية، فان \”القوات الأمنية اشتبكت عدة مرات مع عناصر القاعدة، الذين كانوا يختبئون في أماكن يصعب الوصول إليها بواسطة المشاة، فضلا عن كونهم  

مجهزين بأحدث الأسلحة والأعتدة وتمكنوا من قتل العديد من المواطنين على الهوية\”.

وبيّن أن \”الاشتباكات أعقبتها مفاوضات بين العوائل الشيعية وتنظيم القاعدة الذي طلب منهم الخروج من المنطقة بأرواحهم وترك ممتلكاتهم ومواشيهم وبساتينهم\”، مشيرا إلى أن \”الإرهابيين قطعوا كل جداول المياه وأنابيب ماء الشرب وأسلاك الكهرباء الواصلة إلى المنازل ونصبوا سيطرات على الطرق المؤدية إلى هناك طيلة أسبوع كامل، ما اضطر الأهالي إلى ترك مناطقهم بعد أن عجزوا عن مقاومتهم\”.

المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، وعلى لسان ممثله في كربلاء عبد المهدي الكربلائي، وجه، في خطبة صلاة الجمعة، انتقادا حادا لعمليات الاستهداف ذات الطابع الطائفي في مناطق الشمال والجنوب، موصيا \”قيادات الأجهزة الأمنية بالتحرك بشكل سريع والتعامل بحزم مع أي طرف يستهدف المواطنين الأبرياء\”.

وقال الكربلائي إن \”الأحداث الأمنية الأخيرة وما شهدته بعض مدن العراق في الشمال والجنوب من استهداف طائفي متبادل، له تداعيات خطيرة وكارثية على العراق\”.

انفلات القبضة الأمنية الحكومية في حزام بغداد الجنوبي، أشر خطورة الموقف وإمكانية تفاقمه، مع اشتداد الضربات التي توجهها الجماعات القاعدية.

ويحذر مصدر أمني رفيع في حديث لـ\”العالم الجديد\” من أن \”تكتيك تصفية العائلات، يعد أسهل وأسرع وأكثر أماناً للجماعات الإرهابية، لخلق توتر أمني وقلق اجتماعي ورعب، بذات القوة التي تصنعها المفخخات والعبوات الناسفة\”.

ويرى المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن \”المفخخات قد لا تدفع نحو الاقتتال الطائفي بشكل سريع، كما تفعل عمليات قتل العائلات وتصفيتها على أساس الانتماء المذهبي، وعلى ما يبدو فان المجتمع البغدادي أمام اختبار صعب طالما استمرت هذه الأعمال\”.

وينبّه إلى أن \”هذه الأعمال قد تكون ذات خطر اكبر، لأنها تبين بشكل واضح عجز القوات الأمنية عن ملاحقة هذه الجماعات في الأزقة والمحلات والبيوت في وقت تركز على صد الأعمال الإرهابية بالمفخخات\”.

البرلمانية عن ائتلاف دولة القانون بتول فاروق، تذهب إلى أن \”المخطط يرمي إلى إشعال فتنة طائفية بين العراقيين، لكن هذه المرة يراد الوصول إلى النقطة الأبعد، وهي نقطة التقاتل بالنيابة عن الجماعات الإرهابية بأيدينا، لتتفرغ لمشروعها الأكبر\”.

وتقر فاروق في حديث مع \”العالم الجديد\” بأن \”هناك قتلا متبادلا بين الشيعة والسنة الآن، وهذا ما يريده الإرهابيون بإعلان دولة داخل العراق على غرار الدولة في بلاد الشام، لذا هم يحاولون عبر طرق مختلفة\”.

وتجد البرلمانية أن \”الممر الوحيد بعد سنوات من المفخخات للوصول إلى الحرب الطائفية، هو قتل عشوائي بين الطرفين السني والشيعي وبشكل يومي، عبر الاختطاف ومن ثم التصفية\”.

ومع أن عملية ثأر الشهداء، باتت مسببا في عين مراقبين بفتح باب القتل على الهوية، بتحفيز الجماعات المسلحة وإخراجها من أوكارها ومناطقها الآمنة، للعمل بحرية أكبر، كرد فعل على فشل القضاء عليها، واستعراض للقوة دون رادع، تدافع فاروق عن العملية، وتلفت إلى أنها \”حققت انجازا وحدّت من قوة الجماعات المسلحة\”، غير أنها تستدرك \”هناك حواضن راعية في تلك المناطق وفقا للمعلومات الاستخبارية، وكانت تلك الجماعات آمنة فيها ومندمجة مع سكانها، لذا كان من الصعب التعرف على عناصرها وتتبعهم\”.

ورفضت فاروق أن \”تكون الحملة الأمنية موجهة إلى طائفة بعينها في حزام بغداد\”، منوهة بأن اعتقال متورطين أو ملاحقتهم وجلهم من طائفة واحدة \”لا يعني أن هناك استهدافا لتلك الطائفة بعينها، أو أن لا يلقى القبض عليهم مخافة إطلاق اتهامات ضد الحكومة بأنها طائفية\”.

إقرأ أيضا