يستمر الجدل والانقسام بشأن تمرير التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، الذي أدخل العراقيين في صراع اكتسب صبغة طائفية، رغم حسم مجلس القضاء الأعلى، الجدل بشأن زواج القاصرات وحضانة الأطفال والميراث في تعديل قانون الأحوال الشخصية.
إذ كشف عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، وصاحب مقترح “تعديل قانون الأحوال الشخصية”، رائد المالكي، اليوم الاثنين، عن تعديلات جديدة طرأت في القانون، مرجحا طرحه في البرلمان للتصويت خلال الأسبوع الحالي.
وتعوّل أحزاب “الإطار التنسيقي” الشيعي على أغلبيتها البرلمانية في إقرار تلك التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية الذي يحظى بدعم مرجعيات دينية في النجف، وتأمين مساندة الكتل السنية التي تطالب في المقابل بإصدار قانون العفو العام عن آلاف السجناء ضمن ما توصف بأنها صفقة سياسية لتمرير القانونين معا.
ويأتي ذلك في وقت تلقى فيه العراق تهديدًا من الاتحاد الأوروبي، بفرض عقوبات، وخفض مستوى العلاقات في حال المضي بالقانون.
وقال المالكي، في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “اللجنة القانونية النيابية بصدد وضع اللمسات الاخيرة على صيغة مقترح قانون الأحوال الشخصية، وسيتم عرض القانون للتصويت في أقرب جلسة في الأسبوع الحالي”.
وأضاف أن “الملاحظات معظمها تم استيفاؤها ودراستها، وان النقاط الاساسية في التعديل ستكون منح الحرية للعراقي والعراقية باختيار الالتزام بالأحوال الشخصية وفق المذهب وخاصة بالنسبة للمذهب الجعفري، وكذلك تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بأحكام الحضانة وستكون صيغة منصفة ومتوازنة بين كل الأطراف، تراعي مصلحة (المُحتَضَن) وتعطي سلطة تقديرية للقاضي إزاء موضوعات الحضانة وتقريبا هي أقرب لصيغة الحضانة المشتركة بين الأب والأم بالنسبة لحضانة الطفل”.
وأشار المالكي، إلى “وجود تقارب كبير بين وجهات النظر التي كانت معارضة للقانون، والآن تقترب كثيرا من تأييد مقترح تعديل القانون، فالجميع أدرك أن التعديل أصبح أمراً واقعاً، وأن الحضانة بحدود سبعة سنوات كحد أدنى”.
وبالنسبة لعمر الزواج، لفت إلى أنه “سيتم تحديده بما يوافق الحد الادنى لعمر الزواج في القانون الحالي، ولا يوجد أثر رجعي بتطبيق أحكام القانون، فكل القضايا التي نظر فيها القضاء وحسمها سواء تتعلق بالزواج والطلاق والنفقة، كل هذه القضايا حسمت قبل نفاذ القانون، وبالتالي تعتبر مصانة ومحترمة وحقوق مكتسبة”، مؤكداً أن “تعديل قانون الأحوال الشخصية يحكم الحالات والقضايا القائمة ولم تحسم بعد نفاذه أو ما سيحصل في المستقبل”.
وحذر رئيس ائتلاف الوطنية رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي، في 28 أيلول سبتمبر الجاري، من تفكك النظام القانوني للدولة العراقية وزعزعة القيم الاجتماعية في حال المضي بتعديل قانون الأحوال الشخصية.
وحسم مجلس القضاء الأعلى، في 22 أيلول سبتمبر الجاري، الجدل بشأن زواج القاصرات وحضانة الأطفال والميراث في تعديل قانون الأحوال الشخصية، مبينا أن “أصل مشروع القانون المطروح، لم يتناول الأحكام التفصيلية التي تتعلق باحوال الأسرة من زواج وطلاق وحضانة ونفقة وما الى ذلك”.
وأنهى مجلس النواب العراقي، يوم 16 من شهر أيلول سبتمبر الجاري، تقرير ومناقشة مقترح قانون “تعديل قانون الأحوال الشخصية” تمهيداً للتصويت عليه بجلسة أخرى.
ومنذ العام 2017، عجزت قوى سياسية ذات خلفيات دينية عن إقرار القانون تحت ضغط الشارع العراقي، ومنظمات المجتمع المدني، التي عدّت القانون واحدًا من القوانين المجحفة بحق المرأة والطفولة.
وأثار توجه البرلمان لإجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية، ردود فعل غاضبة من قبل ناشطين ووسائل إعلام حذروا مما وصفوه تكريس الطائفية وتعظيم سلطة المذاهب على حساب القضاء، ومنح أحزاب السلطة نفوذاً أكبر، وسط انتقاد منظمات حقوقية وخبراء قانون أيضاً.
ويستند تعديل قانون الأحوال الشخصية إلى إدخال تغييرات جذرية على القانون الحالي، من ضمنها السماح بتزويج الفتيات في سن التاسعة، وتقييد حقوق المرأة في الإرث والحضانة، بالإضافة إلى منح السلطة للقضاة بتطبيق الشريعة الإسلامية على النزاعات الأسرية حسب المذهب، فيما يرى منتقدو التعديل أنه يُسهم في تقويض حقوق المرأة والأطفال، ويزيد من التعصب الطائفي، ويهدد بعودة العراق إلى أزمنة سحيقة كانت النساء خلالها محرومات من حقوقهن الأساسية.
ورصد مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية في 17 آب أغسطس الماضي، وجود حملات “تحريض”، يقودها رجال دين بحق محامين وناشطين بسبب آرائهم من مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، الأمر الذي أثار موجة انتقادات واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي.
وأقر عضو اللجنة القانونية النيابية رائد المالكي، وهو صاحب مقترح إجراء التعديلات على القانون، في 11 آب أغسطس الماضي، بحاجة التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية إلى مراجعة لإنضاج القانون أكثر قبل المضي بالقراءة الثانية لمسودته.
وتعهد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في 13 آب أغسطس الماضي، بمناقشة جميع الملاحظات التي أُثيرت بشأن تعديل قانون الأحوال الشخصية، خلال جلسات المجلس الاعلى لشؤون المرأة.
وحذرت منظمة”هيومن رايتس ووتش”، مما وصفته بـ التداعيات الكارثية لو أقر هذا القانون، وقالت إن البرلمان العراقي يعمل على تعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد، بما يسمح للمرجعيات الدينية العراقية، بتنظيم شؤون الزواج والميراث، بدلا من قانون الدولة.
وبحسب تقرير لـ”رايتس ووتش”، إذا أُقرّ التعديل، ستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي، إذ سيسمح بزواج الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات، وتقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة أوجه حماية للمرأة في الطلاق والميراث.
وحثت المنظمة، البرلمانيين العراقيين على رفض مساعي تجريد النساء والفتيات من الحمايات القانونية، ورفض التراجع عن الحقوق التي اكتسبنها بشقّ الأنفس خلال عقود من الزمن، محذرة من أن عدم فعل ذلك يعني أن الأجيال الحالية والمستقبلية من النساء العراقيات ستظل مخنوقة بنظام قانوني أبوي قمعي”.
وكان قانون الأحوال الشخصية في العراق قد أُقّر عام 1959 خلال عهد رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم، وهو قانون يسري على جميع العراقيين دون تمييز مذهبي حتى الآن، لكن التعديلات الجديدة تشير في إحدى فقراتها على أنه “يحق للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية، وفق المذهب الذي يختاره ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم”.
وينص مشروع القانون على أنه “إذا اختلف أطراف القضية الواحدة في الأسرة بشأن تحديد مصدر الأحكام الواجب تطبيقها في طلبهم، فيعتمد الرأي الشرعي فيها”، كما يلزم التعديل الجديد “المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني بالتنسيق مع مجلس الدولة بوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليها خلال 6 أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون”.